نقد كتاب إثبات الشفاعة لصاحب المقام المحمود والرد على مصطفى محمود
المؤلف محمود عبده عبد الرازق وهذا الكتاب مر على تأليفه عدة عقود وفى مقدمته تحدث المؤلف عن حزنه بسبب موقف مصطفى محمود من المسألة لأن للرجل مكانة عند أهل مصر بسبب برنامجه العلم والإيمان خاصة أنه جاء بعد إنكاره لله وعودته للإسلام وفى كتابه ينكر مصطفى الشفاعة في عصاة المسلمين فقط ولكنه يثبتها في غيرهم كما يزعم ويزعمون كما يقول المؤلف في مقدمته :
"أما بعد
فقد أحزننا والله ما قرأناه وعلى غير ما عهدناه من مصطفى محمود أن ينكر لصاحب المقام المحمود شفاعته فى العصاة من المسلمين ويردد بذلك مذهب الخوارج المنحرفين والمعتزلة ...ونحن وإن كنا لا نشكك فى نواياه إلا أنه أصبح فتنة لكثير من الجاهلين المثقفين الأميين فى أصول الدين "
وقد استهل الرجل رده على مصطفى محمود فقال:
"فكان لا بد من إظهار هذه الأمور فى الرد على مصطفى محمود :
أولا : أن سيادته سلك منهج المعطلين المشبهين من المعتزلة والمتكلمين عندما عطلوا الأدلة بحجة نفى التشبيه عن الله فجمعوا بين جريمتي التمثيل والتعطيل ولما حوصروا اضطروا للتأويل بغير دليل وطعنوا فى السنة وتدوينها والتشكيك فى أخبارها وهذا ما حدث من فضيلته عندما خلط الأمور فى مقالته حيث سوى بين الشفاعة عند الله وما يتعلق بأحكامها وبين الشفاعة التى تحدث من الرعية لحكامها وقاس بينهما بقياس المماثلة الذى استخدمه أصحاب الملل الباطلة فى قياس الغائب على الشاهد ولم يوحدالله ويفرده عمن سواه فى مسألة الشفاعة فالشفاعة عند المخلوق ليست كالشفاعة عند الله فالمخلوق أحيانا يقبل الشفاعة إلزاما إما لوجود مصلحة تسعى إليها قرابته أو إلزاما من حزبه لتبقى عليه سيادته أو لفضل من المملوك على المالك أو قدرته علي زوال أوصاف أذن بزوالها الخالق أو التحكم فى نقاط ضعفه بإذاعة أخباره وكشف ما هو مستور من سوء أسراره فيضطر الحاكم أو المالك إلى قبول الشفاعة من المحكوم والتغاضى عن العدل أو إنصافه المظلوم راغما بغير إذنه مجبرا شافعا مكرها لا مخيرا وهذه هى الفوضى والمحسوبية التى أشار إليها مصطفى محمود لما قاس الخالق على المخلوق وعقد الأمور
أما رب العزة والجلال فمن هو صاحب الفضل عليه ؟ ومن الذى ساعده فى إنشاء الخلق وافتقر إليه ؟ سبحانه لا شريك له فى ملكه ولا ظهير له فى تدبير خلقه إن العقلاء يقبحون الشرك ويعلمون أن الله على كل شئ قدير وكل شئ إليه فقير وكل أمر عليه يسير لا يحتاج إلى شئ : { ليس كمثله شيء }"
وهذا الكلام عن القياس الخاطىء صحيح والمؤكد هو ان مفهوم الشفاعة عند الكل هو مفهوم مخالف لكتاب الله فالشفاعة ليست سوى شهادة حق لا تقدم ولا تؤخر في حكم الله فليست مناصرة لأحد أيا كان ولذا قال تعالى :
"ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم لا يعلمون"
الله هو من يحكم ومن ثم فالشفاعة ليست سوى تحصيل حاصل بمعنى أنها تؤكد حكم الله باستحقاق فلان الجنة وفلان النار وحكم الله يتم اثباته فى القيامة بأمور متعددة كنطق الأعضاء بما عملت من ذنوب وتسجيل الكتاب لأعمال الإنسان صوتا وصورة وبإقرار الكفار بكفرهم
والله ليس فى حاجة لاثبات عدله لأنه يعلم كل شىء وليس هو بحاجة لشفاعة أو غيرها ولكنه يثبت للكفار عدله فى حكمه عليهم
وتحدث المؤلف عن قبول الشفاعة فى الموحدين فقال :
"فإذا أخبرنا الله عنه نفسه أنه سيقبل الشفاعة فى الموحدين من المسلمين ولو اقترفوا بعض أنواع العصيان علمنا أنها لا تماثل شفاعة الإنسان للإنسان ولذا قال الله فى أعظم آية فى القرآن : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } فلن يقبل الشفاعة من أحد ولا فى أحد إلا إذا جاء إلى الله عبدا موحدا مشابها فى سلوكه عبده ونبيه محمدا خالصا من شوائب التشبيه والشرك مقرا لله بالخلق والأمر والملك وهذا شرط الشفاعة الذى حدده سيد الخلق لما قال فيما ثبت عنه من حديث أبى هريرة عند البخارى برقم (99) : ( أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه ) "
لو عاد المؤلف وكل من يسمى عالما أو فقيها للقرآن ما وجدوا آية واحدة تقول أن الشفاعة تكون في المسلمين أيا كانوا والعبارة التى استشهد بها عبد الرازق تتحدث عمن يشفع لغيره وليس عمن يشفع فيهم وهى "من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه"
وتحدث المؤلف مادحا خاتم النبيين(ص) بما لم يقله الله في كتابه فقال :
"ولما كان أعبد الخلق وإمام الموحدين وسيد الأنبياء والمرسلين هو سيدنا رسول الله فقد فضله الله على من سبق من الأنبياء بالمقام المحمود وجعله أملا للموحدين فى اليوم الموعود ونسأل الله جميعا أن يكون شفيعا لنا ولمصطفى محمود إذا رجع عن دعواه وتاب إلى الله قبل أن يلقاه "
بالقطع لم يقل الله أن محمد أعبد خلقه وسيد المرسلين بل قال أن عقيدة المسلمين التى قصها هى :
" لا نفرق بين أحد من رسله"
وقال أن المسلمين جميعا بما فيهم الرسل اخوة فقال :
" إنما المؤمنون اخوة "
وقال :
"أخوانا على سرر متقابلين"
ثانيا : لا مانع أن يجتهد سيادته فى إعمال فكره لخدمة الدين والأخذ بأيدى المسلمين إلى عليين وترك سبيل المتواكلين المعتمدين على شفاعة النبى(ص) مع تماديهم فى العصيان لكن إعمال الفكر والنظر بالمعقول يكون ممدوحا إذا أدى إلى إظهار الدين والعمل بالمنقول أعنى الكتاب والسنة وليس من شيمة المسلم أن يجعل المنقول مطية للمعقول ويضرب أدلة الكتاب والسنة ويخالف إجماع الأمة فطريقة الموحدين من أهل السنة تقوم على إظهار ما جاء فى النقل من أوجه الكمال ... فالذى خلق العقل هو الذى أرسل إليه النقل ومن المحال أن يرسل إليه ما يفسده فهو سبحانه أعلم بصناعته لعقل الإنسان وأعلم بما يصلحه على طول الزمان ...} ولو فرضنا أنه ظهر خلل أو تعارض بين العقل والنقل فذلك لسببين لا ثالث لهما : إما أن النقل لم يثبت فينسب الإنسان إلى دين الله ما لم يؤثر أنه مسموع من أنواع الضعيف والموضوع وإما أن العقل لم يفهم النقل ولم يدرك خطاب الله على النحو الصحيح وهذا ما حدث من مصطفى محمود عندما خلط الأدلة وعقد الأمور "
وكلام المؤلف عن الشفاعة يدل على أن الناس لا يفكرون فيما في القرآن حقا وإنما واحد وهو ليس النبى(ص) قطعا ولا من آمنوا به وإنما قالها كافر أراد إضلال الناس
لو عادوا للقرآن لوجدوا أن كل رسول شهيد على قومه كما قال تعالى :
"فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا"
وهو شهيد أى شفيع والشفاعة كما سبق القول شهادة حق على كل المسلمين بلا استثناء كما قال الله برسوله(ص):
"وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا"
وقال :
"ثالثا : ادعى سيادة أن الشفاعة التى وردت فى الآيات تخالف ما جاء فى الأحاديث من كلمات فقال فى عنوان ثالث المقالات ( وما هم بخارجين من النار ) دون تحقيق منه فى الاستدلال فهى تعنى المخلدين من الكفار وجميع الآيات التى أوردها ساقها فى غير موضعها فلو كنت تقصد بها يا مصطفى محمود أهل الكبائر من المسلمين فهذا باطل وخلط للأمور لأن جميع ما ذكرته ورد فى الكافرين والمشركين المخلدين فالآية الأولى :
{ يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم }
قدمتها يا سيادة على نحو مبتور حيث يظن القارئ من كلامك أنها وردت فى حكم العصاة من المسلمين ولكنها فى الحقيقه وردت فى الكفار المخلدين الذين لا تنفهم شفاعة الشافعين ولا قرابة المقربين وهذا لا يخفى على عامة المسلمين فضلا عن الأساتذة المتخصصين قال تعالى :
{ إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم }
وهذا ما سيقال لك فى بقية الآيات التى أوردتها ولولا ضيق المقام لاستعرضتها كما أن منهج الوقوف على قوله تعالى : { فويل للمصلين } ليس من شيم المسلمين "
والمؤلف حرص على تصديق الروايات هو ومن معه دون أن ينظروا في القرآن فالمسلمون لا يدخلون النار ولا تمسهم لأدبا لقوله تعالى :
" وهم من فزع يومئذ آمنون"
وقوله:
"أفمن يلقى فى النار خير أم من يأتى آمنا يوم القيامة"
وقوله:
"إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر"
فكل المسلمون مبعدون عن النار ولا وجود لما يسمى مسم عاص لأن كل المسلمون ارتكبوا الأخطاء وهى العصيان ولكنهم تابوا كما في القولة الصادقة:
" كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"
وقال المؤلف:
"رابعا : بعدما تبين أن الآيات السابقة التى أوردها سيادته إنما هى فى الكافرين والمشركين وليست فى أصحاب المعاصى من المسلمين فلا قيمة لما قاله فى اتهام المحدثين : ( وهذه الثوابت القرآنية تتناقض تماما مع مرويات الأحاديث النبوية فى كتب السيرة عن إخراجه لمن يشاء من أمته من النار مما يؤكد أن هذه الأحاديث موضوعة ولا أساس لها من الصحة ولا يمكن أن تكون قد صدرت عن النبى ) وتنبه أيها القارئ البصير ودقق النظر وأمعن التفكير فى حديث الشفاعة يوم المصير فقد أنكره ..فالبخارى ليس وحده الذى انفرد بإخراج أحاديث الشفاعة وإثباتها ولم يخل كتاب من كتب السنة من ذكرها "
المؤلف اتهم مصطفى محمود بالجعل بالحديث بينما المفترض أن الرجل يعلم أن كل الأحاديث عدا عدد يعد على أصابع اليدين آحاديث آحاد أى أقوال ظنية لم يثبت أن الرسول(ص) قالها يقينا ولا سبيل لمعرفة صحتها من بطلانها إلا عبر قياسها على آيات القرآن ورفض ما يتعارض مع القرآن وقبول ما يتوافق معه معنى ولو عاد المؤلف لكتب الجرح والتعديل لعلم أن كل الرواة طعن فيهم وعلى رأسهم الأئمة الأربعة للمذاهب ومن ثم لا يوجد حديث واحد إلا وفيه متكلم فيه
ثم قال :
"خامسا : ليس فى صحيح الإمام البخارى حديث واحد يخالف ما جاء فى القرآن أو صحيح المنقول وقد تلقته سائر الأمة من وقت البخارى إلى الآن بالرضى والقبول حتى العامه لو أخطأ أحدهم فى شئ فإنه يقول : ( هو احنا غلطنا فى البخارى ) ولو سألته : من البخارى ؟ قال : لا أعرف فكيف تقول يا مصطفى محمود : ( وما يقوله البخارى مناقض للقرآن لا يلزمنا فى شئ ويسأل عنه البخارى ولا نسأل نحن فيه ولم يكن البخارى وأرضاه هو الوحيد الذى خاض فى موضوع السيرة النبوية لكن كتاب السيركثيرون وقد تناقضوا واختلفوا بين بعضهم البعض وامتلأت كتب السير بالموضوع والمدسوس من الأحاديث والعجيب والمنكر من الإسرائيليات ) ألا يميز فضيلته بين كتب السيرة وكتب الحديث ؟ قال ابن القيم فى الطرق الحكمية 1/107 : ( والذي يشهد الله ورسوله به أنه لم تأت سنة صحيحة واحدة عن رسول الله تناقض كتاب الله وتخالفه البتة كيف ورسول الله هو المبين لكتاب الله وعليه أنزل وبه هداه الله وهو مأمور باتباعه وهو أعلم الخلق بتأويله ومراده ولو ساغ رد سنن رسول الله لما فهمه الرجل من ظاهر الكتاب لردت بذلك أكثر السنن وبطلت بالكلية فما من أحد يحتج عليه بسنة صحيحة تخالف مذهبه ونحلته إلا ويمكنه أن يتشبت بعموم آية أو إطلاقها ويقول هذه السنة مخالفة لهذا العموم والإطلاق فلا تقبل حتى إن الخوارج ردت من الأحاديث الدالة على الشفاعة وخروج أهل الكبائر من الموحدين من النار بما فهموه من ظاهر القرآن وردت كل طائفة ما ردته من السنة بما فهموه من ظاهر القرآن )
ثم عيب عليك يا مصطفى محمود أن تطعن فى تدوين السنة وأن تعلم أو لا تعلم أن الرسول لما نهى عند تدوين السنة فى عصره كان ذلك للحفاظ على القرآن وعدم اختلاط المكتوب من كلام الله بالمكتوب من كلام رسول الله كما أن الصحابة كانوا يحفظون السنة ويتناقلوها فيما بينهم لا يفرقون بين العمل بمقتضى القرآن أو السنة ثم لما مات أكثرهم انكب التابعون وتابعوهم على جمع كلام الرسول خشية ذهابه فلا تشوش على دينك بجهلك ولا تقف ما ليس لك به علم وارجع إلى قسم الحديث فى جامعة الأزهر ليعلموك ويزيلوا أميتك فى علم مصطلح الحديث "
بالقطع هذا الكلام بعيد عن النقد العلمى فالمفترض هو مناقشة الروايات وأقوال مصطفى فيها للرد عليها وليس لتعليمه أصول علم الحديث فهذا كلام ليس نقدا ولا علما وقد أظهر ابن حجر في فتح البارى الكثير من تناقضات وتعارضات أحاديث البخارى وغيره ومنه قوله :
"ويستفاد منه ومن الحديث علي المتقدم ومن قصة أبي شاه أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كتابة الحديث عنه وهو يعارض حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن"
وقوله
"قوله بالهاجرة ظاهره يعارض حديث الإبراد لأن قوله كان يفعل يشعر بالكثرة والدوام عرفا"
وقوله:
"ولما أخرجه أبو داود وغيره من حديث علي أنه قال لناس من أشجع أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدي له رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله قالوا نعم لكن يعارض هذا الظاهر ما أخرجه مسلم أيضا من حديث طلحة أنه أهدي له لحم طير وهو محرم فوقف من أكله وقال أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث أبي قتادة المذكور في الباب قبله وحديث عمير بن سلمة أن البهزي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم ظبيا وهو محرم فأمر أبا بكر أن يقسمه بين الرفاق أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه بن خزيمة وغيره"
وقوله:
"كأنه أشار إلى ما أخرجه أبو داود وغيره من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من الصحابة قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة والمواصلة ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه وإسناده صحيح كما تقدم التنبيه عليه في باب الحجامة للصائم وهو يعارض حديث أبي ذر المذكور قبل قوله وما يكره من التعمق"
وقوله"
"وسيأتي في آخر غزوة تبوك قوله فلحقنا سعد بن عبادة قائل ذلك هو أبو حميد قوله فقال أبا أسيد هو منادى حذف منه حرف النداء قوله ألم تر أن الله في رواية الكشميهني ألم تر أن رسول الله وهو أوجه قوله خير الأنصار أي فضل بين الأنصار بعضها على بعض قوله خير بضم أوله وكذا قوله فجعلنا قوله أو ليس بحسبكم بإسكان السين المهملة أي كافيكم وهذا يعارض ظاهر رواية مسلم المتقدمة"
وقوله:
"قوله فلما بلغ المؤذن حي على الصلاة فأمره كذا فيه وكأن هنا حذفا تقديره أراد أن يقولها فأمره ويؤيده رواية بن علية إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حى على الصلاة وبوب عليه بن خزيمة وتبعه بن حبان ثم المحب الطبري حذف حي على الصلاة في يوم المطر وكأنه نظر إلى المعنى لأن حي على الصلاة والصلاة في الرحال وصلوا في بيوتكم يناقض ذلك"
ثم قال :
"سادسا : أذكر مصطفى محمود بما أغفله تعمدا أو جهلا لأقوال الأئمة الأعلام الذين شرفهم الله بالدفاع عن الإسلام ضد الخوارج المارقين الذين قال فيهم سيد الأنبياء والمرسلين : ( يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) [ أخرجه البخارى]
أذكر فضيلته ببعض ما كان يجب أن يرجع إليه قبل أول مقال قال الآمدى فى غاية المرام فى علم الكلام 2/309 : ( وأما إنكار الشفاعة للمذنبين والعصاة من المسلمين فذلك إنما هو فرع مذهب أهل الضلال في القول بوجوب الثواب ولزوم العقاب على الله تعالى وقد بينا ما في ذلك من الخلل وأوضحنا ما فيه من الزلل فإن الثواب من الله تعالى ليس إلا بفضله والعقاب ليس إلا بعدله )
وقال ابن أبى العز الحنفى فى شرحه للعقيدة الطحاوية ص258 : ( النوع الثامن شفاعته في أهل الكبائر من أمته ممن يدخل النار فيخرجون منها وقد تواترت بهذا النوع الأحاديث وقد خفي علم ذلك على الخوارج والمعتزلة فخالفوا في ذلك جهلا منهم بصحة الأحاديث وعنادا ممن علم ذلك واستمر على بدعته )
وهذا نص كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الذى زعمت زورا أنه يوافقك الرأى فى نفى الشفاعة فى عصاة الأمة حيث قال عن رسول الله : ( وله من الفضائل التى ميزه الله بها على سائر النبيين ما يضيق هذا الموضع عن بسطه ومن ذلك المقام المحمود الذى يغبطه به الأولون والآخرون وأحاديث الشفاعة كثيرة متواترة منها فى الصحيحين أحاديث متعددة وفى السنن والمساند مما يكثر عدده وأما الوعيدية من الخوارج والمعتزلة فزعموا أن الشفاعة إنما هى للمؤمنين خاصة فى رفع بعض الدرجات وبعضهم أنكر الشفاعة مطلقا ) انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 1/314
وقال فى موضع آخر : ( فمن أنكر شفاعة نبينا فى أهل الكبائر فهو مبتدع ضال كما ينكرها الخوارج والمعتزلة ومن قال إن مخلوقا يشفع عند الله بغير إذنه فقد خالف إجماع المسلمين ونصوص القرآن ) السابق 27/341
وهذا أيضا كلام تلميذه ابن القيم حيث قال فى كتابه طريق الهجرتين 1/568 : ( رد الخوارج والمعتزلة النصوص المتواترة الدالة على خروج أهل الكبائر من النار بالشفاعة وكذبوا بها وقالوا لا سبيل لمن دخل النار إلى الخروج منها بالشفاعة ولا غيرها ولما بهرتهم نصوص الشفاعة وصاح بهم أهل السنة وأئمة الإسلام من كل قطر وجانب ورموهم بسهام الرد عليهم أحالوا بالشفاعة على زيادة الثواب فقط لا على الخروج من النار فردوا السنة المتواترة قطعا وصاروا مضغة في أفواه الأمة وعارا في فرقها فإن أمر الشفاعة أظهر عند الأمة من أن يقبل شكا أو نزاعا ولكن إنما أتى القوم لأنهم في غاية البعد عما جاء به الرسول أجانب عنه ليسوا من الورثة وأما الخوارج فكذبوا الصحابة صريحا وأما المرجئة فإنهم يجوزون أن لا يدخل النار أحد من أهل التوحيد وهذا بخلاف المعلوم المتواتر من نصوص السنة بدخول بعض أهل الكبائر النار ثم خروجهم منها بالشفاعة ) ويمكن لمصطفى محمود أن يرجع إلى هذه المواضع من كتب التراث : البيهقى فى شعب الإيمان 1/281 والتحفة العراقية ضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 10/7 وكتابه التصوف والسلوك 11/661 وكتاب الروح لابن القيم 1/135 ويمكن لمصطفى محمود أن يستقصى على الكمبيوتر فى المكتبة الألفية للسنة النبوية ألاف المواضع فى إثبات الشفاعة والرد على المعتزلة والخوارج ولو أراد أن يرى بعينه لأريناه "
وكل ما نقله المؤلف كلام عام لا يناقش أى أدلة لا من القرآن ولا من الأحاديث
وكما سبق ما نسب للنبى(ص) من إخراج الناس من النار هو كذب محض فلا يوجد دليل واحد من القرآن يقول بدخول بعض المسلمين النار ولا دليل واحد على خروج هذا البعض منها والآية الوحيدة والتى يمكن فهمها خطأ تقول بدخول كل الناس بما فيهم الرسول الخاتم والرسل الآخرين (ص) النار هى قوله تعالى :
" وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا"
والخطاب في الآية للكفار وليس لكل الناس وإلا كان كل الناس لابد من دخولهم النار مسلمين وكفار وهم ما يتعارض مع قوله تعالى :
"وهم من فزع يومئذ آمنون"
ثم قال :
سابعا : من خلال العلاقة الحميمة بين سيادته وأعلام الصوفية أذكره بأنه خالف بقوله إجماعهم وضيع بمقالته آمالهم فمنع شفاعة الحبيب لهم وياللحسرة التى حلت بهم قال الكلاباذى فى معتقد شيوخ الصوفية الأوائل فى كتابه التعرف لمذهب أهل التصوف ص54 : ( قولهم في الشفاعة أجمعوا على الاقرار بجملة ما ذكر الله تعالى في كتابه وجاءت به الروايات عن النبي في الشفاعة ) "
منطق الرجل غريب فمن يستدل بهم من الصوفية كا أهل الحديث الذين استدل بهم كالبخارى فهم بشر وليسوا الله رب العالمين والخطأ جائز منهم ومن غيرهم فإن نفى الخطأ عنهم فقد جعلهم أربابا وجعل لهم عصمة من الخطأ ليست لأحد من الناس
ثم قال :
"ثامنا : قول فضيلته : ( والقرآن هو الكتاب الوحيد الذى تولى رب العالمين حفظه بنفسه من أى تحريف وقال فى كتابه المحكم { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ولم يقل لنا رب العالمين أنه حفظ كتاب البخارى أو غيره من كتب السيرة )
ما أوجهه للدفاع عن سنة صاحب المقام المحمود إلى مصطفى محمود مصطفى محمود وغيره من المنكرين والمشككين فى قواعد الدين بحسن النية طبعا أن القول بالاكتفاء بالقرآن فقط ورد السنة بأسرها قول باطل بالضرورة العقلية لأنه هدم للدين من أساسه وبرهان ذلك أن الله أمر فى القرآن بالصلاة والزكاة فى مواضع كثيرة منها : { إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم }
ومعلوم أنه لم يرد فى القرآن تفصيل لكيفية الصلاة وأعدادها المقبولة عند الله أو المقدار المحدد فى الزكاة سواء زكاة المال أو الزروع أو عروض التجارة فلا بد من الأخذ بالسنة لبيان الأحكام وهذه المسألة لا يقدر أحد على النزاع فيها كما قال فى آخر مقال : (ليس إنكارا للسنة ) "
,اما الصلاة فموجودة في القرآن وهى مخالفة تماما للمعروف عند الناس والزكاة فيها استنباط من القرآن أنها نصف الربح وأما روايات الزكاة وحتى الصلاة في كتب السنة فمتناقضة فهناك أحاديث الخمس وهناك أحاديث فرض صلاتين مثل " صلوا كذا في حين كذا وصلوا كذا في حين كذا " وحديث من صلى البردين دخل الجنة "وكل الأحاديث موجودة في كتب البخارى ومسلم وهى تثبت عدم صحة الكثير من تلك الروايات لتناقضها مع كتاب الله الذى أثبت صلاتين الفجر والعشاء فقط
وكما سبق القول لابد من محاكمة الروايات للقرآن فمن اتفق معه فهو الصحيح وما عارضه فلم يقله النبى(ص) ولو اتفق الناس على صحته وأما أن نصدق الكل فهذا هو الجنون الذى يجعل الكفار ينقدون الإسلام ويتهمونه بالتناقض
ثم قال :
