نقد كتاب بيع الدين بالدين أقسامه وشروطه
المؤلف راشد بن فهد آل حفيظ وهو يدور حول موضوع بيع الديم بالدين وفى مقدمته قال :
"فهذا بحث مختصر عن مسألة بيع الدين بالدين، جمعت فيه ما وقفت عليه من كلام بعض المحققين من أهل العلم، في هذه المسألة، مع بيان المذهب "مذهب الحنابلة" وذلك لأهميتها، وتعلقها ببعض أبواب البيوع، ولأنها مما يشكل على البعض، بل قد يخطئ فيها"
والمسألة نفسها لا تجوز فالدين ليس شىء يباع لأن البيع يكون فيه طرفين أحدهما يسلم نقدا والأخر يسلم سلعة أو يقايض سلعة بسلعة والنقود ليست سلعة ومن ثم يدخل ذلك التبادل فى باب أخر قد يكون باب الربا المحرم إذا باع صاحب الدين دينه بأقل من قدره فتكون المعاملة ربا لوجود زيادة هى خسارة الدائن الأصلى لبعض ماله وقد حرم الله الربا فقال:
" فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون"
وبيع الدين هو مخالفة لأوامر الله فى الدين وهى أمرين :
الأول انظار المعسر كما قال تعالى :
"وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة"
الثانى التصدق بالدين وهو التنازل عنه كما قال تعالى :
"وأن تصدقوا خير لكم"
ومن ثم لا وجود لبيع الدين عند الله وإنما هى معاملات اخترعها أصحاب الضلال للتحايل على طاعة الله بعصيانه
زد على هذا أن هذا البيع المزعوم ليس عليه شهود عقود الدين الأصلية وهو ما يمكن المدين من التنصل من هذا الدين ومن ثم يلزم فى تلك المسألة إعادة كتابة عقد الدين من جديد فى وجود الدائن الأصلى والشهود القدامى وإلا أصبخ هذا التبادل باطل
وتناول الحفيظ أقسام بيع الدين بالدين فقال :
"المبحث الأول
أقسام بيع الدين بالدين
المطلب الأول
بيع الواجب بالواجب
القسم الأول: بيع الواجب بالواجب:
وهو بيع دين مؤجل لم يقبض بدين مؤجل آخر لم يقبض، أو بيع الدين المؤخر الذي لم يقبض بالدين المؤخر الذي لم يقبض.
فكلاهما مؤخر مؤجل، لم يقبض أحدهما، أو يسقط.
"مثل أن يسلم شيئًا مؤخرًا في الذمة في شيء في الذمة" وهو محرم بالإجماع وهو بيع الكالئ بالكالئ المنهي عنه، بحديث عبد الله بن عمر "أن النبي -(ص)- نهى عن بيع الكالئ بالكالئ".
قال ابن تيمية "وهذا مثل أن يسلف إليه شيئًا مؤجلاً في شيء مؤجل، فهذا الذي لا يجوز بالإجماع، .. والإجماع إنما هو في الدين الواجب بالدين الواجب، كالسلف المؤجل من الطرفين".
وقال : "لا يجوز باتفاقهم، لأنه كلاً منهما شغل ذمته بما للآخر من غير منفعة حصلت لأحدهما، والمقصود بالبيع النفع،فهذا يكون أحدهما قد أكل مال الآخر بالباطل إذا قال أسلمت إليك مائة درهم إلى سنة في وسق حنطة، ولم يعطه شيئًا، فإن هذه المعاملة ليس فيها منفعة، بل مضرة، هذا يطلب هذا بالدراهم، ولم ينتفع واحد منهما، بل أكل مال الآخر بالباطل من غير نفع نفعه به.
وقال : "والمقصود من العقود: القبض، فهذا عقد لم يحصل به مقصود أصلاً، بل هو التزام بلا فائدة".
وقال : "إنه عقد وإيجاب على النفوس بلا حصول مقصود لأحد الطرفين، ولا لهما".
وقال ابن القيم "إنه اشتغلت فيه الذمتان بغير فائدة، فإنه لم يتعجل أحدهما ما يأخذه فينتفع بتعجيله، وينتفع صاحب المؤخر بربحه، بل كلاهما اشتغلت ذمته بلا فائدة". وقال :"وفيه ذريعة إلى تضاعف الدين في ذمة كل واحد منهما في مقابلة تأجيله، وهذه مفسدة ربا النساء بعينها".
المطلب الثاني
بيع الساقط بالساقط
القسم الثاني: بيع الساقط بالساقط:
وهو: بيع دين ثابت في الذمة يسقط إذا بيع بدين ثابت في الذمة يسقط" مثل أن يكون لأحدهما عند الآخر، وللآخر عند الأول دراهم، فيبيع هذا بهذا".
وهو ما يعرف بمسألة المقاصة.
قال ابن تيمية "وهذا بيع دين ساقط بدين ساقط، ومذهب أبي حنيفة، ومالك، جوازه"...
أما المذهب: فلا يجوز ذلك، لأنه بيع دين بدين.
ويجاب عن ذلك بأن بيع الدين بالدين المنهي عنه هو بيع الواجب بالواجب، لاشتغال الذمتين فيه بغير منفعة –كما تقدم- "بخلاف بيع الساقط بالساقط، فإن براءة ذمة كل منهما منفعة له".
..وقال "إن النبي (ص) لم ينه عن بيع الدين بالدين، ولكن روي "إنه نهى عن بيع الكالئ بالكالئ" مع ضعف الحديث، لكن بيع المؤخر بالمؤخر لا يجوز باتفاقهم..."
وحكاية الساقط بالساقط ليست من ضمن الديون لأنها بيوع تجارية بدون شهود هذا يعطى ذاك وذاك يعطى هذا حفظا هذا بالكتابة أم لا
فالدين هو مال لغير القادر لذا يسدد بعد حين لعدم وجود مال مع المدين والتجار الاثنين قادرين على أن يسد كل منهما ما عليه للآخر ومن ثم لا تسمى تلك التجارة أى البيع دين لأن الدين يتطلب قادرا على الدفع وغير قادر على الدفع لمدة محددة
ثم قال :
"المطلب الثالث
بيع الساقط بالواجب
القسم الثالث: بيع الساقط بالواجب:
هو بيع دين ثابت يسقط ويجب ثمنه.
