قراءة فى كتاب أحكام هبة الأولاد
المؤلف عبد المحسن بن محمد المنيف وقد استهل الكتاب بالحديث عن تعريف الهبة فقال :
"في التعريف بالهبة
المطلب الأول تعريف الهبة
الهبة في اللغة وهب له شيئا يهب وهبا ..والهبة العطية الخالية عن الأعواض والأغراض فإذا كثرت سمي صاحبها وهابا وهو من أبنية المبالغة...والهبة اصطلاحا اختلفت عبارات الفقهاء في تعريفها وقد اقتصرت على تعريف واحد لكل مذهب من المذاهب الأربعة
1 - تعريف الحنفية تمليك العين مجانا أي بلا عوض
2 - تعريف المالكية تمليك ذي منفعة لوجه المعطي لغير عوض
وبيان محترزات التعريف على النحو التالي فأخرج بقوله ذي منفعة العارية ونحوها وقوله لوجه المعطي أخرج الصدقة؛ فإنها لوجه الله فقط وأخرج بقوله بغير عوض هبة الثواب
3 - تعريف الشافعية التمليك لعين بلا عوض في حال الحياة تطوعا
وبيان محترزات التعريف على النحو التالي فخرج بالتمليك العارية والضيافة والوقف وبالعين الدين والمنفعة وبنفي العوض ما فيه عوض كالبيع وبالحياة الوصية؛ لأن التمليك فيها إنما يتم بالقبول وهو بعد الموت وبالتطوع الواجب من زكاة وكفارة ونحوها
4 - تعريف الحنابلة التبرع من جائز التصرف بتمليك ماله المعلوم الموجود في حياته غيره بما يعد هبة عرفا ...
وفي النظر في هذه التعاريف أجد ما يأتي
1 - أن تعريف الحنفية تعريف جامع لكنه غير مانع حيث يدخل فيه الوصية والصدقة
2 - أن تعريف المالكية تعريف جامع لكنه غير مانع حيث يدخل فيه ... الوصية
3 - أن تعريف الشافعية تعريف جامع لكنه غير مانع حيث يدخل فيه صدقة التطوع
4 - أن تعريف الحنابلة تعريف جامع ومانع لكن يرد عليه ذكر الهبة في التعريف وهذا دور ولعل الذي دعا الحنابلة إلى ذلك هو إخراج الصدقة ليصدق على التعريف بأنه مانع وبهذا ظهر لي أن تعريف الحنابلة هو التعريف المختار "
إذا اختار الرجل تعريف الحنابلة لكونه جامع مانع كما ظن وهو تعريف اصطلاحى وهو ما يخالف كون الهبة فى القرآن عطية من العاطى حسب ما أراد فى قضائه وهى لا تقتصر على المال فقد تكون أولادا كما قال " يهب لمن يشاء ذكورا" وقد تكون ملكا كما فى قوله" هب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى"
وحدثنا عن الألفاظ التى تستخدم لبيان معنى الهبة والفروق بينها فقال:
المطلب الثاني الألفاظ المرادفة للهبة
وجملة ذلك أن الهبة والصدقة والهدية والعطية معانيها متقاربة واسم العطية شامل لجميعها
والفرق بين الهدية والصدقة أن من أعطى شيئا ينوي به التقرب إلى الله تعالى للمحتاج فهو صدقة وإن حملت إلى المهدى إليه إكراما وتوددا فهو هدية ويدل على هذا حديث أبي هريرة قال كان رسول الله (ص)إذا أتي بطعام سأل عنه أهدية أو صدقة؟ فإن قيل صدقة قال لأصحابه كلوا ولم يأكل وإن قيل هدية ضرب بيده فأكل معهم...ويطلق أيضا على العطية والهبة بأنها نحلة تقول نحلت أي أعطيت والنحلة العطية بغير عوض والنحل الشيء المنحول
وأما قوله تعالى"آتوا بنساء صدقاتهن نحلة "فقد اختلف المفسرون في معنى النحلة على أربعة أقوال وهذا ملخصها
القول الأول إن معناها الفريضة القول الثاني إن معناها الهبة والعطية
القول الثالث إن معناها العطية بطيب نفس القول الرابع إن معناها الديانة "
ثم تحدث عن حكم الهبة فقال :
"المطلب الثالث حكم الهبة
الهبة مندوب إليها ...وقد دل على مشروعيتها الكتاب والسنة والإجماع
أما الكتاب فقوله تعالى فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ...وأما السنة فكثيرة من ذلك حديث أبي هريرة عن النبي (ص)قال (يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن ... شاة)
وأما الإجماع فقد انعقد الإجماع على مشروعية الهبة وقد حكى الإجماع عدد من العلماء المطلب الرابع متى تلزم الهبة"
والهبة ليس حكمها مندوب إليه بل بعض منها واجب فرض تحت مسمى الوصية كهبة الأطفال الضعاف وهم الصغار مال زائد على ميراثهم لمساواتهم بإخوتهم الكبار الذين أنفق عليهم حتى كبروا وعملوا وفى هذا قال تعالى :
"وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا"
وحدثنا عن وقت لزوم الهبة فقال :
اختلف العلماء في متى تلزم الهبة على قولين
القول الأول تلزم بالقبض وهو مروي عن أبي بكر الصديق وعمر ابن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عباس واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول عن عائشة زوج النبي (ص)أنها قالت إن أبا بكر الصديق كان نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة فلما حضرته الوفاة قال (وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك وإنما هو اليوم مال وارث)
الدليل الثاني عن عبد الرحمن بن عبد القاري أن عمر بن الخطاب قال (ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا ثم يمسكونها..) •
الدليل الثالث عن معمر عن عثمان في رجل وهب لآخر هبة فقبضها ثم رجع فيها الواهب قال الموهوب له (هي للموهوب له حتى يقبضها كما قبضت منه)
وجه الاستدلال هذه الآثار الثلاثة عن الخلفاء الثلاثة تدل على أنهم يرون أن الهبة لا تلزم إلا بالقبض
الدليل الرابع أن الهبة عقد تبرع فلو لزمت بدون القبض لثبت للموهوب له ولاية مطالبة الواهب بالتسليم فتصير عقد ضمان وهذا تغيير المشروع
الدليل الخامس أنها هبة غير مقبوضة فلم تلزم كما لو مات قبل أن يقبض
القول الثاني أن الهبة تلزم بالعقد وهو مروي عن عبد الله بن مسعود .. واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول عن عبد الله بن عباس قال قال النبي (ص)(العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه)
الدليل الثاني أنه إزالة ملك بغير عوض فلزم بمجرد العقد كالوقف والعتق
الدليل الثالث أن الهبة عقد لازم ينقل الملك فلم يقف لزومه على القبض كالبيع
المناقشة والترجيح بعد النظر في أدلة القولين أجد ما يأتي
أولا أن أصحاب القول الأول قد استدلوا بالآثار المروية عن الخلفاء الراشدين..وهي صريحة بأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض
ثانيا أن أصحاب القول الأول قد عللوا ذلك أن الهبة عقد تبرع وهذا تعليل وجيه
ثالثا أن أصحاب القول الأول قد عللوا ذلك أن الموهوب له لو مات قبل أن يقبضها لا تكون داخلة في التركة فكذا إذا لم يمت وهذا تعليل وجيه
رابعا أن أصحاب القول الثاني قد استدلوا بحديث ابن عباس لكن هذا الحديث محمول على الهبة المقبوضة •
خامسا أن أصحاب القول الثاني قد استدلوا بالقياس على الوقف والعتق بجامع إزالة الملك وهذا قياس مع الفارق..