"لكن المحك أن مصطفى محمود مصطفى محمود ادعى أن القرآن هو المحفوظ فقط أما سنة الحبيب محمد التى جمعها البخارى أمير المؤمنين فى الحديث أو غيره بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة فليس هذا هو الضابط المعتمد عند سيادة والسؤال الآن الذى يتوجه لفضيلته : على أى ضابط نعرف الصحيح من صحيح البخارى ونحكم على الضعيف كما حكمت ؟ هل عقلك هو الفاصل أو عقل مشتهرى الذى شكك فى قواعد السنة أيضا على صفحات مجلة الجيل ؟ أو ما يراه غيركما من أمثالكما ؟ حاول أنت أولا أن تضع الضوابط المنطقية والقواعد الأساسية لفرز السنة دون أن ترجع فى حديث واحد إلى علماء الحديث فهؤلاء كما قدمت كتاب سير ولا عبرة بقواعدهم عندكم جرب أنت وغيرك ممن هو على منهجك فإن اتفقتم على الأحاديت التى يجب أن تدين بها الأمة فنحن وجميع العقلاء معكم ؟ أو اكتبوا لنا سنة جديدة نفهم بها القرآن بدلا من سنة الحبيب وتذكروا بعد ذلك أنكم ستدعون الناس إلى سنتكم لا سنة محمد ويكفى أن أذكرك بما قاله أبو طالب المكى وإن كان من الصوفية : ( فإنا قوم متبعون نقفوا الأثر غير مبتدعين بالرأى والمعقول نرد به الخير وفى رد أخبار الصفات بطلان شرائع الإسلام من قبل أن الناقلين إلينا ذلك هم ناقلوا شرائع الدين وأحكام الإيمان فإن كانوا عدولا فيما نقلوه من الشريعة فالعدل مقبول القول فى كل ما نقلوه وإن كانوا كذبوا فيما نقلوا من إخبار الصفات فالكذب مردود القول فى كل ما جاءوا به ) قوت القلوب 2/124
وأقول لمصطفى محمود : حفظ دين الإسلام ليس فى حفظ القرآن فقط كما أكدت فى كلامك بل هو قائم على أمرين لازمين تكفل الله بهما :
الأمر الأول : حفظ دستور الإسلام على الدوام من جهتين الجهة الأولى حفظ القرآن بإعجاز تركيبه وبلاغة كلماته كنظم معجز يتحدى العالم أجمع والجهة الثانية حفظ السنة التى تميزت فيها الأمة الإسلامية عن غيرها فى براعة نادرة بالأسانيد ووضع قواعدها التى تميز بين المقبول والمردود أو الصحيح والضعيف مما نسب إلى رسول الله وهو ما عرف بعلم مصطلح الحديث والذى ظهر من مقالة سيادة مدى ضعفه الشديد وبضاعته المزجاه فى هذا العلم "
وهذا الكلام عن حفظ السنة هو ضرب من الخبل ويبدو أن الرجل لم يقرأ كتب الحديث حيث يجد أبواب الكتاب المتناقضة خلف بعضها مثل حرمة الشرب وقوفا وإباحة الشرب وقوفا ومثل باب وضع اليدين على الركبتين وباب عدم وضع اليدين على الركبتين
حفظ السنة له طريق واحد وهو عرضها على القرآن لبيان صحة الحديث من بطلانه وإلا سنظل نصدق القول وعكسه وسنظل أضحوكة لكل الأمم
أقول هذا رغم إيمانى بوجود كتابين لله القرآن وتفسيره الإلهى الذكر الذى يفسر القرآن المنزل كما قال تعالى :
"وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم"
وكلاهما محفوظ في كعبة الله الحقيقية وهى ليست الكعبة الحالية
ثم قال :
تاسعا : قول سيادة : ( وقرأنا فى أكثر من كتاب من كتب السيرة أن النبى عليه الصلاة والسلام مات ودرعه مرهونة عند يهودى وهو كذب وافتراء لا يعقل فما حكاية هذه الدرع المرهونة عند يهودى إلا أن تكون إسرائيليات مدسوسة ) أقول اتقى الله : { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } فحديث الدرع لم يرده فى تاريخ الإسلام من المنتسبين لأهل السنة إلا أنت وهو حديث صحيح أخرجه البخارى برقم (4467) عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( توفي النبي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين ) تعنى ثلاثين صاعا من شعير لأهله وأخرجه عن ابن عباس الترمذى برقم (1214) والنسائى برقم (4651) وابن ماجة برقم (2483) وأحمد عن أسماء بنت يزيد برقم (27040)
ولو أردت المزيد فارجع إلى كتب السنة لا إلى كتب السير فهل يصدق العقلاء من القراء أن هؤلاء جميعا نقلوا بالسند الصحيح ما هو مكذوب على رسول الله وفات جميع المسلمين من العامة والمتخصصين على طول الأيام والسنين ما توصل إليه مصطفى محمود فى حديث الدرع ؟"
والحديث مردود بالفعل فلا يمكن أن يكون الرسول(ص) مديونا ليهودى وأغنياء المسلمين موجودين حوله كعثمان كما تحكى الأحاديث أم أنه سيستخسر المال في والد زوجتيه أو أن عبد الرحمن بن عوف لن يسلفه إنه كلام غير منطقى كما أنه ليس منطقيا أن يستدين الرسول(ص) وقد جعل الله راتب من الزكاة باعتبار المشرف على العاملين عليها وله سهم من الغنيمة ومن الفىء
وقال :
"عاشرا : نظرا لعامية الصحافة وانشغالها بأحزابها ظن أصحابها أن الكلام فى أصول الدين كالكلام عن سائر الأخبار أو التهاون فى نقلها ففتحوا الصحافة بأبوابها لكل ما يثير قراءها ويسحب من السوق أعدادها فتكلم على صفحاتها كثير من غير المتخصصين وأظهروا للجميع بمقالاتهم أنهم من الجاهلين بأصول الدين وقواعده ولم يعلم هؤلاء الكتاب أن الأمر سيكون من حيث لا يشعرون عليهم لا لهم وأن طبيعة القرآن والسنة كالماء الذى يبقى بعد زوال الخبث من فوقه وكالذهب إذا سعى أحد لخدشه ازداد بريقا ولمعانا هكذا ضرب الله مثلا للقرآن والسنة فقال سبحانه وتعالى : { أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل } "
وهذا الكلام وهو احتكار تفسير كلام الله للدراسين في مدرسة ما هو من ضمن الخبل فعلى حد قول القرآن العلماء هم من تعلموا في مدرسة النبوة وليس في الأزهر أو في الحوزة أو القرويين أو غيرهم أم عندكم نص يقول أنكم وحدكم القائمون بتفسير الدين وهو حرام على غيركم ؟
وطلب المؤلف في نهاية كتابه الشفاعة لمصطفى محمود وهو قوله:
"وأقول فى نهاية الأمر سامحك الله يامصطفى محمود فقد شغلت سائر المسلمين وشغلتنا بما خالفت فيه علماءنا وهو متفق عليه فى ديننا واستنفذت جهدنا وعطلتنا من كثرة القيل والقال بيننا ولو أنك بذلت جهدك فى برنامج العلم والإيمان لأسعدتنا وأرحتنا فقد عهدنا فيك الإيمان بالتخصص والتحقيق والنظر فى الأمور العلمية بفهم دقيق ولك من المحاسن ما يثبت للمسلم الإيمان العميق فهلا تبت إلى الله قبل اليوم الموعود ورجعت إلى ما وضعه المحدثون من الضوابط والقيود واتبعت صاحب المقام المحمود فاللهم شفعه فى مصطفى محمود"
وبالقطع الفهم الخاطىء لمعنى الشفاعة وهو المناصرة التى تخرج من النار للجنة بينما هى شهادة الحق في حق المسلمين جميعا والتى لا تخرج من نار ولا تدخل جنة لأن الحاكم وهو الله عليم بكل شىء وهو غير محتاج لشىء من الاثباتات ولكنه يثبت عدالته للكل بكل الوسائل في الآخرة حتى لا يكون لأى أحد حجة على الله
المؤلف محمود عبده عبد الرازق وهذا الكتاب مر على تأليفه عدة عقود وفى مقدمته تحدث المؤلف عن حزنه بسبب موقف مصطفى محمود من المسألة لأن للرجل مكانة عند أهل مصر بسبب برنامجه العلم والإيمان خاصة أنه جاء بعد إنكاره لله وعودته للإسلام وفى كتابه ينكر مصطفى الشفاعة في عصاة المسلمين فقط ولكنه يثبتها في غيرهم كما يزعم ويزعمون كما يقول المؤلف في مقدمته :
"أما بعد
فقد أحزننا والله ما قرأناه وعلى غير ما عهدناه من مصطفى محمود أن ينكر لصاحب المقام المحمود شفاعته فى العصاة من المسلمين ويردد بذلك مذهب الخوارج المنحرفين والمعتزلة ...ونحن وإن كنا لا نشكك فى نواياه إلا أنه أصبح فتنة لكثير من الجاهلين المثقفين الأميين فى أصول الدين "