كمن باع مائة صاع من البر ثابتة له في ذمة شخص بمائتي ريال.
وهذا جائز على الصحيح، سواء كان الدين المبيع دين سلم، أو رأس مال السلم –بعد فسخ العقد- أو غيرهما، وسواء باعه على من هو عليه، أو غيره، لكن بشروط –كما سيأتي- لأنه لا دليل على المنع، والأصل حل البيع، ولأن ما في الذمة مقبوض للمدين، قال ابن تيمية "ويجوز بيع الدين في الذمة من الغريم وغيره، ولا فرق بين دين السلم وغيره، وهو رواية عن أحمد، وقال ابن عباس، ولكن بقدر القيمة فقط، لئلا يربح فيما لم يضمن".
ومن المناسب هنا الكلام عن هاتين المسألتين:
المسألة الأولى: الدين الذي يجوز بيعه.
يجوز بيع كل دين مستقر –من ثمن مبيع، وأجرة استوفي نفعها، أو فرغت مدتها، وقرض، ومهر بعد الدخول، وجعل بعد عمل، وديةٍ، وأرش، وقيمة متلف، -إلا دين السلم "المسلم فيه" على المذهب.
وقد نص الإمام أحمد في رواية: على جواز بيعه كذلك.
واختار وتلميذه العلامة ابن القيم، والعلامة ابن سعدي، وتلميذه ابن عثيمين، لكن بقدر القيمة فقط لئلا يربح فيما لم يضمن.
...فإن قيل: ما الجواب عن حديث: "من أسلف في شيء، فلا يصرفه إلى غيره".
فالجواب عنه من وجهين:
الأول: أن الحديث ضعيف.
الثاني: أن المراد به أن لا يصرف المسلم فيه إلى مسلم فيه آخر، لأنه بهذا سوف يتضمن الربح فيما لم يضمن.
فإن لم يتضمن الربح فجائز، على الصحيح كما سيأتي في القسم الرابع.
فإن قيل: إن بيع دين السلم "المسلم فيه" بيع لما لم يقبض، والبيع قبل القبض منهي عنه. فالجواب عن ذلك من وجهين:
الأول: أن النهي إنما كان في الأعيان لا في الديون".
بدليل ما ثبت عن ابن عمر أنه قال للرسول (ص)"إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير؟ فقال الرسول (ص)لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء".
"فهذا بيع للثمن ممن هو في ذمته قبل قبضه، فما الفرق بينه وبين الاعتياض عن دين السلم بغيره".
...الثاني: أن النهي عن بيع المبيع قبل قبضه مختص بما إذا باعه على غير بائعه، أما إذا باعه على بائعه فجائز.
فإن قيل: ما الجواب عن قول الموفق ابن قدامة "وأما بيع المسلم فيه قبل قبضه فما نعلم في تحريمه خلافًا.." .
فالجواب: "أنه قال بحسب ما علمه، وإلا فمذهب مالك أنه يجوز من غير المستسلف، كما يجوز عنده بيع سائر الديون من غير من هو عليه، وهذا أيضًا إحدى الروايتين عن أحمد، نص عليه في مواضع بيع الدين من غير من هو عليه، كما نص على بيع دين السلم ممن هو عليه، وكلاهما منصوص عن أحمد في أجوبة كثيرة من أجوبته، وإن كان ذلك ليس في كتب كثير من متأخري أصحابه، وهذا القول أصح، وهو قياس أصول أحمد، وذلك لأن دين السلم مبيع".
ومثله –على الصحيح- رأس مال السلم- أي بعد فسخ عقد السلم –يصح بيعه، وهو أحد الوجهين في المذهب، والوجه الثاني: لا يصح، وهو المذهب.
المسألة الثانية: بيع الدين لغير من هو عليه:
المذهب: لا يجوز بيعه لغير من هو عليه لأنه غير قادر على تسليمه، أشبه بيع الآبق.
وقد نص الإمام أحمد في رواية على جواز بيعه لغير من هو عليه، واختاره ابن تيمية.
..وقال : "بيع الدين ممن هو عليه جائز...، وعند مالك يجوز بيعه ممن ليس هو عليه، وهو رواية عن أحمد" .
وقال : "تنازع العلماء في بيع الدين على الغير، وفيه عن أحمد روايتان، وإن كان المشهور عند أصحابه منعه".
وقال :
"وهذا –يعني عدم التمكن من التسليم- حجة من منع بيع الدين ممن ليس عليه، قال: لأنه غرر ليس بمقبوض، ومن جوّزه قال: بيعه كالحوالة عليه، وكبيع المودع، والمعار، فإنه مقبوض حكمًا، ولهذا جوّزنا بيع الثمار".
... وقال – -: (إذا باع ديناً في ذمة مقرٍ على شخص قادر على استخراجه، فالصواب أنه جائز؛ لأنه لا دليل على منعه، والأصل حل البيع) .
لأنه إذا باع ديناً بهذه الصفة، فلن يكون ثمة غرر ولا مخاطرة –حينئذ- كبيع المغصوب على قادر على أخذه وبيع الآبق على قادر على رده.
فإن قيل: ما الحكم إذا تعذر أخذ الدين في المدين؟
فالجواب: أن للمشتري الفسخ- حينئذ- قياساً على بيع المغصوب على قادر على أخذه فإنه إذا تعذر أخذه فللمشتري الفسخ، على المذهب.
فإن قيل: فهل يجوز بيع دين مؤجل على الغير بدين مؤجل آخر؟.
فالجواب: لا، لا يجوز ذلك بالاتفاق، سواء باعه على من هو عليه، أو على الغير، لاشتغال الذمتين فيه بغير فائدة – كما تقدم في المطلب الأول-.
قال ابن تيمية (لا يجوز باتفاقهم – يعني بيع الواجب بالواجب- لأن كلاً منهما شغل ذمته بما للآخر من غير منفعة وصلت لأحدهما، والمقصود بالبيع النفع) .