سادسا أن أصحاب القول الثاني قد استدلوا بالقياس على البيع بجامع إزالة ملك وهذا قياس مع الفارق؛ لأن البيع من عقود المعاوضات والهبة من عقود التبرعات
وبهذا ظهر لي رجحان ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أن الهبة لا تلزم إلا بالقبض "
وكل هذا الكلام لا قيمة له مع وجود كتاب الله الذى أوجب أن تكون الهبة وهى الوصية وصية حق وليست ظلم فالمسألة ليست قبض أو عدم قبض وإنما المسألة حق أو باطل فإن كانت حقا فقد وجبت قبضت أو لم تقبض كما قال تعالى مانعا من الشهادة على الظلم فى الوصية :
"فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه "
وتحدث عن أركتان الهبة وشروطها فقال :
"المطلب الخامس أركان الهبة وشروطها
أركان الهبة أربعة عند الجمهور الواهب والموهوب له والموهوب والصيغة
وأما شروط الهبة فتتلخص في الآتي
الشرط الأول أن يكون الواهب جائز التصرف وهو الحر المكلف الرشيد
الشرط الثاني أن تكون الهبة مملوكة للواهب
الشرط الثالث أن يكون الواهب مختارا غير مكره
الشرط الرابع أن يكون الموهوب له أهلا للتمليك
الشرط الخامس أن تكون الهبة معلومة فلا يجوز هبة المجهول
الشرط السادس أن تكون الهبة مقدورة على تسليمها
الشرط السابع أن يكون الشيء الموهوب مما يجوز بيعه
الشرط الثامن أن لا يكون معلقا بماله خطر الوجود والعدم
الشرط التاسع أن يكون محوزا
الشرط العاشر يشترط للزوم الهبة القبض "
وهذه الشروط بعضها يخالف كتاب الله كقولهم أن يكون الموهوب له أهلا للتمليك فالوصية وهى هبة تكون للأطفال الصغار وهم ليسوا أهلا للتمليك حتى يرشدوا وكذلك قولهم يشترط للزوم الهبة القبض فالطفل الصغير لا يمكنه القبض وهو استلام ماله حتى يرشد
وحدثنا عن التسوية بين الأولاد فى الهبة فقال:
"الفصل الأول التسوية في هبة الأولاد
وفيه أربعة مباحث
المبحث الأول حكم التسوية في هبة الأولاد
اختلف العلماء في التسوية في هبة الأولاد على قولين
القول الأول أن التسوية واجبة فإن خص بعضهم بهبة أو فاضل بينهم فهو آثم وهو مروي عن عثمان بن عفان..واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول عن حصين بن عامر قال سمعت النعمان بن بشير وهو على المنبر يقول أعطاني أبي عطية فقالت عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول الله (ص)فأتى رسول الله (ص)فقال إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله (ص)قال (أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟) قال لا قال (فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) قال فرجع فرد عطيته وفي لفظ من طريق الشعبي عن النعمان بن بشير قال أن أمه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهبة من ماله لابنها فالتوى بها سنة ثم بدا له فقالت لا أرضى حتى تشهد النبي (ص)فأخذ بيدي وأنا غلام فأتى بي النبي (ص)فقال إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا قال (ألك ولد سواه؟) قال نعم قال فأراه قال (لا تشهدني على جور)
الدليل الثاني أن تفضيل بعضهم يورث بينهم العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم فمنع منه كتزويج المرأة على عمتها أو خالتها
القول الثاني إن التسوية سنة فإن فضل بعضهم على بعض جاز مع الكراهة ..واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول حديث النعمان بن بشير المتقدم ضمن أدلة أصحاب
القول الأول ومن ألفاظه فقال رسول الله (ص)(فأرجعه) ومنها (فأشهد على هذا غيري) ثم قال (أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟) قال بلى قال (فلا إذا) وفي لفظ (ألا سويت بينهم)
الدليل الثاني أثر عائشة أن أبا بكر نحلها جاد عشرين وسقا
الدليل الثالث أن عمر نحل ابنه عاصما دون سائر ولده
الدليل الرابع أن عبد الرحمن بن عوف فضل بني أم كلثوم بنحل قسمه بين ولده
الدليل الخامس أنها هبة تلزم بموت الأب فكانت جائزة كما لو سوى بينهم
الدليل السادس أن العلماء أجمعوا على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده فإذا جاز أن يخرج جميع ولده عن ماله جاز له أن يخرج عن ذلك بعضهم
هذا
المناقشة والترجيح في النظر في أدلة كل قول وفيما أجاب به أصحاب القول الثاني عن حديث النعمان بن بشير أجد ما يأتي
أولا أن أصحاب القول الأول قد استدلوا بحديث النعمان بن بشير وهو حديث صريح الدلالة على أن التسوية في هبة الأولاد واجبة وأن التفضيل بينهم في الهبة محرم
ثانيا أن أصحاب القول الأول قد استدلوا بقياس التفضيل في الهبة بين الأولاد على حكم الجمع بين المرأة وعمتها بجامع أن كلا منهما يفضي إلى العداوة والبغضاء وهو قياس وجيه
ثالثا أن أصحاب القول الثاني قد استدلوا بحديث النعمان بن بشير من
رابعا أن أصحاب القول الثاني قد استدلوا بعمل الخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر وبعمل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم وهذا استدلال ليس بوجيه وقد أجاب الموفق بن قدامة عن عمل أبي بكر بقوله وقول أبي بكر لا يعارض قول النبي (ص)ولا يحتج به معه ويحتمل أن أبا بكر خصها بعطيته لحاجتها وعجزها عن الكسب والتسبب فيه مع اختصاصها بفضلها وكونها أم المؤمنين زوج رسول الله (ص)وغير ذلك من فضائلها ويحتمل أن يكون قد نحلها ونحل غيرها من ولده أو نحلها وهو يريد أن ينحل غيرها فأدركه الموت قبل ذلك ويتعين حمل حديثه على أحد هذه الوجوه؛ لأن حمله على مثل محل النزاع منهي عنه وأقل أحواله الكراهة والظاهر من حال أبي بكر اجتناب المكروهات •
خامسا أن أصحاب القول الثاني قد عللوا ذلك بلزومها بعد موت الأب وهذا تعليل مخالف للنص •
سادسا أن أصحاب القول الثاني قد استدلوا بالقياس على إخراج جميع ماله عن أولاده وقد أجاب عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني بقوله (ولا يخفى ضعفه؛ لأنه قياس مع وجود النص)
سابعا أن أصحاب القول الثاني قد أجابوا عن حديث النعمان بن بشير بأربعة أجوبة ...
ثامنا أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بما نصه يجب على الوالد أن يسوي بين أولاده في العطية حسب الميراث الشرعي ولا يجوز له تخصيص بعضهم دون بعض لنهي النبي (ص)عن ذلك .."
الأحاديث اختلف أصحاب الأقوال فيها فبعضها يثبت التسوية وبعضها لا يثبت وكلها لا يصح لأن العدل وهو التسوية ليست التسوية فى المقادير عند الهبة فكما سبق القول فى آية الخوف على ضعاف الأولاد وهم الأطفال تختلف المقادير المعطاة فمثلا من تربى وتعلم حتى عمل ليس كمن هو فى التعليم ولم يعمل ومن لم يدخل سن التعلم ليسا كسابقيه فالواهب يحسب ما أنفقه على الكبير فى كل سنة ويقوم باعطاء الصغار حسب سنواتهم فمثلا إذا أنفق على السنة ألفين وهناك طفل فى الرابعة عشر وهناك طفل الخامسة يكون نصيب طفل الخامسة إذا كان الكبير بلغ العشرين 30 ألفا وطفل14 يكون نصيبه12 ألف فهذا من باب العدل وهو عدل يبدو بالمقادير عدلا تاما وهو المطلوب ولكن نتيجة اختلاف الأسعار فى كل عاك قد لا يكون كذلك فالمهم هو إرادة العدالة بغض النظر عن الظروف التى قد تنقص أو تزيد من النفقة
وتحدث عن كيفية التسوية في هبة الأولاد فقال :
"المبحث الثاني كيفية التسوية في هبة الأولاد
اختلف العلماء في كيفية التسوية في هبة الأولاد على قولين
القول الأول التسوية في هبة الأولاد تكون بالقسمة بينهم على حسب قسمة الله تعالى في الميراث؛ للذكر مثل حظ الأنثيين واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول أن الله تعالى قسم بينهم في الإرث فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين
الدليل الثاني أن العطية في الحياة أحد حالي العطية فيجعل للذكر منها مثل حظ الأنثيين
الدليل الثالث أن الذكر أحوج من الأنثى من قبل أنهما إذا تزوجا جميعا فالصداق والنفقة ونفقة الأولاد على الذكر والأنثى لها ذلك فكان أولى بالتفضيل لزيادة حاجته
