قراءة في كتاب الاحتكار دراسة فقهية مقارنة
مؤلف الكتاب أحمد عرفة وهو يدور حول تجريم الاحتكار وفى مقدمته قال عرفة:
"وبعد،،، فقد يسرت الشريعة الإسلامية للناس سبل التعامل بالحلال لكى تكون أجواء المحبة سائدة بين الأفراد، ولكى تبقى الحياة سعيدة نقية، لا يعكر صفوها كدر ولا ضغينة ومن أجل هذه الأهداف السامية ..حرم الاحتكار لما فيه من تضييق على عباد الله بقوله (ص)(لا يحتكر إلا خاطئ) وقوله (ص)(من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله تعالى منه) "
وبين عرفة ان الاحتكار من أسس النظام الرأسمالى فقال:
"ولما كان الاحتكار ركيزة من ركائز النظام الرأسمالى الحديث، وسمة من سمات التعامل الاقتصادي فى معظم الشركات إن لم يكن فى كلها، رغم أنه يحمل فى طياته بذور الهلاك والدمار لما يسببه فى ظلم وعنت وغلاء وبلاء، ولما فيه من إهدار لحرية التجارة والصناعة، وسد لمنافذ العمل وأبواب الرزق أمام غير المحتكرين"
واستهل الرجل بحثه بتعريف الاحتكار على عادة القوم لغويا واصطلاحيا فقال :
"المبحث الأول: تعريف الاحتكار
المطلب الأول : الاحتكار لغة:
عرفت مادة حكر فى قاموس لسان العرب لابن منظور كا يتضح فيما يلى:
أولا: الحكر بفتح الحاء وسكون الكاف، ادخار الطعام للتربص وصاحبه محتكر
ثانيا: الحكر والحكر بفتح الحاء فى الأول وضمها فى الثانى، وفتح الكاف فيها بمعنى ما احتكر تقول: إنهم ليحتكرون فى بيعهم ينظرون ويتربصون، وأنه يحكر بكسر الحاء وسكون الكاف - لا يزال يحبس سلعته والسوق مادة - أى ملأى حتى يبيع بالكثير من شدة حكره - بفتح الحاء وسكون الكاف الاسم من الاحتكار
ومنه الحديث أنه نهى عن الحكرة ومنه حديث عثمان أنه كان يشترى حكرة (أى جملة وقيل جزافا) وأصل الحكرة الجمع والإمساك
فائدة:
ففى الأول معنى الحكر هو جمع الطعام ونحوه واحتباسه وقت الغلاء ولا يخفى ما يحدثه هذا الحبس من المضرة والإساءة للمحتاجين
وفى الثانى معنى الحكر والحكر هو أن المحتكرين يحتبسون الطعام ينتظرون ويتربصون به الغلاء حتى يبيعون بالكثير من شدة احتكارهم
أما الاسم من الاحتكار هو الحكر والحكر فمعناهما جمع الطعام ونحوه وإمساكه وحرمان الناس منه وهكذا وضح أن معانى مادة حكر تعنى كلها جمع الطعام ونحوه وحبسه عن الناس وهذا يؤدى إلى ظلم الناس وإساءة معاشرتهم
المطلب الثانى: الاحتكار فى اصطلاح الفقهاء:
لا يختلف معنى الاحتكار الشرعى الاصطلاحى عن معناه اللغوى، وقد عرف عند الفقهاء بتعريفات متقاربة فى المعانى والألفاظ
أولا: عند الحنفية:
يقول الحصفكى فى شرح الدر المنتقى : الاحتكار شرعا اشتراء الطعام ونحوه وحبسه إلى الغلاء أربعين يوما لقوله (من احتكر على المسلمين أربعين يوما ضربه الله بالجذام والإفلاس) ويقول الشرنبلالى فى حاشيته على درر الحكام شرح غرر الأحكام : الاحتكار حبس الطعام للغلاء افتعال من حكر إذا ظلم ونقص وحكر بالشئ إذا استبد به وحبسه عن غيره ويقول البابرتى فى شرح العناية : إن المراد بالاحتكار " حبس الأقوات تربصا للغلاء "وقال الإمام الكاسانى فى بدائع الصنائع :
إن الاحتكار أن يشترى طعاما فى مصر ويمتنع عن بيعه، وذلك يضر بالناس وكذلك لو اشتراه من مكان قريب يحمل طعامه إلى المصر وذلك المصر صغير وهذا يضر به
هذه هى كلمة الحنفية حول تحديد ماهية الاحتكار وبالتأمل فيها يستطيع الناظر أن يستخلص الآتى:
1 - أن الكاسانى والحصكفى قد قيدوا الاحتكار المحظور بالشراء بينما لم يقيده بذلك الشرنبلانى والبابرتى
2 - أشار الكاسانى إلى شمول الاحتكار للشراء من المصر أو من مكان يجلب طعامه إلى المصر
3 - قيد غالبية فقهاء الحنفية الاحتكار بالأقوات بينما عداه إلى غير الأقوات البعض ومنهم الحصكفى
4 - نبه الكاسانى إلى إلى قيد يفيد حكمة المنع من الاحتكار: فأضاف إلى التعريف قيد أن يكون ذلك يضر بالناس بدليل قولهم " إلى وقت الغلاء "
ثانيا: مذهب المالكية:
عرف المالكية الاحتكار بقولهم: هو الادخار للمبيع وطلب الربح بتقلب الأسواق أمام الادخار للقوت فليس من باب الاحتكار
ثالثا: مذهب الشافعية:
عرفه الرملى الشافعى بقوله: أنه اشتراء القوت وقت الغلاء ليمسكه ويبيعه بعد ذلك بأكثر من ثمنه للتضييق
كما عرفه الخطيب الشربينى بقوله: هو إمساك ما اشتراه وقت الغلاء ليبيعه بأكثر مما اشتراه عند اشتداد الحاجة بخلاف إمساك ما شاتراه وقت الرخص لا يحرم مطلقا ولا إمساك علة ضيعته ولا ما اشتراه فى وقت الغلاء لنفسه وعياله أو ليبيعه يمثل ما اشتراه
رابعا: مذهب الحنابلة:
عرف الإمام ابن قدامه الحنبلى الاحتكار بقوله :
والاحتكار المحرم ما اجتمع فيه ثلاثة شروط:
أحدها: أن يشترى فلو جلب شيئا أو أدخل من غلته شيئا فأدخره لم يكن محتكرا
الثانى: أن يكون المشترى قوتا، فأما الإدام والحلواء والعسل والزيت وأعلاف البهائم فليس فيها احتكار محرم
الثالث: أن يضيق على الناس بشرائه ولا يحصل ذلك إلا بأمرين:
أحدهما: أن يكون فى بلد يضيق بأهله الاحتكار كالحرمين وبالثغور
الثانى: أن يكون فى حال الضيق بأن البلد قافلة فيتبادر ذو الأموال فيشتريها ويضيقون على الناس
التعريف المختار:
إن الاحتكار هو حبس مال أو منفعه أو عمل، والامتناع عن بيعه وبذله حتى يغلو سعره غلاء فاحشا غير معتاد، بسبب قلته، أو انعدام وجوده فى مظانه، مع شدة حاجة الناس أو الدولة أو الحيوان إليه
وقد قام فتحى الدرينى بتوضيح ما يستفاد من تعريفه فبين ما يلى:
أ- أن الاحتكار هو حبس ما يحتاج إليه الناس، سواء ما يحتاج إليه الناس، سواء كان طعاما أو غيره مما يكون فى احتباسه إضرارا بالناس، ولذلك فإنه يشمل كل المواد الغذائية والأدوية والثياب ومنافع الدور والأراضى، كما يشمل منافع وخبرات العمال وأهل المهن والحرف والصناعات، إذا كانت تحتاج إلى مثل تلك السلع والخدمات والمنافع وأساس هذا الأمر: أن كل ما لا تقوم مصالح الأمة أو الدولة إلا به فهو واجب تحصيله
ب- أنه لم يفرق فى الاحتكار بين كون السلعة قد اشتريت من الخارج واستوردت، أم اشتريت من الداخل وحبست انتظارا للغلاء، أو كانت إنتاجا ذاتيا من محل المحتكر
جـ - شمل تعريف الاحتكار: كل ما يضر حبسه بالإنسان والدولة والحيوان
د - أظهر التعريف ظاهرة (الحاجة) التى هى على تحريم الاحتكار فليس كل ظرف من الظروف يكون فيه حبس هذه الأشياء احتكارا، وإنما يكون احتكارا فى ظرف الحاجة الذى يقع فيه الضرر، فإذا لم يوجد مثل هذا الظرف كان الادخار احتباسا مباحا، لأنه تصرف فى حق الملكية بل قد يكون واجبا إذا كان اختزانا احتياطيا "
مما سبق نجد أن الاحتكار هو منع شىء عن الناس بقصد بيعه بأكثر من سعره المشترى به كثيرا أى بأضعاف ثمنه وهو كذنب ليس جريمة واحدة وإنما جرائم متعددة منها :
الأول إيذاء الناس أو غيرهم بالتجويع أو بغلو السعر الذين يعجزون عن دفعه أو بغيره
الثانى جريمة ربا أى مكسب أى ربح محرم وهو بلوغ السعر الضعف أو أكثر من الضعف وهو ما حرمه الله تعالى بقوله:
" لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة "
وفى الفصل الثانى تحدث عما سماه حكم الاحتكار فقال :
المبحث الثانى حكم الاحتكار فى الفقة الإسلامى
المطلب الأول: بيان الحكم التكليفى للاحتكار