وقال (المقصود من العقود القبض، فهو – يعني بيع الواجب بالواجب- عقد لم يصل به مقصود أصلاً، بل هو التزام بلا فائدة) .
وقال (ففيه – يعني بيع الواجب بالواجب- شغل ذمة كل واحد منهما بالعقود التي هي وسائل إلى القبض، وهو المقصود بالعقد) ."
كل هذا الكلام على اعتبار أن البيوع وهى التجارة ديون باطل والفقهاء لأنهم ابتعدوا عن كتاب الله معتمدين إما على أرائهم أو على روايات لا قيمة لها أتونا بهذا التخريف فكما سبق القول لا يجوز بيع الديون لأن أوامر الله واضحة وهى إنظار المعسر أو التصدق بالدين ولا ثالث للتصرف فى الدين
ما يحدث فى التجارة هو تبادل منافع بين طرفين قادرين وكما سبق القول الدين فى كتاب الله قائم على أساس وجود طرق قادر على الدفع وطرف غير قادر على الدفع لمدة محددة وهو يحتاج الدين لضرورة وليس للبيع والتجارة
ثم قال فى نوع أخر من بيع الدين :
"المطلب الرابع
القسم الرابع: بيع الواجب بالساقط
وهو: إسقاط دين ثابت في ذمة شخص، وجعله ثمناً (رأس مال سلم) لموصوف في الذمة (مسلم فيه) مؤجلٍ معلومٍ.
قال ابن القيم (كما لو أسلم إليه في كُرِّ – مكيال لأهل العراق- حنطة بعشرة دراهم في ذمته، فقد وجب له عليه دين وسقط عنه دين غيره) .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم (بأن يكون لزيد على عمرو دراهم مثلاً فيجعلها رأس مال سلم في طعام ونحوه) .
وهذا جائز -أيضاً- على الصحيح، لكن بشروط – كما سيأتي – لأنه لا دليل على المنع، والأصل حل البيع، ولأن ما في الذمة مقبوض للمدين.
قال ابن القيم (وقد حكي الإجماع على امتناع هذا، ولا إجماع فيه، قاله ابن تيمية واختار جوازه، وهو الصواب، إذ لا محذور فيه، وليس بيع كالئ بكالئ- بيع الواجب بالواجب- فيتناوله النهي بلفظه، ولا في معناه فيتناوله بعموم المعنى، فإن المنهي عنه اشتغلت فيه الذمتان بغير فائدة)
ثم قال : (وإذا جاز أن يشغل أحدهما ذمته، والآخر يحصل على الربح- وذلك في بيع العين بالدين- جاز أن يفرغها من دين ويشغلها بغيره، وكأنه شغلها بها ابتداء إما بقرض أو بمعاوضة فكانت ذمته مشغولة بشيء، فانتقلت من شاغل إلى شاغل، وليس هناك بيع كالئ بكالئ، وإن كان بيع دين بدين فلم ينهه الشارع عن ذلك لا بلفظه ولا بمعنى لفظه، بل قواعد الشرع تقتضي جوازه، فإن الحوالة اقتضت نقل الدين وتحويله من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فقد عاوض المحيل المحتال من دينه بدين آخر في ذمة ثالث، فإذا عاوضه من دينه على دين آخر في ذمته كان أولى بالجواز.
...وقد اشترط ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم لجواز مثل ذلك: ألا يربح فيه، وألا يباع بما لا يباع به نسيئة.
أما المذهب: فلا يجوز ذلك – وقد حكي إجماعاً – لأنه بيع دين بدين ويجاب عن ذلك بما تقدم من أن بيع الدين بالدين المحرم هو بيع الواجب بالواجب لاشتغال الذمتين فيه بغير منفعة، أما هنا في بيع الواجب بالساقط فقد أفرغها من دين وشغلها بغيره، فانتقلت من شاغل إلى شاغل، ولا إجماع في المسألة، ولا نص، قال ابن تيمية (بيع الدين بالدين ليس فيه نص عام، ولا إجماع، وإنما ورد النهي عن بيع الكالئ بالكالئ، والكالئ هو المؤخر الذي لم يقبض بالمؤخر الذي لم يقبض، فهذا لا "
والكلام المنقول كله بلا دليل من الوحى وحتى تفسير رواية الكالىء بأى تفسير ليس عليه دليل من الوحى وإنما هم يستنتجون فقط
وتحدث الحفيظ عن شروط جواز بيع الدين فقال :
"المبحث الثاني
شروط جواز بيع الدين
يشترط لجواز بيع الدين – وهو تلخيص لما معنى- ما يلي:
الشرط الأول: "أن يكون معلوماً" فإن كان مجهولاً لم يصح، إلا على سبيل المصالحة.
الشرط: أن يباع بسعر يومه (ألا يربح فيه). وذلك لقوله (ص): "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها.." ، ولأنه إذا باعه بأكثر من سعر يومه ربح فيه، وقد نهى (ص)- عن ربح ما لم يُضمن، أي نهى عن الربح في شيء لم يدخل في ضمان البائع، والدين في ضمان من هو في ذمته، (في ضمان المدين)، ولم يدخل بعد في ضمان من هو له (في ضمان الدائن) حتى يجوز له الربح فيه. قال (فلم يجوِّز بيع الدين ممن هو عليه بربح، فإنه ربح فيما لم يضمن، فإنه لم يقبض، ولم يصر في ضمانه، والربح إنما يكون للتاجر الذي نفع الناس بتجارته، فأخذ الربح بإزاء نفعه، فلم يأكل أموال الناس بالباطل) .
ثم قال : (فإذا كان له دين وباعه من المدين بربح فقد أكل هذا الربح بالباطل، إذا كان لم يضمن الدين ولم يعمل فيه عملاً) .
وقال : (فلا يربح حتى يصير في حوزته، ويعمل فيها عملاً من أعمال التجارة: إما بنقلها إلى مكان آخر، الذي يشتري في بلد ويبيع في آخر، وإما حبسها إلى وقت آخر، وأقل ما يكون قبضها، فإن القبض عمل، وأما مجرد التخلية في المنقول فليس فيها عمل) .