وقد استهل الرجل رده على مصطفى محمود فقال:
"فكان لا بد من إظهار هذه الأمور فى الرد على مصطفى محمود :
أولا : أن سيادته سلك منهج المعطلين المشبهين من المعتزلة والمتكلمين عندما عطلوا الأدلة بحجة نفى التشبيه عن الله فجمعوا بين جريمتي التمثيل والتعطيل ولما حوصروا اضطروا للتأويل بغير دليل وطعنوا فى السنة وتدوينها والتشكيك فى أخبارها وهذا ما حدث من فضيلته عندما خلط الأمور فى مقالته حيث سوى بين الشفاعة عند الله وما يتعلق بأحكامها وبين الشفاعة التى تحدث من الرعية لحكامها وقاس بينهما بقياس المماثلة الذى استخدمه أصحاب الملل الباطلة فى قياس الغائب على الشاهد ولم يوحدالله ويفرده عمن سواه فى مسألة الشفاعة فالشفاعة عند المخلوق ليست كالشفاعة عند الله فالمخلوق أحيانا يقبل الشفاعة إلزاما إما لوجود مصلحة تسعى إليها قرابته أو إلزاما من حزبه لتبقى عليه سيادته أو لفضل من المملوك على المالك أو قدرته علي زوال أوصاف أذن بزوالها الخالق أو التحكم فى نقاط ضعفه بإذاعة أخباره وكشف ما هو مستور من سوء أسراره فيضطر الحاكم أو المالك إلى قبول الشفاعة من المحكوم والتغاضى عن العدل أو إنصافه المظلوم راغما بغير إذنه مجبرا شافعا مكرها لا مخيرا وهذه هى الفوضى والمحسوبية التى أشار إليها مصطفى محمود لما قاس الخالق على المخلوق وعقد الأمور
أما رب العزة والجلال فمن هو صاحب الفضل عليه ؟ ومن الذى ساعده فى إنشاء الخلق وافتقر إليه ؟ سبحانه لا شريك له فى ملكه ولا ظهير له فى تدبير خلقه إن العقلاء يقبحون الشرك ويعلمون أن الله على كل شئ قدير وكل شئ إليه فقير وكل أمر عليه يسير لا يحتاج إلى شئ : { ليس كمثله شيء }"
وهذا الكلام عن القياس الخاطىء صحيح والمؤكد هو ان مفهوم الشفاعة عند الكل هو مفهوم مخالف لكتاب الله فالشفاعة ليست سوى شهادة حق لا تقدم ولا تؤخر في حكم الله فليست مناصرة لأحد أيا كان ولذا قال تعالى :
"ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم لا يعلمون"
الله هو من يحكم ومن ثم فالشفاعة ليست سوى تحصيل حاصل بمعنى أنها تؤكد حكم الله باستحقاق فلان الجنة وفلان النار وحكم الله يتم اثباته فى القيامة بأمور متعددة كنطق الأعضاء بما عملت من ذنوب وتسجيل الكتاب لأعمال الإنسان صوتا وصورة وبإقرار الكفار بكفرهم
والله ليس فى حاجة لاثبات عدله لأنه يعلم كل شىء وليس هو بحاجة لشفاعة أو غيرها ولكنه يثبت للكفار عدله فى حكمه عليهم
وتحدث المؤلف عن قبول الشفاعة فى الموحدين فقال :
"فإذا أخبرنا الله عنه نفسه أنه سيقبل الشفاعة فى الموحدين من المسلمين ولو اقترفوا بعض أنواع العصيان علمنا أنها لا تماثل شفاعة الإنسان للإنسان ولذا قال الله فى أعظم آية فى القرآن : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } فلن يقبل الشفاعة من أحد ولا فى أحد إلا إذا جاء إلى الله عبدا موحدا مشابها فى سلوكه عبده ونبيه محمدا خالصا من شوائب التشبيه والشرك مقرا لله بالخلق والأمر والملك وهذا شرط الشفاعة الذى حدده سيد الخلق لما قال فيما ثبت عنه من حديث أبى هريرة عند البخارى برقم (99) : ( أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصا من قلبه ) "
لو عاد المؤلف وكل من يسمى عالما أو فقيها للقرآن ما وجدوا آية واحدة تقول أن الشفاعة تكون في المسلمين أيا كانوا والعبارة التى استشهد بها عبد الرازق تتحدث عمن يشفع لغيره وليس عمن يشفع فيهم وهى "من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه"
وتحدث المؤلف مادحا خاتم النبيين(ص) بما لم يقله الله في كتابه فقال :
"ولما كان أعبد الخلق وإمام الموحدين وسيد الأنبياء والمرسلين هو سيدنا رسول الله فقد فضله الله على من سبق من الأنبياء بالمقام المحمود وجعله أملا للموحدين فى اليوم الموعود ونسأل الله جميعا أن يكون شفيعا لنا ولمصطفى محمود إذا رجع عن دعواه وتاب إلى الله قبل أن يلقاه "
بالقطع لم يقل الله أن محمد أعبد خلقه وسيد المرسلين بل قال أن عقيدة المسلمين التى قصها هى :
" لا نفرق بين أحد من رسله"
وقال أن المسلمين جميعا بما فيهم الرسل اخوة فقال :
" إنما المؤمنون اخوة "
وقال :
"أخوانا على سرر متقابلين"
ثانيا : لا مانع أن يجتهد سيادته فى إعمال فكره لخدمة الدين والأخذ بأيدى المسلمين إلى عليين وترك سبيل المتواكلين المعتمدين على شفاعة النبى(ص) مع تماديهم فى العصيان لكن إعمال الفكر والنظر بالمعقول يكون ممدوحا إذا أدى إلى إظهار الدين والعمل بالمنقول أعنى الكتاب والسنة وليس من شيمة المسلم أن يجعل المنقول مطية للمعقول ويضرب أدلة الكتاب والسنة ويخالف إجماع الأمة فطريقة الموحدين من أهل السنة تقوم على إظهار ما جاء فى النقل من أوجه الكمال ... فالذى خلق العقل هو الذى أرسل إليه النقل ومن المحال أن يرسل إليه ما يفسده فهو سبحانه أعلم بصناعته لعقل الإنسان وأعلم بما يصلحه على طول الزمان ...} ولو فرضنا أنه ظهر خلل أو تعارض بين العقل والنقل فذلك لسببين لا ثالث لهما : إما أن النقل لم يثبت فينسب الإنسان إلى دين الله ما لم يؤثر أنه مسموع من أنواع الضعيف والموضوع وإما أن العقل لم يفهم النقل ولم يدرك خطاب الله على النحو الصحيح وهذا ما حدث من مصطفى محمود عندما خلط الأدلة وعقد الأمور "
وكلام المؤلف عن الشفاعة يدل على أن الناس لا يفكرون فيما في القرآن حقا وإنما واحد وهو ليس النبى(ص) قطعا ولا من آمنوا به وإنما قالها كافر أراد إضلال الناس
لو عادوا للقرآن لوجدوا أن كل رسول شهيد على قومه كما قال تعالى :
"فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا"
وهو شهيد أى شفيع والشفاعة كما سبق القول شهادة حق على كل المسلمين بلا استثناء كما قال الله برسوله(ص):
"وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا"
وقال :
"ثالثا : ادعى سيادة أن الشفاعة التى وردت فى الآيات تخالف ما جاء فى الأحاديث من كلمات فقال فى عنوان ثالث المقالات ( وما هم بخارجين من النار ) دون تحقيق منه فى الاستدلال فهى تعنى المخلدين من الكفار وجميع الآيات التى أوردها ساقها فى غير موضعها فلو كنت تقصد بها يا مصطفى محمود أهل الكبائر من المسلمين فهذا باطل وخلط للأمور لأن جميع ما ذكرته ورد فى الكافرين والمشركين المخلدين فالآية الأولى :
{ يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم }
قدمتها يا سيادة على نحو مبتور حيث يظن القارئ من كلامك أنها وردت فى حكم العصاة من المسلمين ولكنها فى الحقيقه وردت فى الكفار المخلدين الذين لا تنفهم شفاعة الشافعين ولا قرابة المقربين وهذا لا يخفى على عامة المسلمين فضلا عن الأساتذة المتخصصين قال تعالى :
{ إن الذين كفروا لو أن لهم ما في الأرض جميعا ومثله معه ليفتدوا به من عذاب يوم القيامة ما تقبل منهم ولهم عذاب أليم يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم }
وهذا ما سيقال لك فى بقية الآيات التى أوردتها ولولا ضيق المقام لاستعرضتها كما أن منهج الوقوف على قوله تعالى : { فويل للمصلين } ليس من شيم المسلمين "