اختلف الفقهاء فى حكم الاحتكار على مذهبين:
المذهب الأول: أن الاحتكار محرم:
وهذا مذهب جمهور الفقهاء منهم المالكية ، والشافعية على الصحيح عندهم ، والحنابلة ، والظاهرية ، وغيرهم
المذهب الثانى: أن الاحتكار مكروه:
وهذا مذهب جمهور الحنفية ، وبعض الشافعية حيث عبروا عنه بالكراهة إذا كان يضر بالناس
أدلة المذاهب ومناقشتها
أدلة المذهب الأول:
استدل الجمهور على حرمة الاحتكار بالكتاب والسنة والأثر والمعقول:
أما الكتاب: فقوله تعالى {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}
قال الإمام القرطبى عند تفسيره لهذه الآية:
روى عن يعلى بن أمية أن رسول الله (ص) قال (احتكار الطعام فى الحرم إلحاد فيه) وقد فهم من هذا صاحب الاختيار الحنفى أن الآية أصل فى إفادة تحريم الاحتكار وفى إحياء علوم الدين للغزالى عند تفسيره لهذه الآية: إن الاحتكار من الظلم وداخل تحته فى الوعيد
وما ذهب إليه الغزالى فى بيان وجه الدلالة هو القول الراجح إذ أن مدلول الآية عام ويدخل تحت النهى كل من أراد محرما ولا شك أم الاحتكار داخل تحت نطاق هذا العموم الشامل للاحتكار وغيره، فإن قيل إن الآية نزلت بسبب غير النهى عن الاحتكار قلنا إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
وأما السنة: فقد دلت أحاديث كثيرة فى السنة النبوية على تحريم الاحتكار ومنها:
1 - ما روى عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله العدوى أن النبى (ص) قال: (لا يحتكر إلا خاطئ)
قال الإمام الشوكانى فى كتابه " نيل الأوطار " : والتصريح بأن المحتكر خاطئ كاف فى إفادة عدم الجواز لأن الخاطئ المذنب العاصى وقال الصنعانى: الخاطئ هو العاصى الآثم، وفى الباب أحاديث دالة على تحريم الاحتكار
2 - ما روى عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله (ص)من دخل فى شئ من أسعار المسلمين ليغلبه عليهم كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة)
وجه الدلالة من الحديث:
دل هذا الحديث على معاقبة من يقدم على ذلك بمكان فى النار، ولا يكون ذلك إلا لارتكابه المحرم
3 – ما روى عن أبى هريرة قال: قال رسول الله (ص)من احتكر حكرة يريد أن يغلى بها على المسلمين فهو خاطئ)
4 - ما رواه ابن عمر أن النبى (ص) قال: (من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه، وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعا فقد برئت منهم ذمة الله)
5 - ومنها ما رواه عمر أن النبى (ص) قال: (من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس) رواه ابن ماجة
6 - وعن عمر بن الخطاب أن النبى (ص) قال: (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون)
وجه الدلالة من هذه الأحاديث:
قال الإمام الشوكانى: ولا شك أن أحاديث الباب تنتهض بمجموعها للاستدلال على عدم جواز الاحتكار، ولو فرض عدم ثبوت شئ منها فى الصحيح فكيف وحديث معمر مذكور فى صحيح مسلم؟ (نيل الأوطار جـ 5، صـ 267)
وأما الأثر: فمنه:
1 – ما روى عن عمر بن الخطاب أنه قال: " لا حكرة فى سوقنا، لا يعمد رجال بأيديهم فضول من أذهاب إلى رزق الله نزل بساحتنا فيحتكرونه علينا، ولكن أيما جالب جلب على عمود كبده فى الشتاء والصيف ، فذلك ضيف عمر فليبع كيف شاء الله وليمسك كيف شاء الله "
2 - ما روى أن عثمان كان ينهى عن الحكرة
3 - ما روى عن على أنه قال" من احتكر الطعام أربعين يوما قسا قلبه "
4 - ما روى عن على أنه أحرق طعاما محتكرا بالنار
وجه الدلالة من هذه الآثار:
واضح من هذه الآثار النهى عن الحكرة، والنهى يفيد التحريم، ما لم تأت قرينة تصرفة إلى غير التحريم، ولا قرينة فإن هذه الآثار تفيد ما أفادته الأحاديث السابقة"
"وأم المعقول:
فقد حكاه الكاسانى بقوله: ولأن الاحتكار من باب الظلم لأن ما بيع فى المصر فقد تعلق به حق العامة، فإذا امتنع المشترى عن بيعه عند شدة حاجتهم إليه فقد منعهم حقهم، ومنع الحق عن المستحق ظلم وحرام، يستوى فى ذلك قليل المدة وكثيرها، لتحقق الظلم
أدلة المذهب الثانى:
استدل القائلون بكراهة الاحتكار بالآتى:
1 - قصور الروايات الواردة فى تعداد ما يجرى فى الاحتكار من ناحية السند والدلالة لا تقوى بالتحريم، كما لا تنتهض لأن تكون دليلا عليه
أجيب عن هذا: بأن الروايات غير قاصرة فى دلالتها على التحريم لترتبه على اللعن والوعيد الوارد فيها كما أن الاختلاف فى التعداد لا يعنى الكراهة دون تحريم فضلا عن ذلك: فتصريح الحنفية بالكراهة على سبيل الإطلاق ينصرف إلى الكراهة التحريمية وفاعل المكروه تحريما عندهم يستحق العقاب، كفاعل الحرام
2 - أن الناس سلطون على أموالهم وتحريم التصرف حجر عليهم
أجيب عن هذا: بأن حرية المالك فى ملكه مطلقة ما لم يترتب على ذلك إضرارا بالآخرين إذ لا ضرر ولا ضرار، والضرر يزال، ودر المفاسد مقدم على جلب المصالح
المذهب المختار:
وبعد عرض مذاهب الفقهاء فى حكم الاحتكار وأدلة كل مذهب فإن مجموع الأدلة ترجح رأى جمهور الفقهاء القائل بتحريم الاحتكار وذلك لقوة أدلته وسلامتها من المناقشة"
الروايات السابقة صحيحة المعنى عدا :
"من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه "
والخطأ هو تحديد الاحتكار بأربعين ليلة والاحتكار ينتج عنه أضرار بعد عدة أيام تتجاوز الثلاثة منها تجويع أطفال وإضرار جسمى للحوامل والرضع والبهائم وغير ذلك فالاحتكار أيا كان عدد ايامه هو محرم
"من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس"
الخطأ إصابة المحتكر بالجذام والمعروف أن المحتكرين لا يصاب منهم أحد بالجذام إلا نادرا لأن الجذام يحتاج لبيئة معينة لا يعيش فيها التجار
"من احتكر حكرة يريد أن يغلى بها على المسلمين فهو خاطئ"
الخطأ هنا الغلاء على المسلمين فقط فالإغلاء على الناس جميعا محرم فكل من أذى كافرا دون حق كفر مثله
وكذلك رواية حرق على للطعام المحتكر لا تصح فهو تجويع للناس بدلا من إطعامهم
وتحدث الرجل عن الحكمة من تحريم الاحتكار فقال :
"المطلب الثانى: الحكمة من تحريم الاحتكار
يتفق الفقهاء على أن الحكمة فى تحريم الاحتكار رفع الضرر عن عامة الناس، ولذا فقد أجمع العلماء على أنه لو اتحكر إنسان شيئا، واضطر الناس إليه، ولم يجدوا غيره، وأجبر على بيعه، دفعا لضرر الناس، وتعاونا حصول العيش وفى هذا المعنى يقول الإمام مالك " الحكرة فى كل شئ فى السوق من الطعام والزيت والكتان وجميع الأشياء والصوف، وكل ما أضر بالسوق فإن كان لا يضر بالسوق فلا بأس بذلك "
المطلب الثالث: حكم الاحتكار الدنيوى
مذهب الحنفية:
يقول الإمام الكاسانى فى بدائع الصنائع:" إن من أحكام الاحتكار أن يؤكر المحتكر بالبيع إزالة للظلم لكن إنما يؤمر ببيع ما فضل عن قوته، وقوت أهله، فإن لم يفعل وأصر على الاحتكار ورفق إلى الإمام مرة أخرى وهو مصر عليه فإن الإمام يعظه ويهدده، فإن لم يفعل ورفع إليه مرة ثالثة يحبسه ويعزره زجرا له عن سوء صنعه ولا يجبر على البيع "
وقال محمد: " يجبر عليه، وهذا يرجع إلى مسألة الحجر على الحر لأن الجبر على البيع فى معنى الحجر "
مذهب المالكية:
يقول أبو الوليد الباجى: وإن احتكر شيئا من ذلك ممن لا يجوز له احتكاره، ففى كتاب ابن مزين عن عيسى بن دينار أنه قال يتوب وتخرجه إلى السوق ويبيعه من أهل الحاجة إليه بمثل ما اشتراه به لا يزداد فيه شيئا ووجه ذلك أن المنع قد تعلق بشرائه لحق الناس وأهل الحاجة، فإذا صرفه إليهم بمثل ما كانوا يأخذونه أو لحين إبتياعه إياه، فقد رجع عن فعله الممنوع منه فإن لم يعلم فبسعره يوم احتكاره، ووجه ذلك أنه لما كان هذا الواجب عليه فلم يفعله أجبر عليه وصرف الحق إلى مستحقه
مذهب الشافعية:
يقول ابن حجر الهيثمى: أجمع العلماء على أنه لو كان عند إنسان طعام واضطر إليه الناس " يجبر على بيعه، دفعا للضرر عنه " ويقول الرملى: " ويجبر من عنده زائد على ذلك بيعه فى زمن الضرورة "
مذهب الحنابلة:
يقول البهوتى: " ويجبر المحتكر على بيعه كما يبيع الناس دفعا للضرر، فإن أبى أن يبيع ما احتكره من الطعام وضيق التلف بحبسه عن الناس، فرقه الإمام على المحتاجين إليه ويردون مثله عند زوال الحاجة "
ويقول ابن القيم: " ومن أقبح الظلم أن يلزم الناس ألا يبيعوا الطعام أو غيره من الأصناف إلا ناس معروفون، فلا تباع تلك السلع إلا لهم، ثم يبيعونها هم بما يريدون، فلو باع غيرهم ذلك منعوه، وهذا يمكن تسميته احتكار الصنف "
للفقهاء تفصيلات جاءت على النحو التالى:
أولا: إذا خيف الضرر على العامة، أجبر، بل أخذ منه ما احتكره، وباعه، وأعطاه المثل عند وجوده، أو قيمته، وهذا قدر متفق عليه بين الأئمة، ولا يعلم خلال فى ذلك
ثانيا: إذا لم يكن هناك خوفا على العامة فالمالكية والشافعية والحنابلة ومحمد بن الحسن من الحنفية يرون أن للحاكم جبره إذا لم يمتثل الأمر بالبيع، وأما أبو حنيفة وأبو يوسف فيريان أنه لا يجبر على البيع، وإنما إذا امتنع عن البيع عزره الحاكم، وعند من يرى الجبر فمنهم من يرى الجبر بدئ ذى بدئ، ومنهم من يرى الإنذار من قبل، وقيل اثنين، وقيل ثلاثا
ثالثا: تعزيز الحاكم للمحتكر عند الامتناع عن البيع بما يراه زاجرا له ودافعا للضرر عن الناس
رابعا: مشروعية تأديب المحتكر ولو بإحراق أمواله المحتكرة
خامسا: سياسة الحكام فى اتخاذ ما يرونه نافعا لتحقيق الصالح العام ومقاومة البغى والفساد، يختلف باختلاف اعتبارات كثيرة، وهذا يؤكد أن الإسلام قد جاء بإصلاح يوافق مصلحة البشر فى كل زمان ومكان "
قطعا الاحتكار حكمة وهى سبب تحريمه هو أنه أذى مباشر على الناس وعلى غيرهم في أحيان أخرى وهى جريمة لا تحدث في دولة المسلمين لأن التجارة فيها تجارة جماعية يقوم بها موظفون وليسوا تجارا فالدولة وهى مجموع الأفراد تجمع كل شىء وتقوم ببيعه بالعدل للكل دون تفرقة بين سكان الدولة جميعا لأن الأرض وما عليها شركة للمؤمنين كما قال تعالى :
" ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون"
وقال :
"وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين "
ومن ثم لا تجوز التجارة الفردية في دولة المسلمين وإنما تجوز إذا كانوا يعيشون في مجتمعات كافرة ولو حدثت تلك التجارة في دولة المسلمين فستكون محدودة جدا
وأما عقوبة المحتكر فحسب ما ينتج عنه فلو نتج عنه مرض أو ضرر ما فيجب أن يقوم المحتكر بدفع تكاليف علاج من مرضوا بسببه وكل ما كسبه المحتكر من مال يرد إلى أصحابه إن تم معرفتهم وإن لم يتم ترد لبيت المال وإن مات أحد بسبب الاحتكار دفع المحتكر ديته وهكذا يتحمل المحتكر كل آثار جريمته وإلا قتل لكونه محارب مفسد في الأرض
ولا يتم حرق الطعام ولا افساده وإنما يوزع على الناس بالعدل بثمنه قبل الاحتكار
في الفصل الثالث تحدث الرجل عن الأصناف المحتكرة فقال ك
"المبحث الثالث ما يجرى فيه الاحتكار:
اختلف الفقهاء فيما يجرى فيه الاحتكار على ثلاثة مذاهب كالآتى:
المذهب الأول: أن المحرم إنما هو احتكار الأقوات خاصة وممن قال بهذا الشافعية ، وجمهور الحنابلة
المذهب الثانى: يجرى الاحتكار فى كل ما يحتاجه الناس ويتضررون بحبسه حيث قرار من قال بهذا الرأى أن كل ما ينفع المسلمين، ويحصل بحبسه الأذى فإن احتكاره إثم غير مشروع وبهذا قال المالكية، والظاهرية، وبه قال أبويوسف من الحنفية، والشوكانى، والصنعانى
المذهب الثالث: يجرى الاحتكار فى قوت الآدمى فقط، وبهذا الرأى ذهب الحنابلة فى الصحيح من المذهب
أدلة المذاهب ومناقشتها
أدلة المذهب الأول:
استدل أصحاب المذهب الأول على أن الاحتكار لا يكون إلا فى أقوات الناس خاصة بالسنة والأثر والمعقول:
أما السنة: استدلوا بأحاديث منها ما رواه ابن ماجة فى سنته عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله :" من احتكر على المسلمين طعامهم ضربة الله بالجذام والإفلاس "
اعترض على هذا الحديث: حيث قال الإمام الشوكانى: حديث عمر فى إسناده الهيثم بن رافع، قال أبو داوود: روى حديثا منكرا، قال الذهبى: هو الذى خرجه ابن ماجه يعنى هذا، وفى إسناده أبو يحيى المكى وهو مجهول
ومنها: حديث بن عمر عند الحاكم وابن أبى شيبة والبراز وأبو يعلى يلفظ: " من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من الله، وبرئ الله منه " زاد الحاكم " وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله "
وفى إسناده أصبغ بن زيد وكثير بن مرة والأول مختلف عنه، والثانى قال ابن حزم: إنه مجهول وقال غيره: معروف ووثقه ابن سعد وروى عنه جماعة، واحتج به النسائى
قال الحافظ بن حجر: ووهم ابن الجوزى فأخرج هذا الحديث فى الموضوعات، وحكى ابن أبى حاتم عن أبيه أنه منكر
وأما الأثر: فمنهما رواه الأثرم قال: سمعت أبا عبد الله يسأل عن أى شئ الاحتكار؟ فقال: إذا كان من قوت الناس فهو الذى يكره، وهذا قول ابن عمر
وجه الدلالة: واضح فى جواز احتكار غير الطعام، لأنه لو كان احتكار غير الطعام محرما لما فعله هؤلاء، ولما أفتوا بجوازه وأمل المعقول: فقد حكاه الكاسانى بقوله: " أن الضرر الأعم إنما يلحق العامة بحبس القوت والعلف " وحكاه المرغينانى بقوله: " اعتبار الضرر المعهود والمتعارف عليه اللاحق للعامة بحبس القوت والعلف "
أدلة المذهب الثانى:
استدلوا بظاهر الأحاديث التى حرمت الاحتكار بصفة عامة من غير فرق بين قوت الآدمى والدواب وبين غيره ومنها: ما رواه مسلم وغيره عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله عن رسول الله أنه قال: " لا يحتكر إلا الخاطئ "
ومنها: ما رواه أحمد عن معقل بن يسار أن النبى (ص) قال: " من دخل فى شئ من أسعار المسلمين ليغليه عليهم فإن حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة "فإن هذه الأحاديث وغيرها مما فى معناها صريحة فى تحريم الاحتكار مطلقا فى كل ما يضر بالناس قوتا كان أو غيره فإن قيل: إن فى بعضها ضعفا
فالجواب: كما قال الإمام الشوكانى: " لو فرض عدم ثبوت شئ منها فى الصحيح فكيف وحديث معمر المذكور فى صحيح مسلم، والتصريح بأن المحتكر خاطئ كاف فى إفادة عدم الجواز، لأن الخاطئ المذنب العاصى "
أدلة المذهب الثالث:
استدل أصحاب المذهب على أن الاحتكار لا يكون إلا فى أقوات الآدمى وعلف الحيوان فقط بالمعقول:
ومنه: ما قاله الكاسانى: " إن الضرر فى الأعم الأغلب إنما يلحق العامة بحبس القوت والعلف، فلا يتحقق الاحتكار إلا به "
ويعترض عليه: بأن الضرر قد يلحق باحتكار غير الأقوات، كاحتكار السلاح فى وقت الجهاد واحتكار الدواء استغلالا لحاجة المرضى