القول الثاني التسوية في هبة الأولاد تكون بالقسمة بينهم للذكر مثل الأنثى ..واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول حديث النعمان بن بشير وفيه قال (سو بينهم)
الدليل الثاني عن عبد الله بن عباس قال قال رسول الله (ص)(سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مؤثرا لأحد لآثرت النساء على الرجال)
وجه الاستدلال أن الرسول (ص)أمر بالتسوية والتسوية تقتضي المساواة
الدليل الثالث أنها عطية في الحياة فاستوى فيها الذكر والأنثى كالنفقة والكسوة
المناقشة والترجيح في النظر فيما استدل به كل قول أجد ما يأتي
....وبهذا ظهر لي رجحان ما ذهب إليه أصحاب القول الأول في أن التسوية في هبة الأولاد تكون بالقسمة بينهم على حسب قسمة الله تعالى في الميراث؛ للذكر مثل حظ الأنثيين "
وهذا الكلام وهو القسمة حسب الميراث لا دليل عليه وإنما اشترط الله فيها الضعف فقال "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم"
فهى ليست مال ورث لأن الواهب حى ولأنها مقابل نفقة الأكل والشرب والكسوة والتعليم والعلاج وغيرهما من الضروريات فى تلك السنوات التى نالها الكبار ولم يصل لها الصغار وهم الضعاف
وإذا كان الأب قد زوج البعض بماله وجب أن يضع مال فى الهبة لبقية تزويج أولاده الأخرين
وتحدث عن حكم التفضيل في الهبة بين الأولاد لمعنى خاص فقال:
المبحث الثالث حكم التفضيل في الهبة بين الأولاد لمعنى خاص
سبق في المبحث الأول والثاني من هذا الفصل ذكر أقوال العلماء في حكم التسوية بين الأولاد في الهبة وتوصلت إلى أن الراجح هو القول بوجوب التسوية وتحريم التفضيل بينهم وأن الهبة تكون للذكر مثل حظ الأنثيين لكن على القول بالتحريم هل يجوز لمعنى يقتضي تخصيصه؟ مثل اختصاصه بحاجة أو مرض أو كثرة عائلة أو اشتغاله بالعلم أو صرف هبته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها أو لا يجوز؟ وهل تزول الكراهة على القول الثاني أم لا؟ في المسألة خلاف بين العلماء فقد اختلفوا في ذلك على قولين
القول الأول أن ذلك لا يجوز
واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول حديث النعمان بن بشير وفيه (فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)
الدليل الثاني أنهم سواء بالإرث فكذلك في هبته في حياته
القول الثاني أن ذلك يجوز ..واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول أثر عائشة أن أبا بكر نحلها جاد عشرين وسقا
الدليل الثاني أن بعضهم اختص بمعنى يقتضي الهبة فجاز أن يختص بها كما لو اختص بالقرابة "
وقد انتهى المنيف إلى حرمة التفضيل في الهبة بين الأولاد لمعنى يقتضي تخصيصه فقال :
وبهذا ظهر لي رجحان ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أنه لا يجوز التفضيل في الهبة بين الأولاد لمعنى يقتضي تخصيصه "
وهو قول يتناقض مع اختياره الهبة على حكم الميراث لكونها معنى يقتضى التخصيص
وأما التخصيص فقد يجوز بسبب الضعف فمثلا المعوق أو المريض بمرض مزمن ولا يوجد لهما مصدر نفقة أو لا يمكن أن يعملا عملا وظيفيا يجب على من عنده ماله أن يهبهما ما يقدر عليه كى يجدا نفقة طوال حياتهما إن كان لديه مال مع أن نفقتهما واجبة على الاخوة فى حال عدم وجود مال للوالد أو الوالدة
وتحدث عن حكم الهبة التى لم تنفذ فى حالة وفاة الواهب فقال :
المبحث الرابع حكم الهبة التي فيها تفضيل بعد موت الوالد
إذا فاضل بين أولاده أو خص بعضهم بهبته ثم مات قبل أن يسوي بينهم أو يسترد الهبة هل تثبت الهبة بالموت وتلزم أو ترد وتكون ضمن التركة؟ محل خلاف بين العلماء فقد اختلفوا على قولين
القول الأول ثبوت الهبة للموهوب له بالموت ..واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول أثر عائشة وفيه أن أبا بكر قال لها لما حضرته الوفاة (وإني كنت نحلتك جاد عشرين)
الدليل الثاني أنها هبة لولده فلزمت بالموت كما لو انفرد
القول الثاني أن الهبة ترد وتكون ضمن التركة ..واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول حديث النعمان بن بشير وفيه قال ... (لا تشهدني على جور)
وجه الاستدلال أن الرسول (ص)سماه جورا والجور حرام لا يحل للفاعل فعلهولا للمعطي تناوله والموت لا يغيره عن كونه جورا وحراما فيجب رده بعد الموت
الدليل الثاني أن سعد بن عبادة قسم ماله بين أولاده وخرج إلى الشام فمات بها ثم ولد له بعد ذلك ولد فمشى أبو بكر وعمر إلى قيس بن سعد فقالا إن سعدا قسم ماله ولم يدر ما يكون وإنا نرى أن ترد هذه القسمة فقال قيس لم أكن لأغير شيئا صنعه سعد ولكن نصيبي له
المناقشة والترجيح في النظر فيما استدل به لكل قول أحد ما يأتي:
...وبهذا ظهر لي رجحان ما ذهب إليه الأئمة الأربعة من ثبوت الهبة بالموت "
والحكم فى تلك المسألة هو رد الهبة الظالمة حتى وإن كانت عادلة قبل الوفاة بولادة طفل أو أكثر فيأخذ من أموال الموهوب لهم جميعا نصيب مثلهم لمن ولد بعد الهبة أو يلزموا جميعا بالنفقة على أخيهم أو أختهم حتى يكبروا والأعدل هو أخذ النصيب المساوى لهم وإلزامهم بالنفقة إذا انتهى هذا المال قبل كبره
وتحدث عن حكم الرجوع فى الهبة فقال :
الفصل الثاني حكم رجوع الوالدين في هبتهما لأولادهما
المبحث الأول حكم رجوع الوالد في هبته لأولاده
اختلف العلماء في حكم رجوع الوالد في هبته لأولاده على قولين
القول الأول يجوز ذلك ..واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول حديث النعمان بن بشير وفيه فقال رسول الله (ص)(فأرجعه)
وجه الاستدلال أن رسول الله (ص)أمره بالرجوع في هبته مما يدل على جواز رجوع الوالد فيما وهبه لولده
الدليل الثاني عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس عن النبي (ص)قال (لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده)
الدليل الثالث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن نبي الله قال (لا يرجع أحدكم في هبته إلا الوالد من ولده)
الدليل الرابع أن الأب لا يتهم في رجوعه؛ لأنه لا يرجع إلا لضرورة أو لإصلاح الولد
القول الثاني لا يجوز الرجوع ..واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول عن عبد الله بن عباس قال قال النبي (ص)(العائد في هبته كالعائد في قيئه)
الدليل الثاني عن الحسن البصري عن سمرة بن جندب عن النبي (ص)قال (إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها)
الدليل الثالث أنها هبة يحصل بها الأجر من الله تعالى فلم يجز الرجوع فيها كصدقة التطوع
الدليل الرابع أن المقصود بالهبة صلة الرحم وفي الرجوع عنها تورث الوحشة والنفرة فلا يجوز صيانة للرحم عن القطيعة
المناقشة والترجيح في النظر فيما استدل به كل قول أجد ما يأتي
أولا أن أصحاب القول الأول قد استدلوا بحديث النعمان بن بشير وهو حديث صريح الدلالة على وجوب رجوع الوالد فيما وهبه لبعض أولاده دون بعضهم
ثانيا أن أصحاب القول الأول قد استدلوا بما رواه عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وهو استدلال وجيه لصراحتها في جواز رجوع الوالد فيما وهبه لولده
ثالثا أن أصحاب القول الأول قد عللوا ذلك بأن الأب غير متهم في حق ولده وهو تعليل وجيه
رابعا أن أصحاب القول الثاني قد استدلوا بحديث ابن عباس وهو حديث عام يخص منه الوالد لدلالة ما استدل به أصحاب القول الأول ولا تعارض بين العام والخاص
خامسا أن أصحاب القول الثاني قد استدلوا بحديث سمرة بن جندب وهو حديث ضعيف
سادسا أن أصحاب القول الثاني قد استدلوا على ذلك بالقياس على صدقة التطوع وهذا قياس مخالف للنص
سابعا أن أصحاب القول الثاني قد عللوا ذلك أن الرجوع في الهبة يورث الوحشة والنفرة وهو تعليل مخالف للنص وبهذا ظهر لي رجحان ما ذهب إليه جمهور العلماء من جواز رجوع الوالد فيما وهبه لولده والله أعلم •