والمؤلف حرص على تصديق الروايات هو ومن معه دون أن ينظروا في القرآن فالمسلمون لا يدخلون النار ولا تمسهم لأدبا لقوله تعالى :
" وهم من فزع يومئذ آمنون"
وقوله:
"أفمن يلقى فى النار خير أم من يأتى آمنا يوم القيامة"
وقوله:
"إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون لا يسمعون حسيسها وهم فيما اشتهت أنفسهم خالدون لا يحزنهم الفزع الأكبر"
فكل المسلمون مبعدون عن النار ولا وجود لما يسمى مسم عاص لأن كل المسلمون ارتكبوا الأخطاء وهى العصيان ولكنهم تابوا كما في القولة الصادقة:
" كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون"
وقال المؤلف:
"رابعا : بعدما تبين أن الآيات السابقة التى أوردها سيادته إنما هى فى الكافرين والمشركين وليست فى أصحاب المعاصى من المسلمين فلا قيمة لما قاله فى اتهام المحدثين : ( وهذه الثوابت القرآنية تتناقض تماما مع مرويات الأحاديث النبوية فى كتب السيرة عن إخراجه لمن يشاء من أمته من النار مما يؤكد أن هذه الأحاديث موضوعة ولا أساس لها من الصحة ولا يمكن أن تكون قد صدرت عن النبى ) وتنبه أيها القارئ البصير ودقق النظر وأمعن التفكير فى حديث الشفاعة يوم المصير فقد أنكره ..فالبخارى ليس وحده الذى انفرد بإخراج أحاديث الشفاعة وإثباتها ولم يخل كتاب من كتب السنة من ذكرها "
المؤلف اتهم مصطفى محمود بالجعل بالحديث بينما المفترض أن الرجل يعلم أن كل الأحاديث عدا عدد يعد على أصابع اليدين آحاديث آحاد أى أقوال ظنية لم يثبت أن الرسول(ص) قالها يقينا ولا سبيل لمعرفة صحتها من بطلانها إلا عبر قياسها على آيات القرآن ورفض ما يتعارض مع القرآن وقبول ما يتوافق معه معنى ولو عاد المؤلف لكتب الجرح والتعديل لعلم أن كل الرواة طعن فيهم وعلى رأسهم الأئمة الأربعة للمذاهب ومن ثم لا يوجد حديث واحد إلا وفيه متكلم فيه
ثم قال :
"خامسا : ليس فى صحيح الإمام البخارى حديث واحد يخالف ما جاء فى القرآن أو صحيح المنقول وقد تلقته سائر الأمة من وقت البخارى إلى الآن بالرضى والقبول حتى العامه لو أخطأ أحدهم فى شئ فإنه يقول : ( هو احنا غلطنا فى البخارى ) ولو سألته : من البخارى ؟ قال : لا أعرف فكيف تقول يا مصطفى محمود : ( وما يقوله البخارى مناقض للقرآن لا يلزمنا فى شئ ويسأل عنه البخارى ولا نسأل نحن فيه ولم يكن البخارى وأرضاه هو الوحيد الذى خاض فى موضوع السيرة النبوية لكن كتاب السيركثيرون وقد تناقضوا واختلفوا بين بعضهم البعض وامتلأت كتب السير بالموضوع والمدسوس من الأحاديث والعجيب والمنكر من الإسرائيليات ) ألا يميز فضيلته بين كتب السيرة وكتب الحديث ؟ قال ابن القيم فى الطرق الحكمية 1/107 : ( والذي يشهد الله ورسوله به أنه لم تأت سنة صحيحة واحدة عن رسول الله تناقض كتاب الله وتخالفه البتة كيف ورسول الله هو المبين لكتاب الله وعليه أنزل وبه هداه الله وهو مأمور باتباعه وهو أعلم الخلق بتأويله ومراده ولو ساغ رد سنن رسول الله لما فهمه الرجل من ظاهر الكتاب لردت بذلك أكثر السنن وبطلت بالكلية فما من أحد يحتج عليه بسنة صحيحة تخالف مذهبه ونحلته إلا ويمكنه أن يتشبت بعموم آية أو إطلاقها ويقول هذه السنة مخالفة لهذا العموم والإطلاق فلا تقبل حتى إن الخوارج ردت من الأحاديث الدالة على الشفاعة وخروج أهل الكبائر من الموحدين من النار بما فهموه من ظاهر القرآن وردت كل طائفة ما ردته من السنة بما فهموه من ظاهر القرآن )
ثم عيب عليك يا مصطفى محمود أن تطعن فى تدوين السنة وأن تعلم أو لا تعلم أن الرسول لما نهى عند تدوين السنة فى عصره كان ذلك للحفاظ على القرآن وعدم اختلاط المكتوب من كلام الله بالمكتوب من كلام رسول الله كما أن الصحابة كانوا يحفظون السنة ويتناقلوها فيما بينهم لا يفرقون بين العمل بمقتضى القرآن أو السنة ثم لما مات أكثرهم انكب التابعون وتابعوهم على جمع كلام الرسول خشية ذهابه فلا تشوش على دينك بجهلك ولا تقف ما ليس لك به علم وارجع إلى قسم الحديث فى جامعة الأزهر ليعلموك ويزيلوا أميتك فى علم مصطلح الحديث "
بالقطع هذا الكلام بعيد عن النقد العلمى فالمفترض هو مناقشة الروايات وأقوال مصطفى فيها للرد عليها وليس لتعليمه أصول علم الحديث فهذا كلام ليس نقدا ولا علما وقد أظهر ابن حجر في فتح البارى الكثير من تناقضات وتعارضات أحاديث البخارى وغيره ومنه قوله :
"ويستفاد منه ومن الحديث علي المتقدم ومن قصة أبي شاه أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن في كتابة الحديث عنه وهو يعارض حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا تكتبوا عني شيئا غير القرآن"
وقوله
"قوله بالهاجرة ظاهره يعارض حديث الإبراد لأن قوله كان يفعل يشعر بالكثرة والدوام عرفا"
وقوله:
"ولما أخرجه أبو داود وغيره من حديث علي أنه قال لناس من أشجع أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أهدي له رجل حمار وحش وهو محرم فأبى أن يأكله قالوا نعم لكن يعارض هذا الظاهر ما أخرجه مسلم أيضا من حديث طلحة أنه أهدي له لحم طير وهو محرم فوقف من أكله وقال أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وحديث أبي قتادة المذكور في الباب قبله وحديث عمير بن سلمة أن البهزي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم ظبيا وهو محرم فأمر أبا بكر أن يقسمه بين الرفاق أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه بن خزيمة وغيره"
وقوله:
"كأنه أشار إلى ما أخرجه أبو داود وغيره من طريق عبد الرحمن بن أبي ليلى عن رجل من الصحابة قال نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الحجامة والمواصلة ولم يحرمهما إبقاء على أصحابه وإسناده صحيح كما تقدم التنبيه عليه في باب الحجامة للصائم وهو يعارض حديث أبي ذر المذكور قبل قوله وما يكره من التعمق"
وقوله"
"وسيأتي في آخر غزوة تبوك قوله فلحقنا سعد بن عبادة قائل ذلك هو أبو حميد قوله فقال أبا أسيد هو منادى حذف منه حرف النداء قوله ألم تر أن الله في رواية الكشميهني ألم تر أن رسول الله وهو أوجه قوله خير الأنصار أي فضل بين الأنصار بعضها على بعض قوله خير بضم أوله وكذا قوله فجعلنا قوله أو ليس بحسبكم بإسكان السين المهملة أي كافيكم وهذا يعارض ظاهر رواية مسلم المتقدمة"
وقوله:
"قوله فلما بلغ المؤذن حي على الصلاة فأمره كذا فيه وكأن هنا حذفا تقديره أراد أن يقولها فأمره ويؤيده رواية بن علية إذا قلت أشهد أن محمدا رسول الله فلا تقل حى على الصلاة وبوب عليه بن خزيمة وتبعه بن حبان ثم المحب الطبري حذف حي على الصلاة في يوم المطر وكأنه نظر إلى المعنى لأن حي على الصلاة والصلاة في الرحال وصلوا في بيوتكم يناقض ذلك"
ثم قال :
"سادسا : أذكر مصطفى محمود بما أغفله تعمدا أو جهلا لأقوال الأئمة الأعلام الذين شرفهم الله بالدفاع عن الإسلام ضد الخوارج المارقين الذين قال فيهم سيد الأنبياء والمرسلين : ( يمرقون من الدين مروق السهم من الرمية يقتلون أهل الإسلام ويدعون أهل الأوثان لئن أنا أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد) [ أخرجه البخارى]
