نظرات فى خطبة مملكة سبأ
الخطبة تدور حول دولة سبأ فوصف إياها بالعظمة فقال :
" أتحدث إليكم اليوم عن مملكة .. مملكة كانت من أعظم ممالك التاريخ، سادت ثم بادت, وذهب سلطانها وهيلمانها حتى أصبحت أثرا بعد عين, وغدت رواية تحكى, فإلى حديث القرآن وهو يعرض قصة هذه المملكة ويسجل أحداثها ونهايتها عبرة لأولي الأبصار ."
وبالقطع لا يصف الله أى دولة قائمة تعبد غيره بالعظمة وإنما توصف بالكفر والانحطاط فعندما يعبد الناس مخلوق مثلهم فليس عندهم أى عقل أو عظمة ثم ذكر أول آية عن الدولة فقال :
"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور )) .
كانت مملكة سبأ ، من ممالك اليمن العظيمة .. وكان أهلها في أرض خصبة وثمرة يانعة, جنتان عن يمين وشمال, رمز ناطق بالخضرة والجمال, والرخاء والمتاع .
قال قتادة :
كانت المرأة تمشي تحت الأشجار وعلى رأسها مكتل أو زنبيل, فتساقط الثمار فيه من غير حاجة إلى كلفة أو قطاف, لكثرته ونضجه, واستوائه ووهب الله قوم سبأ ذكاء ودهاء, فتحكموا في القطر النازل من السماء .. أقاموا خزانا طبيعيا، جانباه من جبلين عظيمين، وجعلوا بينهما على فم الوادي سدا كبيرا به عيون تفتح وتغلق، وهو سد مأرب الشهير فكانوا يرتعون فيه, ويسقون زروعهم ومواشيهم, في نظام متقن بديع, لقد كانت حياتهم حياة الرفاهية بكل ما تحمله الكلمات من معان, ولم يكن في بلادهم شيء من البعوض أو الهوام لاعتدال الهواء, وصحة المزاج, وعناية الله الفائقة بهم, (كلوا من رزق ربكم و اشكروا له بلدة طيبة ورب غفور), بلدة طيبة معطاء, آمنة مطمئنة رخاء .. ورب غفور, ودود رؤوف, جواد رحيم, فأي عذر بقي لأولئك يحول بينهم وبين حسن القصد والعمل ؟"
والكلام المنقول كلام غير معقول لا يحدث إلا بمعجزة كالمن والسلوى وأما فى دولة كافرة فالثمار لا تتساقط فى المقاطف والمقاتل وحدها كما أن لا أحد يتحكم فى إنزال المطر من السماء لأن الله وحده المتصرف فيه كما قال تعالى :
"ألم تر أن الله يزجى سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء"
وتحدق عن سبب كفرهم فقال :
"ترى ماذا كان يضير سبأ لو أطاعوا ربهم, وآمنوا برسله؟ ، ماذا كان يضيرهم لو عرفوا للمتين الوهاب حقه, وأدركوا أن ما يتمتعون به من النعيم المقيم, والظل الوارف, والماء المسكوب, هو فضل من الله ومنة؟!! فلم التجبر والطغيان؟؟
((كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور * فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل)) .
(فأعرضوا ) .. هذا هو مكمن الخطأ, وبداية النهاية, وبوادر الكارثة .. أعرضوا عن شكر النعم, وإجابة المرسلين, واستبدلوا بعبودية الله عبودية شمس تشرق وتغرب, ويحجب أشعتها ركام يسير من السحاب!
حتى قال عنهم الهدهد لسليمان: (( أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين *إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم * وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون )) .
يا لخيبتهم وتعاستهم !! نعم تتنزل صباح مساء, وعطاء بلا حدود, وفضل بلا قيود، ثم يقابل ذلك كله, بتأليه شمس مأمورة, لا تنفع ولا تضر.. إن هذا لهو الضلال المبين! .