المبحث الثاني حكم رجوع الأم في هبتها لأولادها
...الراجح هو ما ذهب إليه جمهور العلماء في هذه المسألة وهو جواز رجوع الوالد فيما وهبه لأولاده لكن هل الأم تلحق بالأب في هذا الحكم أم لا؟
هذا ما أبحثه في هذا المبحث وقد اختلف العلماء في ذلك على قولين
القول الأول أن الأم تلحق بالأب في جواز الرجوع في الهبة لأولادها ..واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول قال الله تعالى كما أخرج أبويكم من الجنة
وجه الاستدلال أن الله عز وجل سمى الجد والجدة أبوين والأم والدة تقع على الجنس وهي فيه اسم الوالد فتدخل في عموم قوله (ص) (لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده)
الدليل الثاني أن الأم داخلة في قول النبي (ص)(اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)
الدليل الثالث أنها لما ساوت الأب في تحريم تفضيل بعض ولدها ينبغي أن تساويه في التمكن من الرجوع فيما فضله به تخليصا لها من الإثم وإزالة للتفضيل المحرم كالأب
القول الثاني أن الأم لا تلحق بالأب فلا يجوز لها الرجوع في هبتها لأولادها وإليه ذهب الحنابلة
واستدلوا على ذلك بأن الرسول (ص)خص الوالد في أنه يرجع في هبته لولده في قوله (ص) (لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده) وهو بإطلاقه إنما يتناول الأب دون الأم والفرق بينهما أن للأب ولاية على ولده ويحوز جميع المال في الميراث والأم بخلاف ذلك
المناقشة والترجيح في النظر فيما استدل به لكل قول أجد ما يأتي
أولا أن أصحاب القول الأول قد استدلوا بالآية الكريمة التي سمى الله فيها الجد والجدة أبوين وهو دليل صريح على دخول الأم في لفظ الوالد
ثانيا أن أصحاب القول الأول قد عللوا بأن الأم تدخل في تحريم تفضيل أحد أولادها في عطية فكذلك تدخل في جواز رجوعها في عطية أحد أولادها وهو تعليل وجيه
ثالثا أن أصحاب القول الثاني قد عللوا بأن الأم لا تدخل في لفظ الوالد لوجود الفرق بينهما في أن الأب له ولاية على ولده ويحوز جميع المال في الميراث بخلاف الأم وهذا تعليل فيه نظر؛ وذلك أن الأم تأخذ حكم الأب في تحريم التفضيل ووجوب رجوع العطية التي فضل بها أحد الأولاد فكذلك تأخذ حكمه فيما شابه ذلك وهو جواز الرجوع في العطية؛ لأن بابهما واحد بخلاف الولاية على ولده وحوز جميع المال"
بالقطع الهبة من الوالدين إذا كانت بالعدل وقبضها الأولاد وأنفقوها فلا مجال للرجوع فيها وأما إذا كانت باقية وأراد الوالد أو الوالدة استعادتها لحاجتهما لها فلهما ذلك وأما إذا كان الواهب غير محتاج فلا رجوع لها فالشرط فى الرجوع هو الحاجة
وتحدث عن شروط الرجوع فقال :
"المبحث الثالث بيان الشروط التي تشترط لجواز الرجوع
...وهذا المبحث خصصته في ذكر هذه الشروط التي ذكرها جمهور العلماء الذين ذهبوا إلى جواز الرجوع في الهبة للوالد فيما وهبه لأولاده وإليك بيانها
الشرط الأول أن تكون باقية في ملك الولد فإن خرجت عن ملكه ببيع أو هبة أو وقف أو غير ذلك لم يكن له الرجوع فيها؛ لأنها أصبحت في ملك غير ولده
الشرط الثاني أن تكون العين الموهوبة باقية في تصرف الولد بحيث يملك التصرف في وقتها فإن استولد الأمة لم يملك الأب الرجوع فيها وكذلك إذا رهن الولد العين أو أفلس الولد وحجر عليه لم يملك الأب الرجوع؛ لأن في ذلك إبطالا لحق غير الولد "
وهذا الشرط وذكر استيلاد الأمة هو من ضمن الحرام فلا يجوز وطء ملك اليمين بلا زواج لقوله تعالى :
" فانكحوهن بإذن أهلهن وأتوهن أجورهن بالمعروف"
ثم قال :
"الشرط الثالث أن لا يتعلق بها رغبة لغير الولد فإن تعلقت بها رغبة لغيره مثل أن يهب ولده شيئا فيرغب الناس في معاملته وأدانوه ديونا أو رغبوا في مناكحته فزوجوه إن كان ذكرا أو تزوجت الأنثى لذلك فقد اختلف العلماء في حكم الرجوع على قولين
القول الأول ليس له الرجوع ..وقد عللوا ذلك بتعليلين
التعليل الأول أنه تعلق به حق غير الولد ففي الرجوع إبطال حقه وقد قال (ص) (لا ضرر ولا ضرر) وفي الرجوع ضرر
التعليل الثاني أن في الرجوع تحيلا على إلحاق الضرر بالمسلمين ولا يجوز التحيل على ذلك
القول الثاني أن له حق الرجوع وهذا القول رواية عن الإمام أحمد ودليل هذا القول أن حق المتزوج والغريم لم يتعلق بعين هذا المال فلم يمنع الرجوع منه
المناقشة والترجيح في النظر فيما استدل به لكل قول أجد ما يأتي
أولا أن أصحاب القول الأول قد عللوا ذلك أن في الرجوع يتعدى ضرره إلى غير الولد وهو تعليل وجيه
ثانيا أن أصحاب القول الأول قد عللوا ذلك أن ذلك فيه تحيل على إلحاق الضرر بالمسلمين وهذا تعليل وجيه
ثالثا أن أصحاب القول الثاني قد عللوا أن التعلق لم يكن بالعين وهذا تعليل غير وجيه؛ لأن هذا القول فيه إبقاء الضرر على غير الولد والضرر قد نفاه الرسول (ص)بقوله (لا ضرر ولا ضرار) وهو الذي بنى عليه أصحاب القول الأول تعليلهم الأول
وبهذا ظهر لي رجحان اشتراط هذا الشرط وهو أن لا يتعلق بها رغبة لغير الولد والله أعلم
الشرط الرابع أن لا تزيد زيادة متصلة كالسمن والكبر وتعلم صنعة وقد اختلف العلماء في اشتراط هذا الشرط على قولين
القول الأول عدم اشتراطه ..وعللوا ذلك على أنها زيادة في الموهوب فلم تمنع الرجوع كالزيادة قبل القبض والزيادة المنفصلة
القول الثاني أن ذلك شرط فلا يجوز الرجوع في الهبة إذا ازدادت زيادة متصلة ..وعللوا ذلك أن الزيادة للموهوب له؛ لكونها نماء ملكه ولم تنتقل إليه من جهة أبيه فلم يملك الرجوع فيها كالمنفصلة وإذا امتنع الرجوع فيها امتنع الرجوع في الأصل
المناقشة والترجيح في النظر فيما استدل به كل قول أجد ما يأتي
أولا أن أصحاب القول الأول قد عللوا ذلك بأنها زيادة في الموهوب فتتبعه؛ لأنه لا يمكن انفصالها وهذا تعليل وجيه
ثانيا أن أصحاب القول الثاني قد عللوا ذلك أنها زيادة حصلت في ملكه وهذا تعليل غير وجيه؛ لأنها زيادة تابعة للهبة فتتبعها في الرجوع وكونها حصلت في ملكه لا يمنع ذلك لا سيما وأن للأب أن يتملك من مال ابنه ما يشاء بشرط أن لا يضر الابن وكذلك لا يعطيه لابن آخر والدليل على ذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيا أتى النبي (ص)فقال إن لي مالا ووالدا وإن والدي يريد أن يجتاح مالي قال (أنت ومالك لأبيك)
وبهذا ظهر لي رجحان عدم اشتراط هذا الشرط فلا تمنع رجوع الوالد في هبته لولده الزيادة المتصلة في الهبة"
وحكاية أن مال الهبة قد زاد بسبب عمل الولد به لا يعنى إعادة ربحه منه إلى الوالد أو الوالدة إلا إذا كانا محتاجين وهذه الزيادة تكون نفقة واجبة على الولد لوالده أو والده إذا كانا كبيرين فى السن أو عاجزين عن الكسب أو ما شابه من الظروف القهرية
المؤلف عبد المحسن بن محمد المنيف وقد استهل الكتاب بالحديث عن تعريف الهبة فقال :
"في التعريف بالهبة
المطلب الأول تعريف الهبة
الهبة في اللغة وهب له شيئا يهب وهبا ..والهبة العطية الخالية عن الأعواض والأغراض فإذا كثرت سمي صاحبها وهابا وهو من أبنية المبالغة...والهبة اصطلاحا اختلفت عبارات الفقهاء في تعريفها وقد اقتصرت على تعريف واحد لكل مذهب من المذاهب الأربعة
1 - تعريف الحنفية تمليك العين مجانا أي بلا عوض
2 - تعريف المالكية تمليك ذي منفعة لوجه المعطي لغير عوض
وبيان محترزات التعريف على النحو التالي فأخرج بقوله ذي منفعة العارية ونحوها وقوله لوجه المعطي أخرج الصدقة؛ فإنها لوجه الله فقط وأخرج بقوله بغير عوض هبة الثواب
3 - تعريف الشافعية التمليك لعين بلا عوض في حال الحياة تطوعا
وبيان محترزات التعريف على النحو التالي فخرج بالتمليك العارية والضيافة والوقف وبالعين الدين والمنفعة وبنفي العوض ما فيه عوض كالبيع وبالحياة الوصية؛ لأن التمليك فيها إنما يتم بالقبول وهو بعد الموت وبالتطوع الواجب من زكاة وكفارة ونحوها
4 - تعريف الحنابلة التبرع من جائز التصرف بتمليك ماله المعلوم الموجود في حياته غيره بما يعد هبة عرفا ...