المذهب المختار
بعد ذكر أدلة المذاهب ومناقشتها فيما يجرى فيه الاحتكار يتضح أن المذهب الراجح هو المذهب التالى والذى يرى أصحابه أن الاحتكار يكون فى كل ما يضر بالناس حبسه، قوتا كان أو غيره وذلك لقوة أدلته، فمعظم الأحاديث الواردة فى منع الاحتكار جاءت مطلقة عن القيد، فيجب العمل بمطلقها من غير تقييد"
الاحتكار في أى سلعة محرم لا فرق بين طعام وغيره فقد يتسبب الاحتكار في هزيمة المسلمين إذا تم مثلا منع مادة كالوقود الذى تسير به المركبات أو منع بيع سلاح ومثلا قد تتسبب سلعة لا تبدو هامة لكل الناس في فساد سلع كثيرة جدا فوقود السفن إذا تم منعه يهلك ما على ظهور تلك السفن من سلع غذائية طازجة أو سلع خام توقف عمل المصانع ومن ثم يجوع الناس ويتوقف سير العمل
وفى الفصل الرابع تحدث عن شروط الاحتكار المحرم فقال :
"المبحث الرابع شروط الاحتكار المحرم
من المتفق عليه بين الفقهاء: أن الاحتكار ليس هو مطلب الحبس، قد يحبس الإنسان قوته وقوت عياله لسنة أو لأكثر دون أن يعد هذا الفعل من قبيل الاحتكار لما روى البخارى فى باب حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله: عن ابن شهاب الزهرى، عن مالك بن أوس عن عمر أن النبى (ص) (كان يبيع نخيل بنى النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم)
والحديث واضح الدلالة على أن هذا النوع من الإمساك حلال مباح، وأنه ليس من باب الاحتكار المنهى عنه، ومن ناحية أخرى فإن الحديث لا دلالة فيه على عدم جواز حبس القوت أكثر من سنة وبناء عليه فإن الاحتكار المحرم هو ما توافرت فيه شروط مهينة ذكرها الفقهاء فى كتبهم وأقوالهم، منها ما يلى:
أولا: أن يكون الشئ المحتكر من الأقوات:
وقد بينت سابقا أراء الفقهاء فى هذه المسألة، وأن القول الراجح هو أن الاحتكار يجرى فى حبس كل ما يحتاج إليه الناس من قوت وغيره فى الأولى بالاعتبار، لأن الأحاديث المطلقة تفيد ذلك، وحملها على إطلاقها هو الذى يناسب ما طرأ على الاحتكار من مستجدات ومتغيرات فى العصر الحديث"
قطعا ما سبق ليس احتكارا فتخزين قوت الأسرة هو أمر واجب على دولة المسلمين أن توفر طعاما لسكانها لمدة طويلة كنوع من إعداد القوة للعدو كما قال تعالى :
" واعدوا لهم ما استطعتم من قوة"
زد على هذا أن هذا القوت لا يباع حتى يسمى احتكار فالمحتكر هو من يبيع وقال:
"ثانيا: أن يكون الشئ المحتكر قد اشترى من سوق البلدة:
فإن كان مجلوبا من الخارج أو منتجا من ضيعة المحتكر فإن حبسه لا يعد من قبيل الاحتكار لأمرين:
الأول: قوله " الجالب مرزوق والمحتكر ملعون "
الثانى: إن حق العامة قد تعلق بالشئ المشترى من الداخل، فشراؤه وحبسه إلحاق ضر بهم فى حين أنه لا يوجد هذا الحق فيما اشترى من الخارج ثم جلبه، لأنه بإمكان المشترى الذى اشترى واحتكر أن لا يشترى ولا يجلب أصلا، وبإمكانه أيضا أن لا يزرع، وإن كان الأولى والأفضل أن لا يقوم بحبس ما جلبه أو أنتجه حتى لا يلحق ضررا بالناس"
ما سبق لابد وان يشترى من السوق وكما قلت ليس احتكارا لأن من يشتريه لن يبيعه وعلى الدولة تنظيم هذا العمل بحيث لا يحدث ندرة او تجويع للناس ثم قال :
"ثالثا: أن يكون الشئ المحتكر قد اشترى فى وقت الضيق والشدة وغلاء الأسعار وأن شراءه واحتكاره قد ألحق ضررا بالناس"
لا يجوز قطعا هذا التخزين من أجل الأكل في أوقات الضيق ويتم إخراج ما هو مخزن وتوزيعه على الناس ثم قال :
"رابعا: الوقت
قيدت بعض الأحاديث الواردة فى النهى عن الاحتكار مدة الاحتكار بأربعين يوما فقد ورد فى حديث ابن عمر (من احتكر طعاما أربعين يوما فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله تعالى منه ) فهل يعد هذا القيد الوارد فى الحديث شرطا من شروط الاحتكار أم لا؟
اختلف الفقهاء على أربعة أقوال:
الأول: أن أقل مدة الاحتكار أربعون يوما اعتمادا على ظاهر حديث ابن عمر
الثانى: أن أقل مدة الاحتكار شهر لأن ما دونه عاجل
الثالث: أن الاحتكار احتكار طالت المدة أم قصرت، ذلك أن التقييد الوارد فى الحديث لا يراد بها لتحديد، وإنما المراد جعل المحتكر الاحتكار حرفة يقصد بها نفع نفسه، وإلحاق الضرر بغيره
يقول الشوكانى: " ولم أجد من ذهب إلى العمل بهذا العدد "
الرابع: أن المحتكر إنما يكون آثما ديانة بنفس الاحتكار، طالت المدة أم قصرت، وأن بيان المدة إنما يكون لبيان ما يتعلق بها من أحكام الدنيا، كإجبار المحتكر على بيع ما عنده، دفعا للضرر، ونحو ذلك "
والاحتكار محرم طالما توجد أضرار بعد عدة ايام
وفى الفصل الخامس تحدث عن وسائل منع الاحتكار وموقف الحاكم منه فقال :
"المبحث الخامس وسائل منع الاحتكار وموقف الحاكم منه:
لا شك أن الاحتكار جريمة اجتماعية كبرى، ولهذا كان محرما ممنوعا
وما من شك أن من كان عنده وازع دينى فإنه لا يحتكر، لأن هذا الوازع الدينى قد غرس فيه الخوف من عقاب الله فى الدنيا والآخرة
وقد مر بنا من أحاديث النبى (ص) أن المحتكر خاطئ، أى آثم عاص، وأن الله يقعده بمكان عظيم من النار يوم القيامة، وأنه يصاب بالجذام والإفلاس، وسواء أكان هذا على الحقيقة أم أنه رمز على أنه يصاب بعذاب دنيوى
كل هذا كفيل بغرس الوازع الدينى الناهى عن هذه الجريمة التى هى فى حقيقتها جريمة استغلال رأس المال لحاجة الجماعة الملحة إلى الغذاء والكساء والمأوى وسائر شئون مرافقها الخاصة والعامة
والفقهاء متفقون على أن الحاكم بأمر المحتكر بالبيع لإزالة هذا الظلم، فإن لم يفعل يبيع القاضى عليه جبرا ودون اعتبار لرضاه
جاء فى الدر المختار : " ويجب أن يأمره القاضى ببيع ما فضل عن قوته وقوت أهله، فإن لم يبع، بل خالف أمر القاضى عزره بما يراه رادعا له، وباع القاضى عليه طعامه وفاقا "
قال ابن عابدين معلقا على ذلك : " وهل يبيع القاضى على المحتكر طعامه من غير رضاه؟
قيل: هو على اختلاف عرف فى بيع مال المديون
وقيل: يبيع بالاتفاق، لأن أبا حنيفة يرى الحجر لدفع ضرر عام، وهو كذلك "
وقال النووى : قال العلماء: والحكمة فى تحريم الاحتكار: دفع الضرر عن عامة الناس، كما أجمع العلماء على أنه لو كان عند إنسان طعام واضطر الناس إليه، ولم يجدوا غيره، أجبر على بيعه دفعا للضرر عن الناس "
ونخلص من هذا: بأن الحاكم أو نائبه يأمر المحتكر ببيع ما فضل عن قوته وقوت عياله بثمن المثل "
فإن لم يفعل " عزره القاضى بما يراه مناسبا، وباع عليه جبرا ودون اعتبار لرضاه وذلك مراعاة للمصلحة العامة "
هذا الكلام السابق هو كلام لا مؤاخذة كلام مصاطب وليس كلام فقهاء فالحديث عن أضرار نفوس وإزهاقها ومرضها حتى تكون العقوبة مجرد تعزير فالجريمة هى جريمة من جرائم الإفساد في الأرض عقوبتها القتل في كل الأحوال
مؤلف الكتاب أحمد عرفة وهو يدور حول تجريم الاحتكار وفى مقدمته قال عرفة:
"وبعد،،، فقد يسرت الشريعة الإسلامية للناس سبل التعامل بالحلال لكى تكون أجواء المحبة سائدة بين الأفراد، ولكى تبقى الحياة سعيدة نقية، لا يعكر صفوها كدر ولا ضغينة ومن أجل هذه الأهداف السامية ..حرم الاحتكار لما فيه من تضييق على عباد الله بقوله (ص)(لا يحتكر إلا خاطئ) وقوله (ص)(من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله تعالى منه) "
وبين عرفة ان الاحتكار من أسس النظام الرأسمالى فقال:
"ولما كان الاحتكار ركيزة من ركائز النظام الرأسمالى الحديث، وسمة من سمات التعامل الاقتصادي فى معظم الشركات إن لم يكن فى كلها، رغم أنه يحمل فى طياته بذور الهلاك والدمار لما يسببه فى ظلم وعنت وغلاء وبلاء، ولما فيه من إهدار لحرية التجارة والصناعة، وسد لمنافذ العمل وأبواب الرزق أمام غير المحتكرين"
واستهل الرجل بحثه بتعريف الاحتكار على عادة القوم لغويا واصطلاحيا فقال :
"المبحث الأول: تعريف الاحتكار
المطلب الأول : الاحتكار لغة:
عرفت مادة حكر فى قاموس لسان العرب لابن منظور كا يتضح فيما يلى:
أولا: الحكر بفتح الحاء وسكون الكاف، ادخار الطعام للتربص وصاحبه محتكر
ثانيا: الحكر والحكر بفتح الحاء فى الأول وضمها فى الثانى، وفتح الكاف فيها بمعنى ما احتكر تقول: إنهم ليحتكرون فى بيعهم ينظرون ويتربصون، وأنه يحكر بكسر الحاء وسكون الكاف - لا يزال يحبس سلعته والسوق مادة - أى ملأى حتى يبيع بالكثير من شدة حكره - بفتح الحاء وسكون الكاف الاسم من الاحتكار
ومنه الحديث أنه نهى عن الحكرة ومنه حديث عثمان أنه كان يشترى حكرة (أى جملة وقيل جزافا) وأصل الحكرة الجمع والإمساك
فائدة:
ففى الأول معنى الحكر هو جمع الطعام ونحوه واحتباسه وقت الغلاء ولا يخفى ما يحدثه هذا الحبس من المضرة والإساءة للمحتاجين
وفى الثانى معنى الحكر والحكر هو أن المحتكرين يحتبسون الطعام ينتظرون ويتربصون به الغلاء حتى يبيعون بالكثير من شدة احتكارهم
أما الاسم من الاحتكار هو الحكر والحكر فمعناهما جمع الطعام ونحوه وإمساكه وحرمان الناس منه وهكذا وضح أن معانى مادة حكر تعنى كلها جمع الطعام ونحوه وحبسه عن الناس وهذا يؤدى إلى ظلم الناس وإساءة معاشرتهم
المطلب الثانى: الاحتكار فى اصطلاح الفقهاء:
لا يختلف معنى الاحتكار الشرعى الاصطلاحى عن معناه اللغوى، وقد عرف عند الفقهاء بتعريفات متقاربة فى المعانى والألفاظ
أولا: عند الحنفية:
يقول الحصفكى فى شرح الدر المنتقى : الاحتكار شرعا اشتراء الطعام ونحوه وحبسه إلى الغلاء أربعين يوما لقوله (من احتكر على المسلمين أربعين يوما ضربه الله بالجذام والإفلاس) ويقول الشرنبلالى فى حاشيته على درر الحكام شرح غرر الأحكام : الاحتكار حبس الطعام للغلاء افتعال من حكر إذا ظلم ونقص وحكر بالشئ إذا استبد به وحبسه عن غيره ويقول البابرتى فى شرح العناية : إن المراد بالاحتكار " حبس الأقوات تربصا للغلاء "وقال الإمام الكاسانى فى بدائع الصنائع :
إن الاحتكار أن يشترى طعاما فى مصر ويمتنع عن بيعه، وذلك يضر بالناس وكذلك لو اشتراه من مكان قريب يحمل طعامه إلى المصر وذلك المصر صغير وهذا يضر به
هذه هى كلمة الحنفية حول تحديد ماهية الاحتكار وبالتأمل فيها يستطيع الناظر أن يستخلص الآتى:
1 - أن الكاسانى والحصكفى قد قيدوا الاحتكار المحظور بالشراء بينما لم يقيده بذلك الشرنبلانى والبابرتى
2 - أشار الكاسانى إلى شمول الاحتكار للشراء من المصر أو من مكان يجلب طعامه إلى المصر
3 - قيد غالبية فقهاء الحنفية الاحتكار بالأقوات بينما عداه إلى غير الأقوات البعض ومنهم الحصكفى
4 - نبه الكاسانى إلى إلى قيد يفيد حكمة المنع من الاحتكار: فأضاف إلى التعريف قيد أن يكون ذلك يضر بالناس بدليل قولهم " إلى وقت الغلاء "
ثانيا: مذهب المالكية:
عرف المالكية الاحتكار بقولهم: هو الادخار للمبيع وطلب الربح بتقلب الأسواق أمام الادخار للقوت فليس من باب الاحتكار
ثالثا: مذهب الشافعية:
عرفه الرملى الشافعى بقوله: أنه اشتراء القوت وقت الغلاء ليمسكه ويبيعه بعد ذلك بأكثر من ثمنه للتضييق
كما عرفه الخطيب الشربينى بقوله: هو إمساك ما اشتراه وقت الغلاء ليبيعه بأكثر مما اشتراه عند اشتداد الحاجة بخلاف إمساك ما شاتراه وقت الرخص لا يحرم مطلقا ولا إمساك علة ضيعته ولا ما اشتراه فى وقت الغلاء لنفسه وعياله أو ليبيعه يمثل ما اشتراه
رابعا: مذهب الحنابلة:
عرف الإمام ابن قدامه الحنبلى الاحتكار بقوله :
والاحتكار المحرم ما اجتمع فيه ثلاثة شروط:
أحدها: أن يشترى فلو جلب شيئا أو أدخل من غلته شيئا فأدخره لم يكن محتكرا
الثانى: أن يكون المشترى قوتا، فأما الإدام والحلواء والعسل والزيت وأعلاف البهائم فليس فيها احتكار محرم
الثالث: أن يضيق على الناس بشرائه ولا يحصل ذلك إلا بأمرين:
أحدهما: أن يكون فى بلد يضيق بأهله الاحتكار كالحرمين وبالثغور
الثانى: أن يكون فى حال الضيق بأن البلد قافلة فيتبادر ذو الأموال فيشتريها ويضيقون على الناس
التعريف المختار:
إن الاحتكار هو حبس مال أو منفعه أو عمل، والامتناع عن بيعه وبذله حتى يغلو سعره غلاء فاحشا غير معتاد، بسبب قلته، أو انعدام وجوده فى مظانه، مع شدة حاجة الناس أو الدولة أو الحيوان إليه
وقد قام فتحى الدرينى بتوضيح ما يستفاد من تعريفه فبين ما يلى:
أ- أن الاحتكار هو حبس ما يحتاج إليه الناس، سواء ما يحتاج إليه الناس، سواء كان طعاما أو غيره مما يكون فى احتباسه إضرارا بالناس، ولذلك فإنه يشمل كل المواد الغذائية والأدوية والثياب ومنافع الدور والأراضى، كما يشمل منافع وخبرات العمال وأهل المهن والحرف والصناعات، إذا كانت تحتاج إلى مثل تلك السلع والخدمات والمنافع وأساس هذا الأمر: أن كل ما لا تقوم مصالح الأمة أو الدولة إلا به فهو واجب تحصيله
ب- أنه لم يفرق فى الاحتكار بين كون السلعة قد اشتريت من الخارج واستوردت، أم اشتريت من الداخل وحبست انتظارا للغلاء، أو كانت إنتاجا ذاتيا من محل المحتكر
جـ - شمل تعريف الاحتكار: كل ما يضر حبسه بالإنسان والدولة والحيوان
د - أظهر التعريف ظاهرة (الحاجة) التى هى على تحريم الاحتكار فليس كل ظرف من الظروف يكون فيه حبس هذه الأشياء احتكارا، وإنما يكون احتكارا فى ظرف الحاجة الذى يقع فيه الضرر، فإذا لم يوجد مثل هذا الظرف كان الادخار احتباسا مباحا، لأنه تصرف فى حق الملكية بل قد يكون واجبا إذا كان اختزانا احتياطيا "
مما سبق نجد أن الاحتكار هو منع شىء عن الناس بقصد بيعه بأكثر من سعره المشترى به كثيرا أى بأضعاف ثمنه وهو كذنب ليس جريمة واحدة وإنما جرائم متعددة منها :
الأول إيذاء الناس أو غيرهم بالتجويع أو بغلو السعر الذين يعجزون عن دفعه أو بغيره
الثانى جريمة ربا أى مكسب أى ربح محرم وهو بلوغ السعر الضعف أو أكثر من الضعف وهو ما حرمه الله تعالى بقوله:
" لا تأكلوا الربا اضعافا مضاعفة "
وفى الفصل الثانى تحدث عما سماه حكم الاحتكار فقال :
المبحث الثانى حكم الاحتكار فى الفقة الإسلامى
المطلب الأول: بيان الحكم التكليفى للاحتكار
اختلف الفقهاء فى حكم الاحتكار على مذهبين:
المذهب الأول: أن الاحتكار محرم:
وهذا مذهب جمهور الفقهاء منهم المالكية ، والشافعية على الصحيح عندهم ، والحنابلة ، والظاهرية ، وغيرهم
المذهب الثانى: أن الاحتكار مكروه:
وهذا مذهب جمهور الحنفية ، وبعض الشافعية حيث عبروا عنه بالكراهة إذا كان يضر بالناس
أدلة المذاهب ومناقشتها
أدلة المذهب الأول:
استدل الجمهور على حرمة الاحتكار بالكتاب والسنة والأثر والمعقول:
أما الكتاب: فقوله تعالى {إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الذي جعلناه للناس سواء العاكف فيه والباد ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم}