(فاعرضوا) .. فأرسلنا عليهم سيل العرم، يقتلع أشجارهم, ويفسد ثمارهم, ويقوض ديارهم, ويطمس زهرة حياتهم.
لقد كان سيلا مهولا يحطم كل شيء , ويدمر كل شيء, يحمل في طريقه الصخور العاتية, لتحطيم السد العظيم ."
ومما سبق يتبين أن سبب عقابهم بالسيل المدمر هو اعراضهم وهو كفرهم بوحى الله
والغريب فى تلك الحكاية هو اطباق المفسرين والمؤرخين على وجود سد فى تلك البلدة مع أن الله لم يذكره إطلاقا فى القصة
كل ما فى الأمر هو أن الماء أزال الجنتان أى بالأحرى أزال كل أشجار ونباتات الجنتان ولم يكن هذا السيل عقابا مهلكا ونبتت بدلا من النباتات الأصلية نباتات أخرى هى الخمط والأثل والسدر وفى هذا قال تعالى :
(( وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل)) "
بالقطع هذا العقاب كان إنذارا للقوم بالهلاك المدمر لهم فيما بعد ولكنهم بم يأخذوا العظة والعبرة من السيل
ويصف الخطيب ما حدث واصفا حاطىء فيقول :
"يا سبحان الله ! هكذا في ساعة من نهار, إذ بالجنان الفيحاء والحدائق الغناء, تنقلب صحراء قاحلة وبلاقع هامدة, لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ!! وإذ بالثمار الناضجة, والظلال الوارفة, تتحول إلى شوك حاد, وأثل يابس وشيء من سدر قليل, مع لوعة في القلب موجعة, وحسرة في الصدر كامنة, ودمعة في العين حارة، وما أهون الخلق على الخالق حين يعصون أمره ."
بالقطع لم يحدث ذلك فى ساعة من نهار وإنما حدث فى أيام طويلة فالأثل والخمط والسدر لا ينبتون فى ساعة وإنما فى شهور وسنوات على حسب كل نوع
وتحدث عن نعمة المن التى كانوا فيها فقال :
"وليت الحالة البائسة وقفت عند هذا الحد .. كلا، فما زالت فيهم بقية من نعمة تنتظر التدمير والإهلاك .
قال الله: (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين) .
لقد كان طريق سبأ، من اليمن إلى الشام، طريقا مأمون الاتجاهات، محدود المسافات، على جانبيه قرى متلاصقة, لا يكاد المسافر يخرج من قرية إلا يدخل الأخرى, فلا يحتاج في الحالة هذه إلى حمل زاد أو طعام, ولكن غلبت الشقوة على الأشقياء من سبأ ((فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم )) ربنا اجعل بين أسفارنا مسافات بعيدة, ومفاوز شاسعة، حتى نشعر بعناء السفر ومشقته!! .
يا للسفه والجنون! ويا للحماقة والطيش! أناس هيئ الله لهم قرى متقاربة، وطرقا آمنة, فإذا بهم يتطلبون المسافات البعيدة, والقرى النائية"
بالقطع الأرض المباركة هى مكة ولا علاقة لها بالشام ولا حتى سبأ لها علاقة باليمن فالله لم يذكر يمنا ولا شام فى القصة وإنما نحن نصدق أى شىء يقال
القوم كان سفرهم منظم فالدولة العادلة التى سبقتهم أقامت فرى على مسافات ليست متباعدة حتى يرتاحوا فيها كلما انتقلوا من بلدة إلى أخرى حتى يحجوا ولكن القوم لم يعجبهم النظام المثالى فطلبوا من الله أن يتعبهم فى السفر فكانت النتيجة الحتمية تمزيقهم وهو اهلاكهم هعاكا أدى إلى موتهم جميها وفى هذا قال:
"(وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقنا هم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) .