وفي النظر في هذه التعاريف أجد ما يأتي
1 - أن تعريف الحنفية تعريف جامع لكنه غير مانع حيث يدخل فيه الوصية والصدقة
2 - أن تعريف المالكية تعريف جامع لكنه غير مانع حيث يدخل فيه ... الوصية
3 - أن تعريف الشافعية تعريف جامع لكنه غير مانع حيث يدخل فيه صدقة التطوع
4 - أن تعريف الحنابلة تعريف جامع ومانع لكن يرد عليه ذكر الهبة في التعريف وهذا دور ولعل الذي دعا الحنابلة إلى ذلك هو إخراج الصدقة ليصدق على التعريف بأنه مانع وبهذا ظهر لي أن تعريف الحنابلة هو التعريف المختار "
إذا اختار الرجل تعريف الحنابلة لكونه جامع مانع كما ظن وهو تعريف اصطلاحى وهو ما يخالف كون الهبة فى القرآن عطية من العاطى حسب ما أراد فى قضائه وهى لا تقتصر على المال فقد تكون أولادا كما قال " يهب لمن يشاء ذكورا" وقد تكون ملكا كما فى قوله" هب لى ملكا لا ينبغى لأحد من بعدى"
وحدثنا عن الألفاظ التى تستخدم لبيان معنى الهبة والفروق بينها فقال:
المطلب الثاني الألفاظ المرادفة للهبة
وجملة ذلك أن الهبة والصدقة والهدية والعطية معانيها متقاربة واسم العطية شامل لجميعها
والفرق بين الهدية والصدقة أن من أعطى شيئا ينوي به التقرب إلى الله تعالى للمحتاج فهو صدقة وإن حملت إلى المهدى إليه إكراما وتوددا فهو هدية ويدل على هذا حديث أبي هريرة قال كان رسول الله (ص)إذا أتي بطعام سأل عنه أهدية أو صدقة؟ فإن قيل صدقة قال لأصحابه كلوا ولم يأكل وإن قيل هدية ضرب بيده فأكل معهم...ويطلق أيضا على العطية والهبة بأنها نحلة تقول نحلت أي أعطيت والنحلة العطية بغير عوض والنحل الشيء المنحول
وأما قوله تعالى"آتوا بنساء صدقاتهن نحلة "فقد اختلف المفسرون في معنى النحلة على أربعة أقوال وهذا ملخصها
القول الأول إن معناها الفريضة القول الثاني إن معناها الهبة والعطية
القول الثالث إن معناها العطية بطيب نفس القول الرابع إن معناها الديانة "
ثم تحدث عن حكم الهبة فقال :
"المطلب الثالث حكم الهبة
الهبة مندوب إليها ...وقد دل على مشروعيتها الكتاب والسنة والإجماع
أما الكتاب فقوله تعالى فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا ...وأما السنة فكثيرة من ذلك حديث أبي هريرة عن النبي (ص)قال (يا نساء المسلمات لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن ... شاة)
وأما الإجماع فقد انعقد الإجماع على مشروعية الهبة وقد حكى الإجماع عدد من العلماء المطلب الرابع متى تلزم الهبة"
والهبة ليس حكمها مندوب إليه بل بعض منها واجب فرض تحت مسمى الوصية كهبة الأطفال الضعاف وهم الصغار مال زائد على ميراثهم لمساواتهم بإخوتهم الكبار الذين أنفق عليهم حتى كبروا وعملوا وفى هذا قال تعالى :
"وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولا سديدا"
وحدثنا عن وقت لزوم الهبة فقال :
اختلف العلماء في متى تلزم الهبة على قولين
القول الأول تلزم بالقبض وهو مروي عن أبي بكر الصديق وعمر ابن الخطاب وعثمان بن عفان وعبد الله بن عباس واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول عن عائشة زوج النبي (ص)أنها قالت إن أبا بكر الصديق كان نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغابة فلما حضرته الوفاة قال (وإني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا فلو كنت جددتيه واحتزتيه كان لك وإنما هو اليوم مال وارث)
الدليل الثاني عن عبد الرحمن بن عبد القاري أن عمر بن الخطاب قال (ما بال رجال ينحلون أبناءهم نحلا ثم يمسكونها..) •
الدليل الثالث عن معمر عن عثمان في رجل وهب لآخر هبة فقبضها ثم رجع فيها الواهب قال الموهوب له (هي للموهوب له حتى يقبضها كما قبضت منه)
وجه الاستدلال هذه الآثار الثلاثة عن الخلفاء الثلاثة تدل على أنهم يرون أن الهبة لا تلزم إلا بالقبض
الدليل الرابع أن الهبة عقد تبرع فلو لزمت بدون القبض لثبت للموهوب له ولاية مطالبة الواهب بالتسليم فتصير عقد ضمان وهذا تغيير المشروع
الدليل الخامس أنها هبة غير مقبوضة فلم تلزم كما لو مات قبل أن يقبض
القول الثاني أن الهبة تلزم بالعقد وهو مروي عن عبد الله بن مسعود .. واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول عن عبد الله بن عباس قال قال النبي (ص)(العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه)
الدليل الثاني أنه إزالة ملك بغير عوض فلزم بمجرد العقد كالوقف والعتق
الدليل الثالث أن الهبة عقد لازم ينقل الملك فلم يقف لزومه على القبض كالبيع
المناقشة والترجيح بعد النظر في أدلة القولين أجد ما يأتي
أولا أن أصحاب القول الأول قد استدلوا بالآثار المروية عن الخلفاء الراشدين..وهي صريحة بأن الهبة لا تلزم إلا بالقبض
ثانيا أن أصحاب القول الأول قد عللوا ذلك أن الهبة عقد تبرع وهذا تعليل وجيه
ثالثا أن أصحاب القول الأول قد عللوا ذلك أن الموهوب له لو مات قبل أن يقبضها لا تكون داخلة في التركة فكذا إذا لم يمت وهذا تعليل وجيه
رابعا أن أصحاب القول الثاني قد استدلوا بحديث ابن عباس لكن هذا الحديث محمول على الهبة المقبوضة •
خامسا أن أصحاب القول الثاني قد استدلوا بالقياس على الوقف والعتق بجامع إزالة الملك وهذا قياس مع الفارق..