قال الإمام القرطبى عند تفسيره لهذه الآية:
روى عن يعلى بن أمية أن رسول الله (ص) قال (احتكار الطعام فى الحرم إلحاد فيه) وقد فهم من هذا صاحب الاختيار الحنفى أن الآية أصل فى إفادة تحريم الاحتكار وفى إحياء علوم الدين للغزالى عند تفسيره لهذه الآية: إن الاحتكار من الظلم وداخل تحته فى الوعيد
وما ذهب إليه الغزالى فى بيان وجه الدلالة هو القول الراجح إذ أن مدلول الآية عام ويدخل تحت النهى كل من أراد محرما ولا شك أم الاحتكار داخل تحت نطاق هذا العموم الشامل للاحتكار وغيره، فإن قيل إن الآية نزلت بسبب غير النهى عن الاحتكار قلنا إن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
وأما السنة: فقد دلت أحاديث كثيرة فى السنة النبوية على تحريم الاحتكار ومنها:
1 - ما روى عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله العدوى أن النبى (ص) قال: (لا يحتكر إلا خاطئ)
قال الإمام الشوكانى فى كتابه " نيل الأوطار " : والتصريح بأن المحتكر خاطئ كاف فى إفادة عدم الجواز لأن الخاطئ المذنب العاصى وقال الصنعانى: الخاطئ هو العاصى الآثم، وفى الباب أحاديث دالة على تحريم الاحتكار
2 - ما روى عن معقل بن يسار قال: قال رسول الله (ص)من دخل فى شئ من أسعار المسلمين ليغلبه عليهم كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة)
وجه الدلالة من الحديث:
دل هذا الحديث على معاقبة من يقدم على ذلك بمكان فى النار، ولا يكون ذلك إلا لارتكابه المحرم
3 – ما روى عن أبى هريرة قال: قال رسول الله (ص)من احتكر حكرة يريد أن يغلى بها على المسلمين فهو خاطئ)
4 - ما رواه ابن عمر أن النبى (ص) قال: (من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه، وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائعا فقد برئت منهم ذمة الله)
5 - ومنها ما رواه عمر أن النبى (ص) قال: (من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس) رواه ابن ماجة
6 - وعن عمر بن الخطاب أن النبى (ص) قال: (الجالب مرزوق والمحتكر ملعون)
وجه الدلالة من هذه الأحاديث:
قال الإمام الشوكانى: ولا شك أن أحاديث الباب تنتهض بمجموعها للاستدلال على عدم جواز الاحتكار، ولو فرض عدم ثبوت شئ منها فى الصحيح فكيف وحديث معمر مذكور فى صحيح مسلم؟ (نيل الأوطار جـ 5، صـ 267)
وأما الأثر: فمنه:
1 – ما روى عن عمر بن الخطاب أنه قال: " لا حكرة فى سوقنا، لا يعمد رجال بأيديهم فضول من أذهاب إلى رزق الله نزل بساحتنا فيحتكرونه علينا، ولكن أيما جالب جلب على عمود كبده فى الشتاء والصيف ، فذلك ضيف عمر فليبع كيف شاء الله وليمسك كيف شاء الله "
2 - ما روى أن عثمان كان ينهى عن الحكرة
3 - ما روى عن على أنه قال" من احتكر الطعام أربعين يوما قسا قلبه "
4 - ما روى عن على أنه أحرق طعاما محتكرا بالنار
وجه الدلالة من هذه الآثار:
واضح من هذه الآثار النهى عن الحكرة، والنهى يفيد التحريم، ما لم تأت قرينة تصرفة إلى غير التحريم، ولا قرينة فإن هذه الآثار تفيد ما أفادته الأحاديث السابقة"
"وأم المعقول:
فقد حكاه الكاسانى بقوله: ولأن الاحتكار من باب الظلم لأن ما بيع فى المصر فقد تعلق به حق العامة، فإذا امتنع المشترى عن بيعه عند شدة حاجتهم إليه فقد منعهم حقهم، ومنع الحق عن المستحق ظلم وحرام، يستوى فى ذلك قليل المدة وكثيرها، لتحقق الظلم
أدلة المذهب الثانى:
استدل القائلون بكراهة الاحتكار بالآتى:
1 - قصور الروايات الواردة فى تعداد ما يجرى فى الاحتكار من ناحية السند والدلالة لا تقوى بالتحريم، كما لا تنتهض لأن تكون دليلا عليه
أجيب عن هذا: بأن الروايات غير قاصرة فى دلالتها على التحريم لترتبه على اللعن والوعيد الوارد فيها كما أن الاختلاف فى التعداد لا يعنى الكراهة دون تحريم فضلا عن ذلك: فتصريح الحنفية بالكراهة على سبيل الإطلاق ينصرف إلى الكراهة التحريمية وفاعل المكروه تحريما عندهم يستحق العقاب، كفاعل الحرام
2 - أن الناس سلطون على أموالهم وتحريم التصرف حجر عليهم
أجيب عن هذا: بأن حرية المالك فى ملكه مطلقة ما لم يترتب على ذلك إضرارا بالآخرين إذ لا ضرر ولا ضرار، والضرر يزال، ودر المفاسد مقدم على جلب المصالح
المذهب المختار:
وبعد عرض مذاهب الفقهاء فى حكم الاحتكار وأدلة كل مذهب فإن مجموع الأدلة ترجح رأى جمهور الفقهاء القائل بتحريم الاحتكار وذلك لقوة أدلته وسلامتها من المناقشة"
الروايات السابقة صحيحة المعنى عدا :
"من احتكر طعاما أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه "
والخطأ هو تحديد الاحتكار بأربعين ليلة والاحتكار ينتج عنه أضرار بعد عدة أيام تتجاوز الثلاثة منها تجويع أطفال وإضرار جسمى للحوامل والرضع والبهائم وغير ذلك فالاحتكار أيا كان عدد ايامه هو محرم
"من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس"
الخطأ إصابة المحتكر بالجذام والمعروف أن المحتكرين لا يصاب منهم أحد بالجذام إلا نادرا لأن الجذام يحتاج لبيئة معينة لا يعيش فيها التجار
"من احتكر حكرة يريد أن يغلى بها على المسلمين فهو خاطئ"
الخطأ هنا الغلاء على المسلمين فقط فالإغلاء على الناس جميعا محرم فكل من أذى كافرا دون حق كفر مثله
وكذلك رواية حرق على للطعام المحتكر لا تصح فهو تجويع للناس بدلا من إطعامهم
وتحدث الرجل عن الحكمة من تحريم الاحتكار فقال :
"المطلب الثانى: الحكمة من تحريم الاحتكار
يتفق الفقهاء على أن الحكمة فى تحريم الاحتكار رفع الضرر عن عامة الناس، ولذا فقد أجمع العلماء على أنه لو اتحكر إنسان شيئا، واضطر الناس إليه، ولم يجدوا غيره، وأجبر على بيعه، دفعا لضرر الناس، وتعاونا حصول العيش وفى هذا المعنى يقول الإمام مالك " الحكرة فى كل شئ فى السوق من الطعام والزيت والكتان وجميع الأشياء والصوف، وكل ما أضر بالسوق فإن كان لا يضر بالسوق فلا بأس بذلك "
المطلب الثالث: حكم الاحتكار الدنيوى
مذهب الحنفية:
يقول الإمام الكاسانى فى بدائع الصنائع:" إن من أحكام الاحتكار أن يؤكر المحتكر بالبيع إزالة للظلم لكن إنما يؤمر ببيع ما فضل عن قوته، وقوت أهله، فإن لم يفعل وأصر على الاحتكار ورفق إلى الإمام مرة أخرى وهو مصر عليه فإن الإمام يعظه ويهدده، فإن لم يفعل ورفع إليه مرة ثالثة يحبسه ويعزره زجرا له عن سوء صنعه ولا يجبر على البيع "
وقال محمد: " يجبر عليه، وهذا يرجع إلى مسألة الحجر على الحر لأن الجبر على البيع فى معنى الحجر "
مذهب المالكية:
يقول أبو الوليد الباجى: وإن احتكر شيئا من ذلك ممن لا يجوز له احتكاره، ففى كتاب ابن مزين عن عيسى بن دينار أنه قال يتوب وتخرجه إلى السوق ويبيعه من أهل الحاجة إليه بمثل ما اشتراه به لا يزداد فيه شيئا ووجه ذلك أن المنع قد تعلق بشرائه لحق الناس وأهل الحاجة، فإذا صرفه إليهم بمثل ما كانوا يأخذونه أو لحين إبتياعه إياه، فقد رجع عن فعله الممنوع منه فإن لم يعلم فبسعره يوم احتكاره، ووجه ذلك أنه لما كان هذا الواجب عليه فلم يفعله أجبر عليه وصرف الحق إلى مستحقه
مذهب الشافعية:
يقول ابن حجر الهيثمى: أجمع العلماء على أنه لو كان عند إنسان طعام واضطر إليه الناس " يجبر على بيعه، دفعا للضرر عنه " ويقول الرملى: " ويجبر من عنده زائد على ذلك بيعه فى زمن الضرورة "