فإن قيل: فهل يجوز بيعه بأقل من سعر يومه؟ فالجواب: نعم، يجوز ذلك؛ لأنه لم يربح فيه، بل زاد المدين خيراً، وأبرأه من بعض حقه.
فإن قيل: ما الجواب عن مفهوم قوله (ص): "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها.." .
فالجواب: أن المفهوم لا عموم له، بل يصدق بصورة واحدة مخالفة. والصورة المخالفة هنا هي إذا باعه بأكثر من سعر يومه، فهذا لا يجوز؛ لأنه يدخل في ربح ما لم يضمنه.
الشرط الثالث: أن يقبض عوضه في مجلس العقد، إن باعه بما لا يباع به نسيئة؛ وذلك لقوله (ص) في أخذ الدراهم عن الدنانير والعكس: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء".
أما إن باعه بما يباع به نسيئة فلا يخلو من حالين:
الأولى: أن يبيعه بمعين، كقوله: بعتك ما في ذمتك بهذا الثوب. فحينئذ لا يشترط القبض في المجلس – بلا إشكال- وهو المذهب.
الثانية: أن يبيعه بغير معين بموصوف في الذمة حال، كقوله: بعتك ما في ذمتك بثوب صفته كذا وكذا، فحينئذ يشترط القبض على المذهب، "لئلا يصير بيع دين بدين". والصحيح أنه لا يشترط القبض هنا أيضاً.
واختاره ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم، والعلامة الشيخ محمد بن عثيمين لعدم جريان ربا النسيئة بينهما، وقد تقدم الجواب عن دليل المذهب.
الشرط الرابع: ألا يباع بمؤجل، إن كان مؤجلاً باقياً على تأجيله، لم يُسقط؛ لأن بيعه بمؤجل إن كان مؤجلاً باقياً على تأجيله لم يسقط هو بيع الواجب بالواجب، المنهي عنه بالاتفاق كما تقدم- أما إن كان مؤجلاً فأسقطه، واعتاض عنه بمؤجل فجائز على الصحيح.
الشرط الخامس: أن يكون الدين مستقراً.
فإن كان غير مستقر- كدين الكتابة، وصداق قبل الدخول والخلوة، وجعل قبل عمل، وأجرة قبل فراغ المدة، أو قبل استيفاء نفعها لم يصح بيعه، لعدم تمام الملك، ولأنه قد يستقر وقد لا يستقر.
ويشترط على المذهب – إضافة إلى ما سبق- ما يلي:
) ألا يباع لغير من هو عليه.
والصحيح أن ذلك لا يشترط –كما تقدم- وأنه يجوز بيعه للغير بالشروط المتقدمة، وبشروط ثلاثة أيضاً هي: أن يكون الدين ثابتاً ببينة أو إقرار، وأن يكون المشتري قادراً على استخراجه من المدين، وألا يباع بما لا يباع به نسيئة.
) ألا يبيعه بمؤجل.
والصحيح أن ذلك لا يشترط، إلا إن كان الدين الذي في ذمة المدين مؤجلاً باقياً على تأجيله لم يسقط.
) ألا يكون دين سلم (مسلم فيه)، والصحيح أن ذلك لا يشترط، وقد تقدم ذلك.
) ألا يكون رأس مال سلم (ثمن المسلم فيه)، وذلك بأن يفسخ عقد السلم، فيقوم المسلم ببيع رأس ماله على المسلم إليه، فلا يصح على المذهب – كما تقدم- والصحيح صحته، وعدم اشتراط هذا الشرط، وقد تقدم ذلك أيضاً في آخر المسألة الأولى من المطلب الثالث.
) ألا يكون ثمناً لمبيع، ثم يعتاض عنه بما لا يباع بالمبيع نسيئة.
مثل أن يكون الدين ثمناً لبر فيعتاض عنه بشعير، أو غيره مما يشارك البر في علة الربا، فلا يصح ذلك لئلا تتخذ ذريعة إلى الربا، وحيلة عليه، وهذا هو المذهب. والصحيح أن ذلك جائز، إذا لم يكن حيلة مقصودة.
واختاره موفق الدين بن قدامة، وشرف الدين بن قاضي الجبل والعلامة ابن القيم والعلامة ابن سعدي.
وقد توسط ابن تيمية بين القولين، فجوزه لحاجة وتبعه على ذلك العلامة الشيخ محمد بن عثيمين "
وكل هذا الكلام يتحدث عن البيوع وليس عن الديون فالديون كما سبق القول طرف غنى وطرف محتاج لضرورة وأما معاملات التجارة لك وعليك فهذا اسمه تبادل منافع وهناك مثال عليه فى القرآن يقول أن الزكاة عليه أجر مضاعف وأما من أعطى مالا زائد على الدين لتجارة الأخر فليس عليه أجر مضاعف وفى هذا قال تعالى :
"وما أتيتم من ربا ليربوا فى أموال الناس فلا يربوا عند الله وما أتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون"
ومن ثم لا يجوز بيع الديون فى أى صورة من صورها
وقد لخص الحفيظ المسألة بقول ابن القيم حيث حدد الأقوال فيها برأيين وهما:
"قال ابن القيم عن هذه المسألة: (فيها قولان أحدهما: المنع، وهو المأثور عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وطاوس، وهو مذهب مالك وإسحاق.