سادسا أن أصحاب القول الثاني قد استدلوا بالقياس على البيع بجامع إزالة ملك وهذا قياس مع الفارق؛ لأن البيع من عقود المعاوضات والهبة من عقود التبرعات
وبهذا ظهر لي رجحان ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أن الهبة لا تلزم إلا بالقبض "
وكل هذا الكلام لا قيمة له مع وجود كتاب الله الذى أوجب أن تكون الهبة وهى الوصية وصية حق وليست ظلم فالمسألة ليست قبض أو عدم قبض وإنما المسألة حق أو باطل فإن كانت حقا فقد وجبت قبضت أو لم تقبض كما قال تعالى مانعا من الشهادة على الظلم فى الوصية :
"فمن خاف من موص جنفا أو إثما فأصلح بينهم فلا إثم عليه "
وتحدث عن أركتان الهبة وشروطها فقال :
"المطلب الخامس أركان الهبة وشروطها
أركان الهبة أربعة عند الجمهور الواهب والموهوب له والموهوب والصيغة
وأما شروط الهبة فتتلخص في الآتي
الشرط الأول أن يكون الواهب جائز التصرف وهو الحر المكلف الرشيد
الشرط الثاني أن تكون الهبة مملوكة للواهب
الشرط الثالث أن يكون الواهب مختارا غير مكره
الشرط الرابع أن يكون الموهوب له أهلا للتمليك
الشرط الخامس أن تكون الهبة معلومة فلا يجوز هبة المجهول
الشرط السادس أن تكون الهبة مقدورة على تسليمها
الشرط السابع أن يكون الشيء الموهوب مما يجوز بيعه
الشرط الثامن أن لا يكون معلقا بماله خطر الوجود والعدم
الشرط التاسع أن يكون محوزا
الشرط العاشر يشترط للزوم الهبة القبض "
وهذه الشروط بعضها يخالف كتاب الله كقولهم أن يكون الموهوب له أهلا للتمليك فالوصية وهى هبة تكون للأطفال الصغار وهم ليسوا أهلا للتمليك حتى يرشدوا وكذلك قولهم يشترط للزوم الهبة القبض فالطفل الصغير لا يمكنه القبض وهو استلام ماله حتى يرشد
وحدثنا عن التسوية بين الأولاد فى الهبة فقال:
"الفصل الأول التسوية في هبة الأولاد
وفيه أربعة مباحث
المبحث الأول حكم التسوية في هبة الأولاد
اختلف العلماء في التسوية في هبة الأولاد على قولين
القول الأول أن التسوية واجبة فإن خص بعضهم بهبة أو فاضل بينهم فهو آثم وهو مروي عن عثمان بن عفان..واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول عن حصين بن عامر قال سمعت النعمان بن بشير وهو على المنبر يقول أعطاني أبي عطية فقالت عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول الله (ص)فأتى رسول الله (ص)فقال إني أعطيت ابني من عمرة بنت رواحة عطية فأمرتني أن أشهدك يا رسول الله (ص)قال (أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟) قال لا قال (فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) قال فرجع فرد عطيته وفي لفظ من طريق الشعبي عن النعمان بن بشير قال أن أمه بنت رواحة سألت أباه بعض الموهبة من ماله لابنها فالتوى بها سنة ثم بدا له فقالت لا أرضى حتى تشهد النبي (ص)فأخذ بيدي وأنا غلام فأتى بي النبي (ص)فقال إن أمه بنت رواحة سألتني بعض الموهبة لهذا قال (ألك ولد سواه؟) قال نعم قال فأراه قال (لا تشهدني على جور)
الدليل الثاني أن تفضيل بعضهم يورث بينهم العداوة والبغضاء وقطيعة الرحم فمنع منه كتزويج المرأة على عمتها أو خالتها
القول الثاني إن التسوية سنة فإن فضل بعضهم على بعض جاز مع الكراهة ..واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول حديث النعمان بن بشير المتقدم ضمن أدلة أصحاب
القول الأول ومن ألفاظه فقال رسول الله (ص)(فأرجعه) ومنها (فأشهد على هذا غيري) ثم قال (أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟) قال بلى قال (فلا إذا) وفي لفظ (ألا سويت بينهم)
الدليل الثاني أثر عائشة أن أبا بكر نحلها جاد عشرين وسقا
الدليل الثالث أن عمر نحل ابنه عاصما دون سائر ولده
الدليل الرابع أن عبد الرحمن بن عوف فضل بني أم كلثوم بنحل قسمه بين ولده
الدليل الخامس أنها هبة تلزم بموت الأب فكانت جائزة كما لو سوى بينهم
الدليل السادس أن العلماء أجمعوا على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده فإذا جاز أن يخرج جميع ولده عن ماله جاز له أن يخرج عن ذلك بعضهم
هذا
المناقشة والترجيح في النظر في أدلة كل قول وفيما أجاب به أصحاب القول الثاني عن حديث النعمان بن بشير أجد ما يأتي
أولا أن أصحاب القول الأول قد استدلوا بحديث النعمان بن بشير وهو حديث صريح الدلالة على أن التسوية في هبة الأولاد واجبة وأن التفضيل بينهم في الهبة محرم
ثانيا أن أصحاب القول الأول قد استدلوا بقياس التفضيل في الهبة بين الأولاد على حكم الجمع بين المرأة وعمتها بجامع أن كلا منهما يفضي إلى العداوة والبغضاء وهو قياس وجيه
ثالثا أن أصحاب القول الثاني قد استدلوا بحديث النعمان بن بشير من
رابعا أن أصحاب القول الثاني قد استدلوا بعمل الخليفتين الراشدين أبي بكر وعمر وبعمل عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم وهذا استدلال ليس بوجيه وقد أجاب الموفق بن قدامة عن عمل أبي بكر بقوله وقول أبي بكر لا يعارض قول النبي (ص)ولا يحتج به معه ويحتمل أن أبا بكر خصها بعطيته لحاجتها وعجزها عن الكسب والتسبب فيه مع اختصاصها بفضلها وكونها أم المؤمنين زوج رسول الله (ص)وغير ذلك من فضائلها ويحتمل أن يكون قد نحلها ونحل غيرها من ولده أو نحلها وهو يريد أن ينحل غيرها فأدركه الموت قبل ذلك ويتعين حمل حديثه على أحد هذه الوجوه؛ لأن حمله على مثل محل النزاع منهي عنه وأقل أحواله الكراهة والظاهر من حال أبي بكر اجتناب المكروهات •
خامسا أن أصحاب القول الثاني قد عللوا ذلك بلزومها بعد موت الأب وهذا تعليل مخالف للنص •
سادسا أن أصحاب القول الثاني قد استدلوا بالقياس على إخراج جميع ماله عن أولاده وقد أجاب عنه الحافظ ابن حجر العسقلاني بقوله (ولا يخفى ضعفه؛ لأنه قياس مع وجود النص)
سابعا أن أصحاب القول الثاني قد أجابوا عن حديث النعمان بن بشير بأربعة أجوبة ...
ثامنا أفتت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بما نصه يجب على الوالد أن يسوي بين أولاده في العطية حسب الميراث الشرعي ولا يجوز له تخصيص بعضهم دون بعض لنهي النبي (ص)عن ذلك .."
الأحاديث اختلف أصحاب الأقوال فيها فبعضها يثبت التسوية وبعضها لا يثبت وكلها لا يصح لأن العدل وهو التسوية ليست التسوية فى المقادير عند الهبة فكما سبق القول فى آية الخوف على ضعاف الأولاد وهم الأطفال تختلف المقادير المعطاة فمثلا من تربى وتعلم حتى عمل ليس كمن هو فى التعليم ولم يعمل ومن لم يدخل سن التعلم ليسا كسابقيه فالواهب يحسب ما أنفقه على الكبير فى كل سنة ويقوم باعطاء الصغار حسب سنواتهم فمثلا إذا أنفق على السنة ألفين وهناك طفل فى الرابعة عشر وهناك طفل الخامسة يكون نصيب طفل الخامسة إذا كان الكبير بلغ العشرين 30 ألفا وطفل14 يكون نصيبه12 ألف فهذا من باب العدل وهو عدل يبدو بالمقادير عدلا تاما وهو المطلوب ولكن نتيجة اختلاف الأسعار فى كل عاك قد لا يكون كذلك فالمهم هو إرادة العدالة بغض النظر عن الظروف التى قد تنقص أو تزيد من النفقة
وتحدث عن كيفية التسوية في هبة الأولاد فقال :
"المبحث الثاني كيفية التسوية في هبة الأولاد
اختلف العلماء في كيفية التسوية في هبة الأولاد على قولين
القول الأول التسوية في هبة الأولاد تكون بالقسمة بينهم على حسب قسمة الله تعالى في الميراث؛ للذكر مثل حظ الأنثيين واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول أن الله تعالى قسم بينهم في الإرث فجعل للذكر مثل حظ الأنثيين
الدليل الثاني أن العطية في الحياة أحد حالي العطية فيجعل للذكر منها مثل حظ الأنثيين
الدليل الثالث أن الذكر أحوج من الأنثى من قبل أنهما إذا تزوجا جميعا فالصداق والنفقة ونفقة الأولاد على الذكر والأنثى لها ذلك فكان أولى بالتفضيل لزيادة حاجته