مذهب الحنابلة:
يقول البهوتى: " ويجبر المحتكر على بيعه كما يبيع الناس دفعا للضرر، فإن أبى أن يبيع ما احتكره من الطعام وضيق التلف بحبسه عن الناس، فرقه الإمام على المحتاجين إليه ويردون مثله عند زوال الحاجة "
ويقول ابن القيم: " ومن أقبح الظلم أن يلزم الناس ألا يبيعوا الطعام أو غيره من الأصناف إلا ناس معروفون، فلا تباع تلك السلع إلا لهم، ثم يبيعونها هم بما يريدون، فلو باع غيرهم ذلك منعوه، وهذا يمكن تسميته احتكار الصنف "
للفقهاء تفصيلات جاءت على النحو التالى:
أولا: إذا خيف الضرر على العامة، أجبر، بل أخذ منه ما احتكره، وباعه، وأعطاه المثل عند وجوده، أو قيمته، وهذا قدر متفق عليه بين الأئمة، ولا يعلم خلال فى ذلك
ثانيا: إذا لم يكن هناك خوفا على العامة فالمالكية والشافعية والحنابلة ومحمد بن الحسن من الحنفية يرون أن للحاكم جبره إذا لم يمتثل الأمر بالبيع، وأما أبو حنيفة وأبو يوسف فيريان أنه لا يجبر على البيع، وإنما إذا امتنع عن البيع عزره الحاكم، وعند من يرى الجبر فمنهم من يرى الجبر بدئ ذى بدئ، ومنهم من يرى الإنذار من قبل، وقيل اثنين، وقيل ثلاثا
ثالثا: تعزيز الحاكم للمحتكر عند الامتناع عن البيع بما يراه زاجرا له ودافعا للضرر عن الناس
رابعا: مشروعية تأديب المحتكر ولو بإحراق أمواله المحتكرة
خامسا: سياسة الحكام فى اتخاذ ما يرونه نافعا لتحقيق الصالح العام ومقاومة البغى والفساد، يختلف باختلاف اعتبارات كثيرة، وهذا يؤكد أن الإسلام قد جاء بإصلاح يوافق مصلحة البشر فى كل زمان ومكان "
قطعا الاحتكار حكمة وهى سبب تحريمه هو أنه أذى مباشر على الناس وعلى غيرهم في أحيان أخرى وهى جريمة لا تحدث في دولة المسلمين لأن التجارة فيها تجارة جماعية يقوم بها موظفون وليسوا تجارا فالدولة وهى مجموع الأفراد تجمع كل شىء وتقوم ببيعه بالعدل للكل دون تفرقة بين سكان الدولة جميعا لأن الأرض وما عليها شركة للمؤمنين كما قال تعالى :
" ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادى الصالحون"
وقال :
"وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين "
ومن ثم لا تجوز التجارة الفردية في دولة المسلمين وإنما تجوز إذا كانوا يعيشون في مجتمعات كافرة ولو حدثت تلك التجارة في دولة المسلمين فستكون محدودة جدا
وأما عقوبة المحتكر فحسب ما ينتج عنه فلو نتج عنه مرض أو ضرر ما فيجب أن يقوم المحتكر بدفع تكاليف علاج من مرضوا بسببه وكل ما كسبه المحتكر من مال يرد إلى أصحابه إن تم معرفتهم وإن لم يتم ترد لبيت المال وإن مات أحد بسبب الاحتكار دفع المحتكر ديته وهكذا يتحمل المحتكر كل آثار جريمته وإلا قتل لكونه محارب مفسد في الأرض
ولا يتم حرق الطعام ولا افساده وإنما يوزع على الناس بالعدل بثمنه قبل الاحتكار
في الفصل الثالث تحدث الرجل عن الأصناف المحتكرة فقال ك
"المبحث الثالث ما يجرى فيه الاحتكار:
اختلف الفقهاء فيما يجرى فيه الاحتكار على ثلاثة مذاهب كالآتى:
المذهب الأول: أن المحرم إنما هو احتكار الأقوات خاصة وممن قال بهذا الشافعية ، وجمهور الحنابلة
المذهب الثانى: يجرى الاحتكار فى كل ما يحتاجه الناس ويتضررون بحبسه حيث قرار من قال بهذا الرأى أن كل ما ينفع المسلمين، ويحصل بحبسه الأذى فإن احتكاره إثم غير مشروع وبهذا قال المالكية، والظاهرية، وبه قال أبويوسف من الحنفية، والشوكانى، والصنعانى
المذهب الثالث: يجرى الاحتكار فى قوت الآدمى فقط، وبهذا الرأى ذهب الحنابلة فى الصحيح من المذهب
أدلة المذاهب ومناقشتها
أدلة المذهب الأول:
استدل أصحاب المذهب الأول على أن الاحتكار لا يكون إلا فى أقوات الناس خاصة بالسنة والأثر والمعقول:
أما السنة: استدلوا بأحاديث منها ما رواه ابن ماجة فى سنته عن عمر بن الخطاب قال: سمعت رسول الله :" من احتكر على المسلمين طعامهم ضربة الله بالجذام والإفلاس "
اعترض على هذا الحديث: حيث قال الإمام الشوكانى: حديث عمر فى إسناده الهيثم بن رافع، قال أبو داوود: روى حديثا منكرا، قال الذهبى: هو الذى خرجه ابن ماجه يعنى هذا، وفى إسناده أبو يحيى المكى وهو مجهول
ومنها: حديث بن عمر عند الحاكم وابن أبى شيبة والبراز وأبو يعلى يلفظ: " من احتكر الطعام أربعين ليلة فقد برئ من الله، وبرئ الله منه " زاد الحاكم " وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله "
وفى إسناده أصبغ بن زيد وكثير بن مرة والأول مختلف عنه، والثانى قال ابن حزم: إنه مجهول وقال غيره: معروف ووثقه ابن سعد وروى عنه جماعة، واحتج به النسائى
قال الحافظ بن حجر: ووهم ابن الجوزى فأخرج هذا الحديث فى الموضوعات، وحكى ابن أبى حاتم عن أبيه أنه منكر
وأما الأثر: فمنهما رواه الأثرم قال: سمعت أبا عبد الله يسأل عن أى شئ الاحتكار؟ فقال: إذا كان من قوت الناس فهو الذى يكره، وهذا قول ابن عمر
وجه الدلالة: واضح فى جواز احتكار غير الطعام، لأنه لو كان احتكار غير الطعام محرما لما فعله هؤلاء، ولما أفتوا بجوازه وأمل المعقول: فقد حكاه الكاسانى بقوله: " أن الضرر الأعم إنما يلحق العامة بحبس القوت والعلف " وحكاه المرغينانى بقوله: " اعتبار الضرر المعهود والمتعارف عليه اللاحق للعامة بحبس القوت والعلف "
أدلة المذهب الثانى:
استدلوا بظاهر الأحاديث التى حرمت الاحتكار بصفة عامة من غير فرق بين قوت الآدمى والدواب وبين غيره ومنها: ما رواه مسلم وغيره عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله عن رسول الله أنه قال: " لا يحتكر إلا الخاطئ "
ومنها: ما رواه أحمد عن معقل بن يسار أن النبى (ص) قال: " من دخل فى شئ من أسعار المسلمين ليغليه عليهم فإن حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة "فإن هذه الأحاديث وغيرها مما فى معناها صريحة فى تحريم الاحتكار مطلقا فى كل ما يضر بالناس قوتا كان أو غيره فإن قيل: إن فى بعضها ضعفا
فالجواب: كما قال الإمام الشوكانى: " لو فرض عدم ثبوت شئ منها فى الصحيح فكيف وحديث معمر المذكور فى صحيح مسلم، والتصريح بأن المحتكر خاطئ كاف فى إفادة عدم الجواز، لأن الخاطئ المذنب العاصى "
أدلة المذهب الثالث:
استدل أصحاب المذهب على أن الاحتكار لا يكون إلا فى أقوات الآدمى وعلف الحيوان فقط بالمعقول:
ومنه: ما قاله الكاسانى: " إن الضرر فى الأعم الأغلب إنما يلحق العامة بحبس القوت والعلف، فلا يتحقق الاحتكار إلا به "
ويعترض عليه: بأن الضرر قد يلحق باحتكار غير الأقوات، كاحتكار السلاح فى وقت الجهاد واحتكار الدواء استغلالا لحاجة المرضى
المذهب المختار
بعد ذكر أدلة المذاهب ومناقشتها فيما يجرى فيه الاحتكار يتضح أن المذهب الراجح هو المذهب التالى والذى يرى أصحابه أن الاحتكار يكون فى كل ما يضر بالناس حبسه، قوتا كان أو غيره وذلك لقوة أدلته، فمعظم الأحاديث الواردة فى منع الاحتكار جاءت مطلقة عن القيد، فيجب العمل بمطلقها من غير تقييد"
الاحتكار في أى سلعة محرم لا فرق بين طعام وغيره فقد يتسبب الاحتكار في هزيمة المسلمين إذا تم مثلا منع مادة كالوقود الذى تسير به المركبات أو منع بيع سلاح ومثلا قد تتسبب سلعة لا تبدو هامة لكل الناس في فساد سلع كثيرة جدا فوقود السفن إذا تم منعه يهلك ما على ظهور تلك السفن من سلع غذائية طازجة أو سلع خام توقف عمل المصانع ومن ثم يجوع الناس ويتوقف سير العمل