أذكر فضيلته ببعض ما كان يجب أن يرجع إليه قبل أول مقال قال الآمدى فى غاية المرام فى علم الكلام 2/309 : ( وأما إنكار الشفاعة للمذنبين والعصاة من المسلمين فذلك إنما هو فرع مذهب أهل الضلال في القول بوجوب الثواب ولزوم العقاب على الله تعالى وقد بينا ما في ذلك من الخلل وأوضحنا ما فيه من الزلل فإن الثواب من الله تعالى ليس إلا بفضله والعقاب ليس إلا بعدله )
وقال ابن أبى العز الحنفى فى شرحه للعقيدة الطحاوية ص258 : ( النوع الثامن شفاعته في أهل الكبائر من أمته ممن يدخل النار فيخرجون منها وقد تواترت بهذا النوع الأحاديث وقد خفي علم ذلك على الخوارج والمعتزلة فخالفوا في ذلك جهلا منهم بصحة الأحاديث وعنادا ممن علم ذلك واستمر على بدعته )
وهذا نص كلام شيخ الإسلام ابن تيمية الذى زعمت زورا أنه يوافقك الرأى فى نفى الشفاعة فى عصاة الأمة حيث قال عن رسول الله : ( وله من الفضائل التى ميزه الله بها على سائر النبيين ما يضيق هذا الموضع عن بسطه ومن ذلك المقام المحمود الذى يغبطه به الأولون والآخرون وأحاديث الشفاعة كثيرة متواترة منها فى الصحيحين أحاديث متعددة وفى السنن والمساند مما يكثر عدده وأما الوعيدية من الخوارج والمعتزلة فزعموا أن الشفاعة إنما هى للمؤمنين خاصة فى رفع بعض الدرجات وبعضهم أنكر الشفاعة مطلقا ) انظر مجموع فتاوى ابن تيمية 1/314
وقال فى موضع آخر : ( فمن أنكر شفاعة نبينا فى أهل الكبائر فهو مبتدع ضال كما ينكرها الخوارج والمعتزلة ومن قال إن مخلوقا يشفع عند الله بغير إذنه فقد خالف إجماع المسلمين ونصوص القرآن ) السابق 27/341
وهذا أيضا كلام تلميذه ابن القيم حيث قال فى كتابه طريق الهجرتين 1/568 : ( رد الخوارج والمعتزلة النصوص المتواترة الدالة على خروج أهل الكبائر من النار بالشفاعة وكذبوا بها وقالوا لا سبيل لمن دخل النار إلى الخروج منها بالشفاعة ولا غيرها ولما بهرتهم نصوص الشفاعة وصاح بهم أهل السنة وأئمة الإسلام من كل قطر وجانب ورموهم بسهام الرد عليهم أحالوا بالشفاعة على زيادة الثواب فقط لا على الخروج من النار فردوا السنة المتواترة قطعا وصاروا مضغة في أفواه الأمة وعارا في فرقها فإن أمر الشفاعة أظهر عند الأمة من أن يقبل شكا أو نزاعا ولكن إنما أتى القوم لأنهم في غاية البعد عما جاء به الرسول أجانب عنه ليسوا من الورثة وأما الخوارج فكذبوا الصحابة صريحا وأما المرجئة فإنهم يجوزون أن لا يدخل النار أحد من أهل التوحيد وهذا بخلاف المعلوم المتواتر من نصوص السنة بدخول بعض أهل الكبائر النار ثم خروجهم منها بالشفاعة ) ويمكن لمصطفى محمود أن يرجع إلى هذه المواضع من كتب التراث : البيهقى فى شعب الإيمان 1/281 والتحفة العراقية ضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية 10/7 وكتابه التصوف والسلوك 11/661 وكتاب الروح لابن القيم 1/135 ويمكن لمصطفى محمود أن يستقصى على الكمبيوتر فى المكتبة الألفية للسنة النبوية ألاف المواضع فى إثبات الشفاعة والرد على المعتزلة والخوارج ولو أراد أن يرى بعينه لأريناه "
وكل ما نقله المؤلف كلام عام لا يناقش أى أدلة لا من القرآن ولا من الأحاديث
وكما سبق ما نسب للنبى(ص) من إخراج الناس من النار هو كذب محض فلا يوجد دليل واحد من القرآن يقول بدخول بعض المسلمين النار ولا دليل واحد على خروج هذا البعض منها والآية الوحيدة والتى يمكن فهمها خطأ تقول بدخول كل الناس بما فيهم الرسول الخاتم والرسل الآخرين (ص) النار هى قوله تعالى :
" وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا"
والخطاب في الآية للكفار وليس لكل الناس وإلا كان كل الناس لابد من دخولهم النار مسلمين وكفار وهم ما يتعارض مع قوله تعالى :
"وهم من فزع يومئذ آمنون"
ثم قال :
سابعا : من خلال العلاقة الحميمة بين سيادته وأعلام الصوفية أذكره بأنه خالف بقوله إجماعهم وضيع بمقالته آمالهم فمنع شفاعة الحبيب لهم وياللحسرة التى حلت بهم قال الكلاباذى فى معتقد شيوخ الصوفية الأوائل فى كتابه التعرف لمذهب أهل التصوف ص54 : ( قولهم في الشفاعة أجمعوا على الاقرار بجملة ما ذكر الله تعالى في كتابه وجاءت به الروايات عن النبي في الشفاعة ) "
منطق الرجل غريب فمن يستدل بهم من الصوفية كا أهل الحديث الذين استدل بهم كالبخارى فهم بشر وليسوا الله رب العالمين والخطأ جائز منهم ومن غيرهم فإن نفى الخطأ عنهم فقد جعلهم أربابا وجعل لهم عصمة من الخطأ ليست لأحد من الناس
ثم قال :
"ثامنا : قول فضيلته : ( والقرآن هو الكتاب الوحيد الذى تولى رب العالمين حفظه بنفسه من أى تحريف وقال فى كتابه المحكم { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } ولم يقل لنا رب العالمين أنه حفظ كتاب البخارى أو غيره من كتب السيرة )
ما أوجهه للدفاع عن سنة صاحب المقام المحمود إلى مصطفى محمود مصطفى محمود وغيره من المنكرين والمشككين فى قواعد الدين بحسن النية طبعا أن القول بالاكتفاء بالقرآن فقط ورد السنة بأسرها قول باطل بالضرورة العقلية لأنه هدم للدين من أساسه وبرهان ذلك أن الله أمر فى القرآن بالصلاة والزكاة فى مواضع كثيرة منها : { إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم }
ومعلوم أنه لم يرد فى القرآن تفصيل لكيفية الصلاة وأعدادها المقبولة عند الله أو المقدار المحدد فى الزكاة سواء زكاة المال أو الزروع أو عروض التجارة فلا بد من الأخذ بالسنة لبيان الأحكام وهذه المسألة لا يقدر أحد على النزاع فيها كما قال فى آخر مقال : (ليس إنكارا للسنة ) "
,اما الصلاة فموجودة في القرآن وهى مخالفة تماما للمعروف عند الناس والزكاة فيها استنباط من القرآن أنها نصف الربح وأما روايات الزكاة وحتى الصلاة في كتب السنة فمتناقضة فهناك أحاديث الخمس وهناك أحاديث فرض صلاتين مثل " صلوا كذا في حين كذا وصلوا كذا في حين كذا " وحديث من صلى البردين دخل الجنة "وكل الأحاديث موجودة في كتب البخارى ومسلم وهى تثبت عدم صحة الكثير من تلك الروايات لتناقضها مع كتاب الله الذى أثبت صلاتين الفجر والعشاء فقط
وكما سبق القول لابد من محاكمة الروايات للقرآن فمن اتفق معه فهو الصحيح وما عارضه فلم يقله النبى(ص) ولو اتفق الناس على صحته وأما أن نصدق الكل فهذا هو الجنون الذى يجعل الكفار ينقدون الإسلام ويتهمونه بالتناقض
ثم قال :
"لكن المحك أن مصطفى محمود مصطفى محمود ادعى أن القرآن هو المحفوظ فقط أما سنة الحبيب محمد التى جمعها البخارى أمير المؤمنين فى الحديث أو غيره بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة فليس هذا هو الضابط المعتمد عند سيادة والسؤال الآن الذى يتوجه لفضيلته : على أى ضابط نعرف الصحيح من صحيح البخارى ونحكم على الضعيف كما حكمت ؟ هل عقلك هو الفاصل أو عقل مشتهرى الذى شكك فى قواعد السنة أيضا على صفحات مجلة الجيل ؟ أو ما يراه غيركما من أمثالكما ؟ حاول أنت أولا أن تضع الضوابط المنطقية والقواعد الأساسية لفرز السنة دون أن ترجع فى حديث واحد إلى علماء الحديث فهؤلاء كما قدمت كتاب سير ولا عبرة بقواعدهم عندكم جرب أنت وغيرك ممن هو على منهجك فإن اتفقتم على الأحاديت التى يجب أن تدين بها الأمة فنحن وجميع العقلاء معكم ؟ أو اكتبوا لنا سنة جديدة نفهم بها القرآن بدلا من سنة الحبيب وتذكروا بعد ذلك أنكم ستدعون الناس إلى سنتكم لا سنة محمد ويكفى أن أذكرك بما قاله أبو طالب المكى وإن كان من الصوفية : ( فإنا قوم متبعون نقفوا الأثر غير مبتدعين بالرأى والمعقول نرد به الخير وفى رد أخبار الصفات بطلان شرائع الإسلام من قبل أن الناقلين إلينا ذلك هم ناقلوا شرائع الدين وأحكام الإيمان فإن كانوا عدولا فيما نقلوه من الشريعة فالعدل مقبول القول فى كل ما نقلوه وإن كانوا كذبوا فيما نقلوا من إخبار الصفات فالكذب مردود القول فى كل ما جاءوا به ) قوت القلوب 2/124