القول الثاني التسوية في هبة الأولاد تكون بالقسمة بينهم للذكر مثل الأنثى ..واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول حديث النعمان بن بشير وفيه قال (سو بينهم)
الدليل الثاني عن عبد الله بن عباس قال قال رسول الله (ص)(سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مؤثرا لأحد لآثرت النساء على الرجال)
وجه الاستدلال أن الرسول (ص)أمر بالتسوية والتسوية تقتضي المساواة
الدليل الثالث أنها عطية في الحياة فاستوى فيها الذكر والأنثى كالنفقة والكسوة
المناقشة والترجيح في النظر فيما استدل به كل قول أجد ما يأتي
....وبهذا ظهر لي رجحان ما ذهب إليه أصحاب القول الأول في أن التسوية في هبة الأولاد تكون بالقسمة بينهم على حسب قسمة الله تعالى في الميراث؛ للذكر مثل حظ الأنثيين "
وهذا الكلام وهو القسمة حسب الميراث لا دليل عليه وإنما اشترط الله فيها الضعف فقال "وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافا خافوا عليهم"
فهى ليست مال ورث لأن الواهب حى ولأنها مقابل نفقة الأكل والشرب والكسوة والتعليم والعلاج وغيرهما من الضروريات فى تلك السنوات التى نالها الكبار ولم يصل لها الصغار وهم الضعاف
وإذا كان الأب قد زوج البعض بماله وجب أن يضع مال فى الهبة لبقية تزويج أولاده الأخرين
وتحدث عن حكم التفضيل في الهبة بين الأولاد لمعنى خاص فقال:
المبحث الثالث حكم التفضيل في الهبة بين الأولاد لمعنى خاص
سبق في المبحث الأول والثاني من هذا الفصل ذكر أقوال العلماء في حكم التسوية بين الأولاد في الهبة وتوصلت إلى أن الراجح هو القول بوجوب التسوية وتحريم التفضيل بينهم وأن الهبة تكون للذكر مثل حظ الأنثيين لكن على القول بالتحريم هل يجوز لمعنى يقتضي تخصيصه؟ مثل اختصاصه بحاجة أو مرض أو كثرة عائلة أو اشتغاله بالعلم أو صرف هبته عن بعض ولده لفسقه أو بدعته أو لكونه يستعين بما يأخذه على معصية الله أو ينفقه فيها أو لا يجوز؟ وهل تزول الكراهة على القول الثاني أم لا؟ في المسألة خلاف بين العلماء فقد اختلفوا في ذلك على قولين
القول الأول أن ذلك لا يجوز
واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول حديث النعمان بن بشير وفيه (فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)
الدليل الثاني أنهم سواء بالإرث فكذلك في هبته في حياته
القول الثاني أن ذلك يجوز ..واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول أثر عائشة أن أبا بكر نحلها جاد عشرين وسقا
الدليل الثاني أن بعضهم اختص بمعنى يقتضي الهبة فجاز أن يختص بها كما لو اختص بالقرابة "
وقد انتهى المنيف إلى حرمة التفضيل في الهبة بين الأولاد لمعنى يقتضي تخصيصه فقال :
وبهذا ظهر لي رجحان ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من أنه لا يجوز التفضيل في الهبة بين الأولاد لمعنى يقتضي تخصيصه "
وهو قول يتناقض مع اختياره الهبة على حكم الميراث لكونها معنى يقتضى التخصيص
وأما التخصيص فقد يجوز بسبب الضعف فمثلا المعوق أو المريض بمرض مزمن ولا يوجد لهما مصدر نفقة أو لا يمكن أن يعملا عملا وظيفيا يجب على من عنده ماله أن يهبهما ما يقدر عليه كى يجدا نفقة طوال حياتهما إن كان لديه مال مع أن نفقتهما واجبة على الاخوة فى حال عدم وجود مال للوالد أو الوالدة
وتحدث عن حكم الهبة التى لم تنفذ فى حالة وفاة الواهب فقال :
المبحث الرابع حكم الهبة التي فيها تفضيل بعد موت الوالد
إذا فاضل بين أولاده أو خص بعضهم بهبته ثم مات قبل أن يسوي بينهم أو يسترد الهبة هل تثبت الهبة بالموت وتلزم أو ترد وتكون ضمن التركة؟ محل خلاف بين العلماء فقد اختلفوا على قولين
القول الأول ثبوت الهبة للموهوب له بالموت ..واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول أثر عائشة وفيه أن أبا بكر قال لها لما حضرته الوفاة (وإني كنت نحلتك جاد عشرين)
الدليل الثاني أنها هبة لولده فلزمت بالموت كما لو انفرد
القول الثاني أن الهبة ترد وتكون ضمن التركة ..واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول حديث النعمان بن بشير وفيه قال ... (لا تشهدني على جور)
وجه الاستدلال أن الرسول (ص)سماه جورا والجور حرام لا يحل للفاعل فعلهولا للمعطي تناوله والموت لا يغيره عن كونه جورا وحراما فيجب رده بعد الموت
الدليل الثاني أن سعد بن عبادة قسم ماله بين أولاده وخرج إلى الشام فمات بها ثم ولد له بعد ذلك ولد فمشى أبو بكر وعمر إلى قيس بن سعد فقالا إن سعدا قسم ماله ولم يدر ما يكون وإنا نرى أن ترد هذه القسمة فقال قيس لم أكن لأغير شيئا صنعه سعد ولكن نصيبي له
المناقشة والترجيح في النظر فيما استدل به لكل قول أحد ما يأتي:
...وبهذا ظهر لي رجحان ما ذهب إليه الأئمة الأربعة من ثبوت الهبة بالموت "
والحكم فى تلك المسألة هو رد الهبة الظالمة حتى وإن كانت عادلة قبل الوفاة بولادة طفل أو أكثر فيأخذ من أموال الموهوب لهم جميعا نصيب مثلهم لمن ولد بعد الهبة أو يلزموا جميعا بالنفقة على أخيهم أو أختهم حتى يكبروا والأعدل هو أخذ النصيب المساوى لهم وإلزامهم بالنفقة إذا انتهى هذا المال قبل كبره
وتحدث عن حكم الرجوع فى الهبة فقال :
الفصل الثاني حكم رجوع الوالدين في هبتهما لأولادهما
المبحث الأول حكم رجوع الوالد في هبته لأولاده
اختلف العلماء في حكم رجوع الوالد في هبته لأولاده على قولين
القول الأول يجوز ذلك ..واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول حديث النعمان بن بشير وفيه فقال رسول الله (ص)(فأرجعه)
وجه الاستدلال أن رسول الله (ص)أمره بالرجوع في هبته مما يدل على جواز رجوع الوالد فيما وهبه لولده
الدليل الثاني عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس عن النبي (ص)قال (لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده)
الدليل الثالث عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن نبي الله قال (لا يرجع أحدكم في هبته إلا الوالد من ولده)
الدليل الرابع أن الأب لا يتهم في رجوعه؛ لأنه لا يرجع إلا لضرورة أو لإصلاح الولد
القول الثاني لا يجوز الرجوع ..واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول عن عبد الله بن عباس قال قال النبي (ص)(العائد في هبته كالعائد في قيئه)
الدليل الثاني عن الحسن البصري عن سمرة بن جندب عن النبي (ص)قال (إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع فيها)
الدليل الثالث أنها هبة يحصل بها الأجر من الله تعالى فلم يجز الرجوع فيها كصدقة التطوع
الدليل الرابع أن المقصود بالهبة صلة الرحم وفي الرجوع عنها تورث الوحشة والنفرة فلا يجوز صيانة للرحم عن القطيعة
المناقشة والترجيح في النظر فيما استدل به كل قول أجد ما يأتي
أولا أن أصحاب القول الأول قد استدلوا بحديث النعمان بن بشير وهو حديث صريح الدلالة على وجوب رجوع الوالد فيما وهبه لبعض أولاده دون بعضهم
ثانيا أن أصحاب القول الأول قد استدلوا بما رواه عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمرو بن العاص وهو استدلال وجيه لصراحتها في جواز رجوع الوالد فيما وهبه لولده
ثالثا أن أصحاب القول الأول قد عللوا ذلك بأن الأب غير متهم في حق ولده وهو تعليل وجيه
رابعا أن أصحاب القول الثاني قد استدلوا بحديث ابن عباس وهو حديث عام يخص منه الوالد لدلالة ما استدل به أصحاب القول الأول ولا تعارض بين العام والخاص
خامسا أن أصحاب القول الثاني قد استدلوا بحديث سمرة بن جندب وهو حديث ضعيف
سادسا أن أصحاب القول الثاني قد استدلوا على ذلك بالقياس على صدقة التطوع وهذا قياس مخالف للنص
سابعا أن أصحاب القول الثاني قد عللوا ذلك أن الرجوع في الهبة يورث الوحشة والنفرة وهو تعليل مخالف للنص وبهذا ظهر لي رجحان ما ذهب إليه جمهور العلماء من جواز رجوع الوالد فيما وهبه لولده والله أعلم •