كان لا بد من وضع حد لكبرياء القوم وغرورهم, وتجبرهم وطغيانهم , فإذا بالجموع المتماسكة, والبيوت المتلاقصة, والأسر المتقاربة، تتمزق وحدتها, وتتقوض سلطتها, فجعلناهم أحاديث ومزقنا هم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور .
تلكم عباد الله، قصة مملكة سبأ، وإن فيها لآيات لكل صبار شكور .."
وحدثنا عن السبب فى قص الله لقصة سبأ فقال :
"عباد الله .. لماذا يحدثنا الله حديث سبأ, ويقص علينا نبأهم؟
حاشاه سبحانه أن يكون حديثه لمجرد التسلية أو شغل الفراغ, إن الغاية التي من أجلها يقص علينا الله أخبار الأمم هي الاعتبار بالآيات والادكار بالمثلات، كما ختم الله القصة بقوله (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور)
إنه لا فضل لنا على سبأ ولا لسبأ علينا, إلا بالإيمان والتقوى, والله لا يحابي أحدا, فمتى حصل الكفر والطغيان, والبطر والعدوان, فالعقوبة جاهزة، والنقمة حاضرة, وما ربك بظلام للعبيد .
(إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) .. فما يعي الدروس, ولا يستلهم العبر إلا من اتصف بالصبر والشكر.
أما الصبر: فهو توطين النفس على طاعة الله, وكفها عن محارمه, وبذل النفس والنفيس لإرضاء الخالق جل جلاله !!
وأما الشكر: فما أكثر ما يظلمه الناس, ويسيئون إليه, حين يحسبونه تمتمة باللسان, وحركة في الشفاه, دون استشعار لمعناه العظيم, ومفهومه الكبير !
ألا إن الشكر الذي تدوم به النعم وتزداد، وجدان وشعور قلبي, وعمل وسلوك واقعي, وثناء جميل على المتفضل بالإحسان جل في علاه ."
إذا الغرض من القصة هو أن يتعلم الناس الصبر والشكر لله ومن ثم تحدث الخطيب عن الشكر فقال :
"إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
وحطها بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقم
شكر النعم:بالعودة الصادقة إلى الكتاب والسنة, علما وعملا وتحاكما.
وشكر النعم:يكون بنبذ الأمة للمذاهب الهدامة, والنحل الضالة والأفكار المسمومة.
وشكر النعم: يكون بتطهير الأموال من الحرام, وتنقية المكاسب من الشبهات.
وشكر النعم:يكون بحفظ الشباب من البؤر المشبوهة, والتوجهات المنحرفة .
وشكر النعم: يكون بصون المرأة عن الفتن والميوعة, والسفور والخلاعة.
الشكر: مفهوم عظيم, ومعنى كبير, ولكن كما قال الله : ((وقليل من عبادي الشكور )) , (( وإن ربك لذ و فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون )) ."
والملخص أن الشكر هو طاعة أحكام الله وقد دعا الخطيب أن يجعل الحاضرين من الشاكرين الصابرين فقال :
"اللهم اجعلنا عن النعماء من الشاكرين ، واجعلنا عن البلاء من الصابرين "
الخطبة تدور حول دولة سبأ فوصف إياها بالعظمة فقال :
" أتحدث إليكم اليوم عن مملكة .. مملكة كانت من أعظم ممالك التاريخ، سادت ثم بادت, وذهب سلطانها وهيلمانها حتى أصبحت أثرا بعد عين, وغدت رواية تحكى, فإلى حديث القرآن وهو يعرض قصة هذه المملكة ويسجل أحداثها ونهايتها عبرة لأولي الأبصار ."
وبالقطع لا يصف الله أى دولة قائمة تعبد غيره بالعظمة وإنما توصف بالكفر والانحطاط فعندما يعبد الناس مخلوق مثلهم فليس عندهم أى عقل أو عظمة ثم ذكر أول آية عن الدولة فقال :
"أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (( لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور )) .