والثاني: الجواز، وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، وابن المنذر، وبه قال جابر بن زيد، وسعيد بن جبير، وعلي بن الحسين، وهو اختيار صاحب المغني وشيخنا والأول اختيار عامة الأصحاب، والصحيح الجواز) "
المؤلف راشد بن فهد آل حفيظ وهو يدور حول موضوع بيع الديم بالدين وفى مقدمته قال :
"فهذا بحث مختصر عن مسألة بيع الدين بالدين، جمعت فيه ما وقفت عليه من كلام بعض المحققين من أهل العلم، في هذه المسألة، مع بيان المذهب "مذهب الحنابلة" وذلك لأهميتها، وتعلقها ببعض أبواب البيوع، ولأنها مما يشكل على البعض، بل قد يخطئ فيها"
والمسألة نفسها لا تجوز فالدين ليس شىء يباع لأن البيع يكون فيه طرفين أحدهما يسلم نقدا والأخر يسلم سلعة أو يقايض سلعة بسلعة والنقود ليست سلعة ومن ثم يدخل ذلك التبادل فى باب أخر قد يكون باب الربا المحرم إذا باع صاحب الدين دينه بأقل من قدره فتكون المعاملة ربا لوجود زيادة هى خسارة الدائن الأصلى لبعض ماله وقد حرم الله الربا فقال:
" فلكم رءوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون"
وبيع الدين هو مخالفة لأوامر الله فى الدين وهى أمرين :
الأول انظار المعسر كما قال تعالى :
"وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة"
الثانى التصدق بالدين وهو التنازل عنه كما قال تعالى :
"وأن تصدقوا خير لكم"
ومن ثم لا وجود لبيع الدين عند الله وإنما هى معاملات اخترعها أصحاب الضلال للتحايل على طاعة الله بعصيانه
زد على هذا أن هذا البيع المزعوم ليس عليه شهود عقود الدين الأصلية وهو ما يمكن المدين من التنصل من هذا الدين ومن ثم يلزم فى تلك المسألة إعادة كتابة عقد الدين من جديد فى وجود الدائن الأصلى والشهود القدامى وإلا أصبخ هذا التبادل باطل
وتناول الحفيظ أقسام بيع الدين بالدين فقال :
"المبحث الأول
أقسام بيع الدين بالدين
المطلب الأول
بيع الواجب بالواجب
القسم الأول: بيع الواجب بالواجب:
وهو بيع دين مؤجل لم يقبض بدين مؤجل آخر لم يقبض، أو بيع الدين المؤخر الذي لم يقبض بالدين المؤخر الذي لم يقبض.
فكلاهما مؤخر مؤجل، لم يقبض أحدهما، أو يسقط.
"مثل أن يسلم شيئًا مؤخرًا في الذمة في شيء في الذمة" وهو محرم بالإجماع وهو بيع الكالئ بالكالئ المنهي عنه، بحديث عبد الله بن عمر "أن النبي -(ص)- نهى عن بيع الكالئ بالكالئ".
قال ابن تيمية "وهذا مثل أن يسلف إليه شيئًا مؤجلاً في شيء مؤجل، فهذا الذي لا يجوز بالإجماع، .. والإجماع إنما هو في الدين الواجب بالدين الواجب، كالسلف المؤجل من الطرفين".
وقال : "لا يجوز باتفاقهم، لأنه كلاً منهما شغل ذمته بما للآخر من غير منفعة حصلت لأحدهما، والمقصود بالبيع النفع،فهذا يكون أحدهما قد أكل مال الآخر بالباطل إذا قال أسلمت إليك مائة درهم إلى سنة في وسق حنطة، ولم يعطه شيئًا، فإن هذه المعاملة ليس فيها منفعة، بل مضرة، هذا يطلب هذا بالدراهم، ولم ينتفع واحد منهما، بل أكل مال الآخر بالباطل من غير نفع نفعه به.
وقال : "والمقصود من العقود: القبض، فهذا عقد لم يحصل به مقصود أصلاً، بل هو التزام بلا فائدة".
وقال : "إنه عقد وإيجاب على النفوس بلا حصول مقصود لأحد الطرفين، ولا لهما".
وقال ابن القيم "إنه اشتغلت فيه الذمتان بغير فائدة، فإنه لم يتعجل أحدهما ما يأخذه فينتفع بتعجيله، وينتفع صاحب المؤخر بربحه، بل كلاهما اشتغلت ذمته بلا فائدة". وقال :"وفيه ذريعة إلى تضاعف الدين في ذمة كل واحد منهما في مقابلة تأجيله، وهذه مفسدة ربا النساء بعينها".
المطلب الثاني
بيع الساقط بالساقط
القسم الثاني: بيع الساقط بالساقط:
وهو: بيع دين ثابت في الذمة يسقط إذا بيع بدين ثابت في الذمة يسقط" مثل أن يكون لأحدهما عند الآخر، وللآخر عند الأول دراهم، فيبيع هذا بهذا".
وهو ما يعرف بمسألة المقاصة.
قال ابن تيمية "وهذا بيع دين ساقط بدين ساقط، ومذهب أبي حنيفة، ومالك، جوازه"...
أما المذهب: فلا يجوز ذلك، لأنه بيع دين بدين.
ويجاب عن ذلك بأن بيع الدين بالدين المنهي عنه هو بيع الواجب بالواجب، لاشتغال الذمتين فيه بغير منفعة –كما تقدم- "بخلاف بيع الساقط بالساقط، فإن براءة ذمة كل منهما منفعة له".
..وقال "إن النبي (ص) لم ينه عن بيع الدين بالدين، ولكن روي "إنه نهى عن بيع الكالئ بالكالئ" مع ضعف الحديث، لكن بيع المؤخر بالمؤخر لا يجوز باتفاقهم..."
وحكاية الساقط بالساقط ليست من ضمن الديون لأنها بيوع تجارية بدون شهود هذا يعطى ذاك وذاك يعطى هذا حفظا هذا بالكتابة أم لا
فالدين هو مال لغير القادر لذا يسدد بعد حين لعدم وجود مال مع المدين والتجار الاثنين قادرين على أن يسد كل منهما ما عليه للآخر ومن ثم لا تسمى تلك التجارة أى البيع دين لأن الدين يتطلب قادرا على الدفع وغير قادر على الدفع لمدة محددة
ثم قال :
"المطلب الثالث
بيع الساقط بالواجب
القسم الثالث: بيع الساقط بالواجب:
هو بيع دين ثابت يسقط ويجب ثمنه.
كمن باع مائة صاع من البر ثابتة له في ذمة شخص بمائتي ريال.
وهذا جائز على الصحيح، سواء كان الدين المبيع دين سلم، أو رأس مال السلم –بعد فسخ العقد- أو غيرهما، وسواء باعه على من هو عليه، أو غيره، لكن بشروط –كما سيأتي- لأنه لا دليل على المنع، والأصل حل البيع، ولأن ما في الذمة مقبوض للمدين، قال ابن تيمية "ويجوز بيع الدين في الذمة من الغريم وغيره، ولا فرق بين دين السلم وغيره، وهو رواية عن أحمد، وقال ابن عباس، ولكن بقدر القيمة فقط، لئلا يربح فيما لم يضمن".