وفى الفصل الرابع تحدث عن شروط الاحتكار المحرم فقال :
"المبحث الرابع شروط الاحتكار المحرم
من المتفق عليه بين الفقهاء: أن الاحتكار ليس هو مطلب الحبس، قد يحبس الإنسان قوته وقوت عياله لسنة أو لأكثر دون أن يعد هذا الفعل من قبيل الاحتكار لما روى البخارى فى باب حبس نفقة الرجل قوت سنة على أهله: عن ابن شهاب الزهرى، عن مالك بن أوس عن عمر أن النبى (ص) (كان يبيع نخيل بنى النضير ويحبس لأهله قوت سنتهم)
والحديث واضح الدلالة على أن هذا النوع من الإمساك حلال مباح، وأنه ليس من باب الاحتكار المنهى عنه، ومن ناحية أخرى فإن الحديث لا دلالة فيه على عدم جواز حبس القوت أكثر من سنة وبناء عليه فإن الاحتكار المحرم هو ما توافرت فيه شروط مهينة ذكرها الفقهاء فى كتبهم وأقوالهم، منها ما يلى:
أولا: أن يكون الشئ المحتكر من الأقوات:
وقد بينت سابقا أراء الفقهاء فى هذه المسألة، وأن القول الراجح هو أن الاحتكار يجرى فى حبس كل ما يحتاج إليه الناس من قوت وغيره فى الأولى بالاعتبار، لأن الأحاديث المطلقة تفيد ذلك، وحملها على إطلاقها هو الذى يناسب ما طرأ على الاحتكار من مستجدات ومتغيرات فى العصر الحديث"
قطعا ما سبق ليس احتكارا فتخزين قوت الأسرة هو أمر واجب على دولة المسلمين أن توفر طعاما لسكانها لمدة طويلة كنوع من إعداد القوة للعدو كما قال تعالى :
" واعدوا لهم ما استطعتم من قوة"
زد على هذا أن هذا القوت لا يباع حتى يسمى احتكار فالمحتكر هو من يبيع وقال:
"ثانيا: أن يكون الشئ المحتكر قد اشترى من سوق البلدة:
فإن كان مجلوبا من الخارج أو منتجا من ضيعة المحتكر فإن حبسه لا يعد من قبيل الاحتكار لأمرين:
الأول: قوله " الجالب مرزوق والمحتكر ملعون "
الثانى: إن حق العامة قد تعلق بالشئ المشترى من الداخل، فشراؤه وحبسه إلحاق ضر بهم فى حين أنه لا يوجد هذا الحق فيما اشترى من الخارج ثم جلبه، لأنه بإمكان المشترى الذى اشترى واحتكر أن لا يشترى ولا يجلب أصلا، وبإمكانه أيضا أن لا يزرع، وإن كان الأولى والأفضل أن لا يقوم بحبس ما جلبه أو أنتجه حتى لا يلحق ضررا بالناس"
ما سبق لابد وان يشترى من السوق وكما قلت ليس احتكارا لأن من يشتريه لن يبيعه وعلى الدولة تنظيم هذا العمل بحيث لا يحدث ندرة او تجويع للناس ثم قال :
"ثالثا: أن يكون الشئ المحتكر قد اشترى فى وقت الضيق والشدة وغلاء الأسعار وأن شراءه واحتكاره قد ألحق ضررا بالناس"
لا يجوز قطعا هذا التخزين من أجل الأكل في أوقات الضيق ويتم إخراج ما هو مخزن وتوزيعه على الناس ثم قال :
"رابعا: الوقت
قيدت بعض الأحاديث الواردة فى النهى عن الاحتكار مدة الاحتكار بأربعين يوما فقد ورد فى حديث ابن عمر (من احتكر طعاما أربعين يوما فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله تعالى منه ) فهل يعد هذا القيد الوارد فى الحديث شرطا من شروط الاحتكار أم لا؟
اختلف الفقهاء على أربعة أقوال:
الأول: أن أقل مدة الاحتكار أربعون يوما اعتمادا على ظاهر حديث ابن عمر
الثانى: أن أقل مدة الاحتكار شهر لأن ما دونه عاجل
الثالث: أن الاحتكار احتكار طالت المدة أم قصرت، ذلك أن التقييد الوارد فى الحديث لا يراد بها لتحديد، وإنما المراد جعل المحتكر الاحتكار حرفة يقصد بها نفع نفسه، وإلحاق الضرر بغيره
يقول الشوكانى: " ولم أجد من ذهب إلى العمل بهذا العدد "
الرابع: أن المحتكر إنما يكون آثما ديانة بنفس الاحتكار، طالت المدة أم قصرت، وأن بيان المدة إنما يكون لبيان ما يتعلق بها من أحكام الدنيا، كإجبار المحتكر على بيع ما عنده، دفعا للضرر، ونحو ذلك "
والاحتكار محرم طالما توجد أضرار بعد عدة ايام
وفى الفصل الخامس تحدث عن وسائل منع الاحتكار وموقف الحاكم منه فقال :
"المبحث الخامس وسائل منع الاحتكار وموقف الحاكم منه:
لا شك أن الاحتكار جريمة اجتماعية كبرى، ولهذا كان محرما ممنوعا
وما من شك أن من كان عنده وازع دينى فإنه لا يحتكر، لأن هذا الوازع الدينى قد غرس فيه الخوف من عقاب الله فى الدنيا والآخرة
وقد مر بنا من أحاديث النبى (ص) أن المحتكر خاطئ، أى آثم عاص، وأن الله يقعده بمكان عظيم من النار يوم القيامة، وأنه يصاب بالجذام والإفلاس، وسواء أكان هذا على الحقيقة أم أنه رمز على أنه يصاب بعذاب دنيوى
كل هذا كفيل بغرس الوازع الدينى الناهى عن هذه الجريمة التى هى فى حقيقتها جريمة استغلال رأس المال لحاجة الجماعة الملحة إلى الغذاء والكساء والمأوى وسائر شئون مرافقها الخاصة والعامة
والفقهاء متفقون على أن الحاكم بأمر المحتكر بالبيع لإزالة هذا الظلم، فإن لم يفعل يبيع القاضى عليه جبرا ودون اعتبار لرضاه
جاء فى الدر المختار : " ويجب أن يأمره القاضى ببيع ما فضل عن قوته وقوت أهله، فإن لم يبع، بل خالف أمر القاضى عزره بما يراه رادعا له، وباع القاضى عليه طعامه وفاقا "
قال ابن عابدين معلقا على ذلك : " وهل يبيع القاضى على المحتكر طعامه من غير رضاه؟
قيل: هو على اختلاف عرف فى بيع مال المديون
وقيل: يبيع بالاتفاق، لأن أبا حنيفة يرى الحجر لدفع ضرر عام، وهو كذلك "
وقال النووى : قال العلماء: والحكمة فى تحريم الاحتكار: دفع الضرر عن عامة الناس، كما أجمع العلماء على أنه لو كان عند إنسان طعام واضطر الناس إليه، ولم يجدوا غيره، أجبر على بيعه دفعا للضرر عن الناس "
ونخلص من هذا: بأن الحاكم أو نائبه يأمر المحتكر ببيع ما فضل عن قوته وقوت عياله بثمن المثل "
فإن لم يفعل " عزره القاضى بما يراه مناسبا، وباع عليه جبرا ودون اعتبار لرضاه وذلك مراعاة للمصلحة العامة "
هذا الكلام السابق هو كلام لا مؤاخذة كلام مصاطب وليس كلام فقهاء فالحديث عن أضرار نفوس وإزهاقها ومرضها حتى تكون العقوبة مجرد تعزير فالجريمة هى جريمة من جرائم الإفساد في الأرض عقوبتها القتل في كل الأحوال
أمس في 9:34 pm من طرف رضا البطاوى
» عمر الرسول (ص)
الخميس نوفمبر 21, 2024 9:43 pm من طرف رضا البطاوى
» قراءة فى قصة طفولية المسيح عيسى(ص)
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:11 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى بحث خطأ في فهم مراد الفضيل بن عياض بخصوص ترك العمل لأجل الناس
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 9:36 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى قصة هاروت وماروت
الإثنين نوفمبر 18, 2024 9:33 pm من طرف رضا البطاوى
» أكذوبة سرقة قصة إنقاذ إبراهيم من نار نمرود
الأحد نوفمبر 17, 2024 9:39 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات في مقال السرقة المزعومة لسورة مريم
السبت نوفمبر 16, 2024 9:51 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى كتاب زواج موسى ولماذا تزوج داود وسليمان كل هؤلاء النسوة؟
الجمعة نوفمبر 15, 2024 9:18 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات في مقال كيف يقوم المخ بالحكم الأخلاقى على الأشياء؟
الخميس نوفمبر 14, 2024 9:31 pm من طرف رضا البطاوى