وأقول لمصطفى محمود : حفظ دين الإسلام ليس فى حفظ القرآن فقط كما أكدت فى كلامك بل هو قائم على أمرين لازمين تكفل الله بهما :
الأمر الأول : حفظ دستور الإسلام على الدوام من جهتين الجهة الأولى حفظ القرآن بإعجاز تركيبه وبلاغة كلماته كنظم معجز يتحدى العالم أجمع والجهة الثانية حفظ السنة التى تميزت فيها الأمة الإسلامية عن غيرها فى براعة نادرة بالأسانيد ووضع قواعدها التى تميز بين المقبول والمردود أو الصحيح والضعيف مما نسب إلى رسول الله وهو ما عرف بعلم مصطلح الحديث والذى ظهر من مقالة سيادة مدى ضعفه الشديد وبضاعته المزجاه فى هذا العلم "
وهذا الكلام عن حفظ السنة هو ضرب من الخبل ويبدو أن الرجل لم يقرأ كتب الحديث حيث يجد أبواب الكتاب المتناقضة خلف بعضها مثل حرمة الشرب وقوفا وإباحة الشرب وقوفا ومثل باب وضع اليدين على الركبتين وباب عدم وضع اليدين على الركبتين
حفظ السنة له طريق واحد وهو عرضها على القرآن لبيان صحة الحديث من بطلانه وإلا سنظل نصدق القول وعكسه وسنظل أضحوكة لكل الأمم
أقول هذا رغم إيمانى بوجود كتابين لله القرآن وتفسيره الإلهى الذكر الذى يفسر القرآن المنزل كما قال تعالى :
"وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم"
وكلاهما محفوظ في كعبة الله الحقيقية وهى ليست الكعبة الحالية
ثم قال :
تاسعا : قول سيادة : ( وقرأنا فى أكثر من كتاب من كتب السيرة أن النبى عليه الصلاة والسلام مات ودرعه مرهونة عند يهودى وهو كذب وافتراء لا يعقل فما حكاية هذه الدرع المرهونة عند يهودى إلا أن تكون إسرائيليات مدسوسة ) أقول اتقى الله : { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } فحديث الدرع لم يرده فى تاريخ الإسلام من المنتسبين لأهل السنة إلا أنت وهو حديث صحيح أخرجه البخارى برقم (4467) عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( توفي النبي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين ) تعنى ثلاثين صاعا من شعير لأهله وأخرجه عن ابن عباس الترمذى برقم (1214) والنسائى برقم (4651) وابن ماجة برقم (2483) وأحمد عن أسماء بنت يزيد برقم (27040)
ولو أردت المزيد فارجع إلى كتب السنة لا إلى كتب السير فهل يصدق العقلاء من القراء أن هؤلاء جميعا نقلوا بالسند الصحيح ما هو مكذوب على رسول الله وفات جميع المسلمين من العامة والمتخصصين على طول الأيام والسنين ما توصل إليه مصطفى محمود فى حديث الدرع ؟"
والحديث مردود بالفعل فلا يمكن أن يكون الرسول(ص) مديونا ليهودى وأغنياء المسلمين موجودين حوله كعثمان كما تحكى الأحاديث أم أنه سيستخسر المال في والد زوجتيه أو أن عبد الرحمن بن عوف لن يسلفه إنه كلام غير منطقى كما أنه ليس منطقيا أن يستدين الرسول(ص) وقد جعل الله راتب من الزكاة باعتبار المشرف على العاملين عليها وله سهم من الغنيمة ومن الفىء
وقال :
"عاشرا : نظرا لعامية الصحافة وانشغالها بأحزابها ظن أصحابها أن الكلام فى أصول الدين كالكلام عن سائر الأخبار أو التهاون فى نقلها ففتحوا الصحافة بأبوابها لكل ما يثير قراءها ويسحب من السوق أعدادها فتكلم على صفحاتها كثير من غير المتخصصين وأظهروا للجميع بمقالاتهم أنهم من الجاهلين بأصول الدين وقواعده ولم يعلم هؤلاء الكتاب أن الأمر سيكون من حيث لا يشعرون عليهم لا لهم وأن طبيعة القرآن والسنة كالماء الذى يبقى بعد زوال الخبث من فوقه وكالذهب إذا سعى أحد لخدشه ازداد بريقا ولمعانا هكذا ضرب الله مثلا للقرآن والسنة فقال سبحانه وتعالى : { أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها فاحتمل السيل زبدا رابيا ومما يوقدون عليه في النار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله كذلك يضرب الله الحق والباطل } "
وهذا الكلام وهو احتكار تفسير كلام الله للدراسين في مدرسة ما هو من ضمن الخبل فعلى حد قول القرآن العلماء هم من تعلموا في مدرسة النبوة وليس في الأزهر أو في الحوزة أو القرويين أو غيرهم أم عندكم نص يقول أنكم وحدكم القائمون بتفسير الدين وهو حرام على غيركم ؟
وطلب المؤلف في نهاية كتابه الشفاعة لمصطفى محمود وهو قوله:
"وأقول فى نهاية الأمر سامحك الله يامصطفى محمود فقد شغلت سائر المسلمين وشغلتنا بما خالفت فيه علماءنا وهو متفق عليه فى ديننا واستنفذت جهدنا وعطلتنا من كثرة القيل والقال بيننا ولو أنك بذلت جهدك فى برنامج العلم والإيمان لأسعدتنا وأرحتنا فقد عهدنا فيك الإيمان بالتخصص والتحقيق والنظر فى الأمور العلمية بفهم دقيق ولك من المحاسن ما يثبت للمسلم الإيمان العميق فهلا تبت إلى الله قبل اليوم الموعود ورجعت إلى ما وضعه المحدثون من الضوابط والقيود واتبعت صاحب المقام المحمود فاللهم شفعه فى مصطفى محمود"
وبالقطع الفهم الخاطىء لمعنى الشفاعة وهو المناصرة التى تخرج من النار للجنة بينما هى شهادة الحق في حق المسلمين جميعا والتى لا تخرج من نار ولا تدخل جنة لأن الحاكم وهو الله عليم بكل شىء وهو غير محتاج لشىء من الاثباتات ولكنه يثبت عدالته للكل بكل الوسائل في الآخرة حتى لا يكون لأى أحد حجة على الله
أمس في 9:43 pm من طرف رضا البطاوى
» قراءة فى قصة طفولية المسيح عيسى(ص)
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:11 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى بحث خطأ في فهم مراد الفضيل بن عياض بخصوص ترك العمل لأجل الناس
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 9:36 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى قصة هاروت وماروت
الإثنين نوفمبر 18, 2024 9:33 pm من طرف رضا البطاوى
» أكذوبة سرقة قصة إنقاذ إبراهيم من نار نمرود
الأحد نوفمبر 17, 2024 9:39 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات في مقال السرقة المزعومة لسورة مريم
السبت نوفمبر 16, 2024 9:51 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى كتاب زواج موسى ولماذا تزوج داود وسليمان كل هؤلاء النسوة؟
الجمعة نوفمبر 15, 2024 9:18 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات في مقال كيف يقوم المخ بالحكم الأخلاقى على الأشياء؟
الخميس نوفمبر 14, 2024 9:31 pm من طرف رضا البطاوى
» نقد كتاب إبطال ما استدلّ به لإمامة أبي بكر
الأربعاء نوفمبر 13, 2024 8:56 pm من طرف رضا البطاوى