كانت مملكة سبأ ، من ممالك اليمن العظيمة .. وكان أهلها في أرض خصبة وثمرة يانعة, جنتان عن يمين وشمال, رمز ناطق بالخضرة والجمال, والرخاء والمتاع .
قال قتادة :
كانت المرأة تمشي تحت الأشجار وعلى رأسها مكتل أو زنبيل, فتساقط الثمار فيه من غير حاجة إلى كلفة أو قطاف, لكثرته ونضجه, واستوائه ووهب الله قوم سبأ ذكاء ودهاء, فتحكموا في القطر النازل من السماء .. أقاموا خزانا طبيعيا، جانباه من جبلين عظيمين، وجعلوا بينهما على فم الوادي سدا كبيرا به عيون تفتح وتغلق، وهو سد مأرب الشهير فكانوا يرتعون فيه, ويسقون زروعهم ومواشيهم, في نظام متقن بديع, لقد كانت حياتهم حياة الرفاهية بكل ما تحمله الكلمات من معان, ولم يكن في بلادهم شيء من البعوض أو الهوام لاعتدال الهواء, وصحة المزاج, وعناية الله الفائقة بهم, (كلوا من رزق ربكم و اشكروا له بلدة طيبة ورب غفور), بلدة طيبة معطاء, آمنة مطمئنة رخاء .. ورب غفور, ودود رؤوف, جواد رحيم, فأي عذر بقي لأولئك يحول بينهم وبين حسن القصد والعمل ؟"
والكلام المنقول كلام غير معقول لا يحدث إلا بمعجزة كالمن والسلوى وأما فى دولة كافرة فالثمار لا تتساقط فى المقاطف والمقاتل وحدها كما أن لا أحد يتحكم فى إنزال المطر من السماء لأن الله وحده المتصرف فيه كما قال تعالى :
"ألم تر أن الله يزجى سحابا ثم يؤلف بينه ثم يجعله ركاما فترى الودق يخرج من خلاله وينزل من السماء من جبال فيها من برد فيصيب به من يشاء ويصرفه عن من يشاء"
وتحدق عن سبب كفرهم فقال :
"ترى ماذا كان يضير سبأ لو أطاعوا ربهم, وآمنوا برسله؟ ، ماذا كان يضيرهم لو عرفوا للمتين الوهاب حقه, وأدركوا أن ما يتمتعون به من النعيم المقيم, والظل الوارف, والماء المسكوب, هو فضل من الله ومنة؟!! فلم التجبر والطغيان؟؟
((كلوا من رزق ربكم واشكروا له بلدة طيبة ورب غفور * فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل)) .
(فأعرضوا ) .. هذا هو مكمن الخطأ, وبداية النهاية, وبوادر الكارثة .. أعرضوا عن شكر النعم, وإجابة المرسلين, واستبدلوا بعبودية الله عبودية شمس تشرق وتغرب, ويحجب أشعتها ركام يسير من السحاب!
حتى قال عنهم الهدهد لسليمان: (( أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين *إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم * وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون )) .
يا لخيبتهم وتعاستهم !! نعم تتنزل صباح مساء, وعطاء بلا حدود, وفضل بلا قيود، ثم يقابل ذلك كله, بتأليه شمس مأمورة, لا تنفع ولا تضر.. إن هذا لهو الضلال المبين! .
(فاعرضوا) .. فأرسلنا عليهم سيل العرم، يقتلع أشجارهم, ويفسد ثمارهم, ويقوض ديارهم, ويطمس زهرة حياتهم.
لقد كان سيلا مهولا يحطم كل شيء , ويدمر كل شيء, يحمل في طريقه الصخور العاتية, لتحطيم السد العظيم ."