ومن المناسب هنا الكلام عن هاتين المسألتين:
المسألة الأولى: الدين الذي يجوز بيعه.
يجوز بيع كل دين مستقر –من ثمن مبيع، وأجرة استوفي نفعها، أو فرغت مدتها، وقرض، ومهر بعد الدخول، وجعل بعد عمل، وديةٍ، وأرش، وقيمة متلف، -إلا دين السلم "المسلم فيه" على المذهب.
وقد نص الإمام أحمد في رواية: على جواز بيعه كذلك.
واختار وتلميذه العلامة ابن القيم، والعلامة ابن سعدي، وتلميذه ابن عثيمين، لكن بقدر القيمة فقط لئلا يربح فيما لم يضمن.
...فإن قيل: ما الجواب عن حديث: "من أسلف في شيء، فلا يصرفه إلى غيره".
فالجواب عنه من وجهين:
الأول: أن الحديث ضعيف.
الثاني: أن المراد به أن لا يصرف المسلم فيه إلى مسلم فيه آخر، لأنه بهذا سوف يتضمن الربح فيما لم يضمن.
فإن لم يتضمن الربح فجائز، على الصحيح كما سيأتي في القسم الرابع.
فإن قيل: إن بيع دين السلم "المسلم فيه" بيع لما لم يقبض، والبيع قبل القبض منهي عنه. فالجواب عن ذلك من وجهين:
الأول: أن النهي إنما كان في الأعيان لا في الديون".
بدليل ما ثبت عن ابن عمر أنه قال للرسول (ص)"إني أبيع الإبل بالبقيع، فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير؟ فقال الرسول (ص)لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء".
"فهذا بيع للثمن ممن هو في ذمته قبل قبضه، فما الفرق بينه وبين الاعتياض عن دين السلم بغيره".
...الثاني: أن النهي عن بيع المبيع قبل قبضه مختص بما إذا باعه على غير بائعه، أما إذا باعه على بائعه فجائز.
فإن قيل: ما الجواب عن قول الموفق ابن قدامة "وأما بيع المسلم فيه قبل قبضه فما نعلم في تحريمه خلافًا.." .
فالجواب: "أنه قال بحسب ما علمه، وإلا فمذهب مالك أنه يجوز من غير المستسلف، كما يجوز عنده بيع سائر الديون من غير من هو عليه، وهذا أيضًا إحدى الروايتين عن أحمد، نص عليه في مواضع بيع الدين من غير من هو عليه، كما نص على بيع دين السلم ممن هو عليه، وكلاهما منصوص عن أحمد في أجوبة كثيرة من أجوبته، وإن كان ذلك ليس في كتب كثير من متأخري أصحابه، وهذا القول أصح، وهو قياس أصول أحمد، وذلك لأن دين السلم مبيع".
ومثله –على الصحيح- رأس مال السلم- أي بعد فسخ عقد السلم –يصح بيعه، وهو أحد الوجهين في المذهب، والوجه الثاني: لا يصح، وهو المذهب.
المسألة الثانية: بيع الدين لغير من هو عليه:
المذهب: لا يجوز بيعه لغير من هو عليه لأنه غير قادر على تسليمه، أشبه بيع الآبق.
وقد نص الإمام أحمد في رواية على جواز بيعه لغير من هو عليه، واختاره ابن تيمية.
..وقال : "بيع الدين ممن هو عليه جائز...، وعند مالك يجوز بيعه ممن ليس هو عليه، وهو رواية عن أحمد" .
وقال : "تنازع العلماء في بيع الدين على الغير، وفيه عن أحمد روايتان، وإن كان المشهور عند أصحابه منعه".
وقال :
"وهذا –يعني عدم التمكن من التسليم- حجة من منع بيع الدين ممن ليس عليه، قال: لأنه غرر ليس بمقبوض، ومن جوّزه قال: بيعه كالحوالة عليه، وكبيع المودع، والمعار، فإنه مقبوض حكمًا، ولهذا جوّزنا بيع الثمار".
... وقال – -: (إذا باع ديناً في ذمة مقرٍ على شخص قادر على استخراجه، فالصواب أنه جائز؛ لأنه لا دليل على منعه، والأصل حل البيع) .
لأنه إذا باع ديناً بهذه الصفة، فلن يكون ثمة غرر ولا مخاطرة –حينئذ- كبيع المغصوب على قادر على أخذه وبيع الآبق على قادر على رده.
فإن قيل: ما الحكم إذا تعذر أخذ الدين في المدين؟
فالجواب: أن للمشتري الفسخ- حينئذ- قياساً على بيع المغصوب على قادر على أخذه فإنه إذا تعذر أخذه فللمشتري الفسخ، على المذهب.
فإن قيل: فهل يجوز بيع دين مؤجل على الغير بدين مؤجل آخر؟.
فالجواب: لا، لا يجوز ذلك بالاتفاق، سواء باعه على من هو عليه، أو على الغير، لاشتغال الذمتين فيه بغير فائدة – كما تقدم في المطلب الأول-.
قال ابن تيمية (لا يجوز باتفاقهم – يعني بيع الواجب بالواجب- لأن كلاً منهما شغل ذمته بما للآخر من غير منفعة وصلت لأحدهما، والمقصود بالبيع النفع) .
وقال (المقصود من العقود القبض، فهو – يعني بيع الواجب بالواجب- عقد لم يصل به مقصود أصلاً، بل هو التزام بلا فائدة) .
وقال (ففيه – يعني بيع الواجب بالواجب- شغل ذمة كل واحد منهما بالعقود التي هي وسائل إلى القبض، وهو المقصود بالعقد) ."