المبحث الثاني حكم رجوع الأم في هبتها لأولادها
...الراجح هو ما ذهب إليه جمهور العلماء في هذه المسألة وهو جواز رجوع الوالد فيما وهبه لأولاده لكن هل الأم تلحق بالأب في هذا الحكم أم لا؟
هذا ما أبحثه في هذا المبحث وقد اختلف العلماء في ذلك على قولين
القول الأول أن الأم تلحق بالأب في جواز الرجوع في الهبة لأولادها ..واستدلوا على ذلك بما يأتي
الدليل الأول قال الله تعالى كما أخرج أبويكم من الجنة
وجه الاستدلال أن الله عز وجل سمى الجد والجدة أبوين والأم والدة تقع على الجنس وهي فيه اسم الوالد فتدخل في عموم قوله (ص) (لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده)
الدليل الثاني أن الأم داخلة في قول النبي (ص)(اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم)
الدليل الثالث أنها لما ساوت الأب في تحريم تفضيل بعض ولدها ينبغي أن تساويه في التمكن من الرجوع فيما فضله به تخليصا لها من الإثم وإزالة للتفضيل المحرم كالأب
القول الثاني أن الأم لا تلحق بالأب فلا يجوز لها الرجوع في هبتها لأولادها وإليه ذهب الحنابلة
واستدلوا على ذلك بأن الرسول (ص)خص الوالد في أنه يرجع في هبته لولده في قوله (ص) (لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده) وهو بإطلاقه إنما يتناول الأب دون الأم والفرق بينهما أن للأب ولاية على ولده ويحوز جميع المال في الميراث والأم بخلاف ذلك
المناقشة والترجيح في النظر فيما استدل به لكل قول أجد ما يأتي
أولا أن أصحاب القول الأول قد استدلوا بالآية الكريمة التي سمى الله فيها الجد والجدة أبوين وهو دليل صريح على دخول الأم في لفظ الوالد
ثانيا أن أصحاب القول الأول قد عللوا بأن الأم تدخل في تحريم تفضيل أحد أولادها في عطية فكذلك تدخل في جواز رجوعها في عطية أحد أولادها وهو تعليل وجيه
ثالثا أن أصحاب القول الثاني قد عللوا بأن الأم لا تدخل في لفظ الوالد لوجود الفرق بينهما في أن الأب له ولاية على ولده ويحوز جميع المال في الميراث بخلاف الأم وهذا تعليل فيه نظر؛ وذلك أن الأم تأخذ حكم الأب في تحريم التفضيل ووجوب رجوع العطية التي فضل بها أحد الأولاد فكذلك تأخذ حكمه فيما شابه ذلك وهو جواز الرجوع في العطية؛ لأن بابهما واحد بخلاف الولاية على ولده وحوز جميع المال"
بالقطع الهبة من الوالدين إذا كانت بالعدل وقبضها الأولاد وأنفقوها فلا مجال للرجوع فيها وأما إذا كانت باقية وأراد الوالد أو الوالدة استعادتها لحاجتهما لها فلهما ذلك وأما إذا كان الواهب غير محتاج فلا رجوع لها فالشرط فى الرجوع هو الحاجة
وتحدث عن شروط الرجوع فقال :
"المبحث الثالث بيان الشروط التي تشترط لجواز الرجوع
...وهذا المبحث خصصته في ذكر هذه الشروط التي ذكرها جمهور العلماء الذين ذهبوا إلى جواز الرجوع في الهبة للوالد فيما وهبه لأولاده وإليك بيانها
الشرط الأول أن تكون باقية في ملك الولد فإن خرجت عن ملكه ببيع أو هبة أو وقف أو غير ذلك لم يكن له الرجوع فيها؛ لأنها أصبحت في ملك غير ولده
الشرط الثاني أن تكون العين الموهوبة باقية في تصرف الولد بحيث يملك التصرف في وقتها فإن استولد الأمة لم يملك الأب الرجوع فيها وكذلك إذا رهن الولد العين أو أفلس الولد وحجر عليه لم يملك الأب الرجوع؛ لأن في ذلك إبطالا لحق غير الولد "
وهذا الشرط وذكر استيلاد الأمة هو من ضمن الحرام فلا يجوز وطء ملك اليمين بلا زواج لقوله تعالى :
" فانكحوهن بإذن أهلهن وأتوهن أجورهن بالمعروف"
ثم قال :
"الشرط الثالث أن لا يتعلق بها رغبة لغير الولد فإن تعلقت بها رغبة لغيره مثل أن يهب ولده شيئا فيرغب الناس في معاملته وأدانوه ديونا أو رغبوا في مناكحته فزوجوه إن كان ذكرا أو تزوجت الأنثى لذلك فقد اختلف العلماء في حكم الرجوع على قولين
القول الأول ليس له الرجوع ..وقد عللوا ذلك بتعليلين
التعليل الأول أنه تعلق به حق غير الولد ففي الرجوع إبطال حقه وقد قال (ص) (لا ضرر ولا ضرر) وفي الرجوع ضرر
التعليل الثاني أن في الرجوع تحيلا على إلحاق الضرر بالمسلمين ولا يجوز التحيل على ذلك
القول الثاني أن له حق الرجوع وهذا القول رواية عن الإمام أحمد ودليل هذا القول أن حق المتزوج والغريم لم يتعلق بعين هذا المال فلم يمنع الرجوع منه
المناقشة والترجيح في النظر فيما استدل به لكل قول أجد ما يأتي
أولا أن أصحاب القول الأول قد عللوا ذلك أن في الرجوع يتعدى ضرره إلى غير الولد وهو تعليل وجيه
ثانيا أن أصحاب القول الأول قد عللوا ذلك أن ذلك فيه تحيل على إلحاق الضرر بالمسلمين وهذا تعليل وجيه
ثالثا أن أصحاب القول الثاني قد عللوا أن التعلق لم يكن بالعين وهذا تعليل غير وجيه؛ لأن هذا القول فيه إبقاء الضرر على غير الولد والضرر قد نفاه الرسول (ص)بقوله (لا ضرر ولا ضرار) وهو الذي بنى عليه أصحاب القول الأول تعليلهم الأول
وبهذا ظهر لي رجحان اشتراط هذا الشرط وهو أن لا يتعلق بها رغبة لغير الولد والله أعلم
الشرط الرابع أن لا تزيد زيادة متصلة كالسمن والكبر وتعلم صنعة وقد اختلف العلماء في اشتراط هذا الشرط على قولين
القول الأول عدم اشتراطه ..وعللوا ذلك على أنها زيادة في الموهوب فلم تمنع الرجوع كالزيادة قبل القبض والزيادة المنفصلة
القول الثاني أن ذلك شرط فلا يجوز الرجوع في الهبة إذا ازدادت زيادة متصلة ..وعللوا ذلك أن الزيادة للموهوب له؛ لكونها نماء ملكه ولم تنتقل إليه من جهة أبيه فلم يملك الرجوع فيها كالمنفصلة وإذا امتنع الرجوع فيها امتنع الرجوع في الأصل
المناقشة والترجيح في النظر فيما استدل به كل قول أجد ما يأتي
أولا أن أصحاب القول الأول قد عللوا ذلك بأنها زيادة في الموهوب فتتبعه؛ لأنه لا يمكن انفصالها وهذا تعليل وجيه
ثانيا أن أصحاب القول الثاني قد عللوا ذلك أنها زيادة حصلت في ملكه وهذا تعليل غير وجيه؛ لأنها زيادة تابعة للهبة فتتبعها في الرجوع وكونها حصلت في ملكه لا يمنع ذلك لا سيما وأن للأب أن يتملك من مال ابنه ما يشاء بشرط أن لا يضر الابن وكذلك لا يعطيه لابن آخر والدليل على ذلك حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أعرابيا أتى النبي (ص)فقال إن لي مالا ووالدا وإن والدي يريد أن يجتاح مالي قال (أنت ومالك لأبيك)
وبهذا ظهر لي رجحان عدم اشتراط هذا الشرط فلا تمنع رجوع الوالد في هبته لولده الزيادة المتصلة في الهبة"
وحكاية أن مال الهبة قد زاد بسبب عمل الولد به لا يعنى إعادة ربحه منه إلى الوالد أو الوالدة إلا إذا كانا محتاجين وهذه الزيادة تكون نفقة واجبة على الولد لوالده أو والده إذا كانا كبيرين فى السن أو عاجزين عن الكسب أو ما شابه من الظروف القهرية
أمس في 9:11 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى بحث خطأ في فهم مراد الفضيل بن عياض بخصوص ترك العمل لأجل الناس
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 9:36 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى قصة هاروت وماروت
الإثنين نوفمبر 18, 2024 9:33 pm من طرف رضا البطاوى
» أكذوبة سرقة قصة إنقاذ إبراهيم من نار نمرود
الأحد نوفمبر 17, 2024 9:39 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات في مقال السرقة المزعومة لسورة مريم
السبت نوفمبر 16, 2024 9:51 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى كتاب زواج موسى ولماذا تزوج داود وسليمان كل هؤلاء النسوة؟
الجمعة نوفمبر 15, 2024 9:18 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات في مقال كيف يقوم المخ بالحكم الأخلاقى على الأشياء؟
الخميس نوفمبر 14, 2024 9:31 pm من طرف رضا البطاوى
» نقد كتاب إبطال ما استدلّ به لإمامة أبي بكر
الأربعاء نوفمبر 13, 2024 8:56 pm من طرف رضا البطاوى
» رءوس السنة
الثلاثاء نوفمبر 12, 2024 10:49 pm من طرف رضا البطاوى