ومما سبق يتبين أن سبب عقابهم بالسيل المدمر هو اعراضهم وهو كفرهم بوحى الله
والغريب فى تلك الحكاية هو اطباق المفسرين والمؤرخين على وجود سد فى تلك البلدة مع أن الله لم يذكره إطلاقا فى القصة
كل ما فى الأمر هو أن الماء أزال الجنتان أى بالأحرى أزال كل أشجار ونباتات الجنتان ولم يكن هذا السيل عقابا مهلكا ونبتت بدلا من النباتات الأصلية نباتات أخرى هى الخمط والأثل والسدر وفى هذا قال تعالى :
(( وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل)) "
بالقطع هذا العقاب كان إنذارا للقوم بالهلاك المدمر لهم فيما بعد ولكنهم بم يأخذوا العظة والعبرة من السيل
ويصف الخطيب ما حدث واصفا حاطىء فيقول :
"يا سبحان الله ! هكذا في ساعة من نهار, إذ بالجنان الفيحاء والحدائق الغناء, تنقلب صحراء قاحلة وبلاقع هامدة, لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ!! وإذ بالثمار الناضجة, والظلال الوارفة, تتحول إلى شوك حاد, وأثل يابس وشيء من سدر قليل, مع لوعة في القلب موجعة, وحسرة في الصدر كامنة, ودمعة في العين حارة، وما أهون الخلق على الخالق حين يعصون أمره ."
بالقطع لم يحدث ذلك فى ساعة من نهار وإنما حدث فى أيام طويلة فالأثل والخمط والسدر لا ينبتون فى ساعة وإنما فى شهور وسنوات على حسب كل نوع
وتحدث عن نعمة المن التى كانوا فيها فقال :
"وليت الحالة البائسة وقفت عند هذا الحد .. كلا، فما زالت فيهم بقية من نعمة تنتظر التدمير والإهلاك .
قال الله: (وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين) .
لقد كان طريق سبأ، من اليمن إلى الشام، طريقا مأمون الاتجاهات، محدود المسافات، على جانبيه قرى متلاصقة, لا يكاد المسافر يخرج من قرية إلا يدخل الأخرى, فلا يحتاج في الحالة هذه إلى حمل زاد أو طعام, ولكن غلبت الشقوة على الأشقياء من سبأ ((فقالوا ربنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم )) ربنا اجعل بين أسفارنا مسافات بعيدة, ومفاوز شاسعة، حتى نشعر بعناء السفر ومشقته!! .
يا للسفه والجنون! ويا للحماقة والطيش! أناس هيئ الله لهم قرى متقاربة، وطرقا آمنة, فإذا بهم يتطلبون المسافات البعيدة, والقرى النائية"
بالقطع الأرض المباركة هى مكة ولا علاقة لها بالشام ولا حتى سبأ لها علاقة باليمن فالله لم يذكر يمنا ولا شام فى القصة وإنما نحن نصدق أى شىء يقال
القوم كان سفرهم منظم فالدولة العادلة التى سبقتهم أقامت فرى على مسافات ليست متباعدة حتى يرتاحوا فيها كلما انتقلوا من بلدة إلى أخرى حتى يحجوا ولكن القوم لم يعجبهم النظام المثالى فطلبوا من الله أن يتعبهم فى السفر فكانت النتيجة الحتمية تمزيقهم وهو اهلاكهم هعاكا أدى إلى موتهم جميها وفى هذا قال:
"(وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزقنا هم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) .
كان لا بد من وضع حد لكبرياء القوم وغرورهم, وتجبرهم وطغيانهم , فإذا بالجموع المتماسكة, والبيوت المتلاقصة, والأسر المتقاربة، تتمزق وحدتها, وتتقوض سلطتها, فجعلناهم أحاديث ومزقنا هم كل ممزق إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور .
تلكم عباد الله، قصة مملكة سبأ، وإن فيها لآيات لكل صبار شكور .."