كل هذا الكلام على اعتبار أن البيوع وهى التجارة ديون باطل والفقهاء لأنهم ابتعدوا عن كتاب الله معتمدين إما على أرائهم أو على روايات لا قيمة لها أتونا بهذا التخريف فكما سبق القول لا يجوز بيع الديون لأن أوامر الله واضحة وهى إنظار المعسر أو التصدق بالدين ولا ثالث للتصرف فى الدين
ما يحدث فى التجارة هو تبادل منافع بين طرفين قادرين وكما سبق القول الدين فى كتاب الله قائم على أساس وجود طرق قادر على الدفع وطرف غير قادر على الدفع لمدة محددة وهو يحتاج الدين لضرورة وليس للبيع والتجارة
ثم قال فى نوع أخر من بيع الدين :
"المطلب الرابع
القسم الرابع: بيع الواجب بالساقط
وهو: إسقاط دين ثابت في ذمة شخص، وجعله ثمناً (رأس مال سلم) لموصوف في الذمة (مسلم فيه) مؤجلٍ معلومٍ.
قال ابن القيم (كما لو أسلم إليه في كُرِّ – مكيال لأهل العراق- حنطة بعشرة دراهم في ذمته، فقد وجب له عليه دين وسقط عنه دين غيره) .
وقال الشيخ عبد الرحمن بن قاسم (بأن يكون لزيد على عمرو دراهم مثلاً فيجعلها رأس مال سلم في طعام ونحوه) .
وهذا جائز -أيضاً- على الصحيح، لكن بشروط – كما سيأتي – لأنه لا دليل على المنع، والأصل حل البيع، ولأن ما في الذمة مقبوض للمدين.
قال ابن القيم (وقد حكي الإجماع على امتناع هذا، ولا إجماع فيه، قاله ابن تيمية واختار جوازه، وهو الصواب، إذ لا محذور فيه، وليس بيع كالئ بكالئ- بيع الواجب بالواجب- فيتناوله النهي بلفظه، ولا في معناه فيتناوله بعموم المعنى، فإن المنهي عنه اشتغلت فيه الذمتان بغير فائدة)
ثم قال : (وإذا جاز أن يشغل أحدهما ذمته، والآخر يحصل على الربح- وذلك في بيع العين بالدين- جاز أن يفرغها من دين ويشغلها بغيره، وكأنه شغلها بها ابتداء إما بقرض أو بمعاوضة فكانت ذمته مشغولة بشيء، فانتقلت من شاغل إلى شاغل، وليس هناك بيع كالئ بكالئ، وإن كان بيع دين بدين فلم ينهه الشارع عن ذلك لا بلفظه ولا بمعنى لفظه، بل قواعد الشرع تقتضي جوازه، فإن الحوالة اقتضت نقل الدين وتحويله من ذمة المحيل إلى ذمة المحال عليه، فقد عاوض المحيل المحتال من دينه بدين آخر في ذمة ثالث، فإذا عاوضه من دينه على دين آخر في ذمته كان أولى بالجواز.
...وقد اشترط ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم لجواز مثل ذلك: ألا يربح فيه، وألا يباع بما لا يباع به نسيئة.
أما المذهب: فلا يجوز ذلك – وقد حكي إجماعاً – لأنه بيع دين بدين ويجاب عن ذلك بما تقدم من أن بيع الدين بالدين المحرم هو بيع الواجب بالواجب لاشتغال الذمتين فيه بغير منفعة، أما هنا في بيع الواجب بالساقط فقد أفرغها من دين وشغلها بغيره، فانتقلت من شاغل إلى شاغل، ولا إجماع في المسألة، ولا نص، قال ابن تيمية (بيع الدين بالدين ليس فيه نص عام، ولا إجماع، وإنما ورد النهي عن بيع الكالئ بالكالئ، والكالئ هو المؤخر الذي لم يقبض بالمؤخر الذي لم يقبض، فهذا لا "
والكلام المنقول كله بلا دليل من الوحى وحتى تفسير رواية الكالىء بأى تفسير ليس عليه دليل من الوحى وإنما هم يستنتجون فقط
وتحدث الحفيظ عن شروط جواز بيع الدين فقال :
"المبحث الثاني
شروط جواز بيع الدين
يشترط لجواز بيع الدين – وهو تلخيص لما معنى- ما يلي:
الشرط الأول: "أن يكون معلوماً" فإن كان مجهولاً لم يصح، إلا على سبيل المصالحة.
الشرط: أن يباع بسعر يومه (ألا يربح فيه). وذلك لقوله (ص): "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها.." ، ولأنه إذا باعه بأكثر من سعر يومه ربح فيه، وقد نهى (ص)- عن ربح ما لم يُضمن، أي نهى عن الربح في شيء لم يدخل في ضمان البائع، والدين في ضمان من هو في ذمته، (في ضمان المدين)، ولم يدخل بعد في ضمان من هو له (في ضمان الدائن) حتى يجوز له الربح فيه. قال (فلم يجوِّز بيع الدين ممن هو عليه بربح، فإنه ربح فيما لم يضمن، فإنه لم يقبض، ولم يصر في ضمانه، والربح إنما يكون للتاجر الذي نفع الناس بتجارته، فأخذ الربح بإزاء نفعه، فلم يأكل أموال الناس بالباطل) .
ثم قال : (فإذا كان له دين وباعه من المدين بربح فقد أكل هذا الربح بالباطل، إذا كان لم يضمن الدين ولم يعمل فيه عملاً) .
وقال : (فلا يربح حتى يصير في حوزته، ويعمل فيها عملاً من أعمال التجارة: إما بنقلها إلى مكان آخر، الذي يشتري في بلد ويبيع في آخر، وإما حبسها إلى وقت آخر، وأقل ما يكون قبضها، فإن القبض عمل، وأما مجرد التخلية في المنقول فليس فيها عمل) .
فإن قيل: فهل يجوز بيعه بأقل من سعر يومه؟ فالجواب: نعم، يجوز ذلك؛ لأنه لم يربح فيه، بل زاد المدين خيراً، وأبرأه من بعض حقه.
فإن قيل: ما الجواب عن مفهوم قوله (ص): "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها.." .
فالجواب: أن المفهوم لا عموم له، بل يصدق بصورة واحدة مخالفة. والصورة المخالفة هنا هي إذا باعه بأكثر من سعر يومه، فهذا لا يجوز؛ لأنه يدخل في ربح ما لم يضمنه.
الشرط الثالث: أن يقبض عوضه في مجلس العقد، إن باعه بما لا يباع به نسيئة؛ وذلك لقوله (ص) في أخذ الدراهم عن الدنانير والعكس: "لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء".
أما إن باعه بما يباع به نسيئة فلا يخلو من حالين:
الأولى: أن يبيعه بمعين، كقوله: بعتك ما في ذمتك بهذا الثوب. فحينئذ لا يشترط القبض في المجلس – بلا إشكال- وهو المذهب.
الثانية: أن يبيعه بغير معين بموصوف في الذمة حال، كقوله: بعتك ما في ذمتك بثوب صفته كذا وكذا، فحينئذ يشترط القبض على المذهب، "لئلا يصير بيع دين بدين". والصحيح أنه لا يشترط القبض هنا أيضاً.
واختاره ابن تيمية، وتلميذه العلامة ابن القيم، والعلامة الشيخ محمد بن عثيمين لعدم جريان ربا النسيئة بينهما، وقد تقدم الجواب عن دليل المذهب.
الشرط الرابع: ألا يباع بمؤجل، إن كان مؤجلاً باقياً على تأجيله، لم يُسقط؛ لأن بيعه بمؤجل إن كان مؤجلاً باقياً على تأجيله لم يسقط هو بيع الواجب بالواجب، المنهي عنه بالاتفاق كما تقدم- أما إن كان مؤجلاً فأسقطه، واعتاض عنه بمؤجل فجائز على الصحيح.
الشرط الخامس: أن يكون الدين مستقراً.
فإن كان غير مستقر- كدين الكتابة، وصداق قبل الدخول والخلوة، وجعل قبل عمل، وأجرة قبل فراغ المدة، أو قبل استيفاء نفعها لم يصح بيعه، لعدم تمام الملك، ولأنه قد يستقر وقد لا يستقر.
ويشترط على المذهب – إضافة إلى ما سبق- ما يلي:
) ألا يباع لغير من هو عليه.
والصحيح أن ذلك لا يشترط –كما تقدم- وأنه يجوز بيعه للغير بالشروط المتقدمة، وبشروط ثلاثة أيضاً هي: أن يكون الدين ثابتاً ببينة أو إقرار، وأن يكون المشتري قادراً على استخراجه من المدين، وألا يباع بما لا يباع به نسيئة.
) ألا يبيعه بمؤجل.
والصحيح أن ذلك لا يشترط، إلا إن كان الدين الذي في ذمة المدين مؤجلاً باقياً على تأجيله لم يسقط.
) ألا يكون دين سلم (مسلم فيه)، والصحيح أن ذلك لا يشترط، وقد تقدم ذلك.
) ألا يكون رأس مال سلم (ثمن المسلم فيه)، وذلك بأن يفسخ عقد السلم، فيقوم المسلم ببيع رأس ماله على المسلم إليه، فلا يصح على المذهب – كما تقدم- والصحيح صحته، وعدم اشتراط هذا الشرط، وقد تقدم ذلك أيضاً في آخر المسألة الأولى من المطلب الثالث.
) ألا يكون ثمناً لمبيع، ثم يعتاض عنه بما لا يباع بالمبيع نسيئة.
مثل أن يكون الدين ثمناً لبر فيعتاض عنه بشعير، أو غيره مما يشارك البر في علة الربا، فلا يصح ذلك لئلا تتخذ ذريعة إلى الربا، وحيلة عليه، وهذا هو المذهب. والصحيح أن ذلك جائز، إذا لم يكن حيلة مقصودة.
واختاره موفق الدين بن قدامة، وشرف الدين بن قاضي الجبل والعلامة ابن القيم والعلامة ابن سعدي.
وقد توسط ابن تيمية بين القولين، فجوزه لحاجة وتبعه على ذلك العلامة الشيخ محمد بن عثيمين "
وكل هذا الكلام يتحدث عن البيوع وليس عن الديون فالديون كما سبق القول طرف غنى وطرف محتاج لضرورة وأما معاملات التجارة لك وعليك فهذا اسمه تبادل منافع وهناك مثال عليه فى القرآن يقول أن الزكاة عليه أجر مضاعف وأما من أعطى مالا زائد على الدين لتجارة الأخر فليس عليه أجر مضاعف وفى هذا قال تعالى :
"وما أتيتم من ربا ليربوا فى أموال الناس فلا يربوا عند الله وما أتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون"
ومن ثم لا يجوز بيع الديون فى أى صورة من صورها
وقد لخص الحفيظ المسألة بقول ابن القيم حيث حدد الأقوال فيها برأيين وهما:
"قال ابن القيم عن هذه المسألة: (فيها قولان أحدهما: المنع، وهو المأثور عن ابن عمر وسعيد بن المسيب وطاوس، وهو مذهب مالك وإسحاق.
والثاني: الجواز، وهو مذهب الشافعي، وأبي حنيفة، وابن المنذر، وبه قال جابر بن زيد، وسعيد بن جبير، وعلي بن الحسين، وهو اختيار صاحب المغني وشيخنا والأول اختيار عامة الأصحاب، والصحيح الجواز) "
أمس في 9:34 pm من طرف رضا البطاوى
» عمر الرسول (ص)
الخميس نوفمبر 21, 2024 9:43 pm من طرف رضا البطاوى
» قراءة فى قصة طفولية المسيح عيسى(ص)
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:11 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى بحث خطأ في فهم مراد الفضيل بن عياض بخصوص ترك العمل لأجل الناس
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 9:36 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى قصة هاروت وماروت
الإثنين نوفمبر 18, 2024 9:33 pm من طرف رضا البطاوى
» أكذوبة سرقة قصة إنقاذ إبراهيم من نار نمرود
الأحد نوفمبر 17, 2024 9:39 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات في مقال السرقة المزعومة لسورة مريم
السبت نوفمبر 16, 2024 9:51 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى كتاب زواج موسى ولماذا تزوج داود وسليمان كل هؤلاء النسوة؟
الجمعة نوفمبر 15, 2024 9:18 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات في مقال كيف يقوم المخ بالحكم الأخلاقى على الأشياء؟
الخميس نوفمبر 14, 2024 9:31 pm من طرف رضا البطاوى