وحدثنا عن السبب فى قص الله لقصة سبأ فقال :
"عباد الله .. لماذا يحدثنا الله حديث سبأ, ويقص علينا نبأهم؟
حاشاه سبحانه أن يكون حديثه لمجرد التسلية أو شغل الفراغ, إن الغاية التي من أجلها يقص علينا الله أخبار الأمم هي الاعتبار بالآيات والادكار بالمثلات، كما ختم الله القصة بقوله (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور)
إنه لا فضل لنا على سبأ ولا لسبأ علينا, إلا بالإيمان والتقوى, والله لا يحابي أحدا, فمتى حصل الكفر والطغيان, والبطر والعدوان, فالعقوبة جاهزة، والنقمة حاضرة, وما ربك بظلام للعبيد .
(إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) .. فما يعي الدروس, ولا يستلهم العبر إلا من اتصف بالصبر والشكر.
أما الصبر: فهو توطين النفس على طاعة الله, وكفها عن محارمه, وبذل النفس والنفيس لإرضاء الخالق جل جلاله !!
وأما الشكر: فما أكثر ما يظلمه الناس, ويسيئون إليه, حين يحسبونه تمتمة باللسان, وحركة في الشفاه, دون استشعار لمعناه العظيم, ومفهومه الكبير !
ألا إن الشكر الذي تدوم به النعم وتزداد، وجدان وشعور قلبي, وعمل وسلوك واقعي, وثناء جميل على المتفضل بالإحسان جل في علاه ."
إذا الغرض من القصة هو أن يتعلم الناس الصبر والشكر لله ومن ثم تحدث الخطيب عن الشكر فقال :
"إذا كنت في نعمة فارعها فإن المعاصي تزيل النعم
وحطها بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقم
شكر النعم:بالعودة الصادقة إلى الكتاب والسنة, علما وعملا وتحاكما.
وشكر النعم:يكون بنبذ الأمة للمذاهب الهدامة, والنحل الضالة والأفكار المسمومة.
وشكر النعم: يكون بتطهير الأموال من الحرام, وتنقية المكاسب من الشبهات.
وشكر النعم:يكون بحفظ الشباب من البؤر المشبوهة, والتوجهات المنحرفة .
وشكر النعم: يكون بصون المرأة عن الفتن والميوعة, والسفور والخلاعة.
الشكر: مفهوم عظيم, ومعنى كبير, ولكن كما قال الله : ((وقليل من عبادي الشكور )) , (( وإن ربك لذ و فضل على الناس ولكن أكثرهم لا يشكرون )) ."
والملخص أن الشكر هو طاعة أحكام الله وقد دعا الخطيب أن يجعل الحاضرين من الشاكرين الصابرين فقال :
"اللهم اجعلنا عن النعماء من الشاكرين ، واجعلنا عن البلاء من الصابرين "
أمس في 9:43 pm من طرف رضا البطاوى
» قراءة فى قصة طفولية المسيح عيسى(ص)
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:11 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى بحث خطأ في فهم مراد الفضيل بن عياض بخصوص ترك العمل لأجل الناس
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 9:36 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى قصة هاروت وماروت
الإثنين نوفمبر 18, 2024 9:33 pm من طرف رضا البطاوى
» أكذوبة سرقة قصة إنقاذ إبراهيم من نار نمرود
الأحد نوفمبر 17, 2024 9:39 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات في مقال السرقة المزعومة لسورة مريم
السبت نوفمبر 16, 2024 9:51 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى كتاب زواج موسى ولماذا تزوج داود وسليمان كل هؤلاء النسوة؟
الجمعة نوفمبر 15, 2024 9:18 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات في مقال كيف يقوم المخ بالحكم الأخلاقى على الأشياء؟
الخميس نوفمبر 14, 2024 9:31 pm من طرف رضا البطاوى
» نقد كتاب إبطال ما استدلّ به لإمامة أبي بكر
الأربعاء نوفمبر 13, 2024 8:56 pm من طرف رضا البطاوى