نقد كتاب الإنسان الجامع مولانا جلال الدين
الكتاب من تأليف محمود أبو الهدى الحسيني من أهل العصر وكما هو الحال عندما يؤلف أحد الصوفية كتابا عن صوفى أخر فالنتيجة أن يكون الأول مولانا واطلاق كلمة مولانا على إنسان هو أمر غريب فمولانا هو الله تعالى كما قال الله على لسان المسلمين"أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين "
فكيف بلغت الجرأة بالقوم أن يسموا واحدا منهم مولانا والمفروض أنها لا تطلق إلا على الله فهو مولى وهو ولى المؤمنين والأغرب أن يعيش جلال الدين فى عصر الهزائم الأكبر فى التاريخ المعروف ويطلق عليه هذا الاسم
وكعادة الصوفية تكون عباراتهم غامضة وغير مفهومة وهذا هو مقدمة الحسينى التى قال فيها:
"تتكشف فوق العالم سحب الظلم والظلمات، وتفترس الحيرة أفئدة الأنام، ولا يحتاج الناس إلى شيء كحاجتهم إلى شمس يستطيع شعاعها اختراق السحب إلى قلوب طال فيها دجى الليل ويرتفع صوت ينادي: أيروق لكم حديث الحب في وقت حملت إليكم فيه الكره جحافل الطامعين؟ ويجيب الكتاب المنير قائلا:
(فسوف ياتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) ويطل علينا من أولئك القوم وجه القمر المنير مولانا جلال الدين البدر الذي استغرق قلبه في شمس الحقيقة حتى صار شمسا فأنار للخلق ربوعهم في كل حين وإنني إذ أخط بقلمي كلمات على أذيال تلك الشمس، أعترف بالعجز والقصور عن إدراك سناها العظيم، لكنها خيوط تستمد منها لتنسج على رفرف عبقريها الحسان "
الرجل يتحدث عن الرومى وكأنه محمد(ص) القمر المنير والشمس المنيرة كما قال تعالى "وسراجا منيرا"
وكالعادة لابد من مدح أسرة الرومى بالقول:
"لم يكن غريبا أن يسلك مولانا الرومي ذلك المسلك وطفولته وشبابه وأسرته لا تخرج عن ذلك المضمون العلمي والعملي والذوقي، فقد كان – كما قالوا – (مصباحا مطهرا منظفا سكب فيه الزيت ووضع له الفتيل وابتغاء إشعال هذا المصباح لا بد من النار) "فوالده واعظ صوفي عالم"
وبالقطع عندما يكون البحث عن فرد فلابد من الكلام عنه لأن الأسرة قد تكون كافرة كأسرة إبراهيم(ص)حيث الأب صانع الأصنام مع هذا خرج من صلبه نبى وكالعادة لابد أن تحيط بفرد كهذا معجزات وغيبيات ما أنزل الله بها من سلطان وفى هذا قال :
"وطفولته شهد تاريخها أعلام الذوق والمعرفة كالعطار ، وابن عربي الذي صرخ – كما يروى – حين رآه في طفولته ماشيا خلف والده: (سبحان الله محيط يمشي خلف بحيرة) ""
قولة كاذبة قالها كاذب سواء من قالها كان ابن عربى حقا أو غيره ممن ألفوا تاريخنا ونسبوا الكتب والأقوال لتلك الشخصيات فالقائل عرف الغيب وهو كونه محيط علم وهو طفل وهو ما يعارض أن لا أحد يعلم الغيب سوى الله وفى هذا قال سبحانه:
"قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله"
ثم حدثنا عن مسيرة حياته فقال:
"وأغنى سلوكه سفره المتواصل بصحبة أسرته من الشرق إلى الأناضول مرورا بمكة ودمشق وحلب ودفعته سريعا إلى الصدارة وفاة والده وهو في ريعان الشباب وقربه من روحانيته أكثر فأكثر قدوم (برهان الدين) أحد تلامذة والده من الشرق، فصحبه وتأثر به لكن الحدث الأكبر الشهير الذي أدخله في السلوك الصوفي حقيقة كان لقاؤه بشمس تبريز ، وأنشده الشمس من ديوان سنائيإذا لم يحرر العلم النفس من النفس فإن الجهل خير من علم كهذا) فأشعل في قلبه جذوة الشوق إلى المعرفة، ودخل مع شمسه خلوة أنضجته قال مولانا الرومي:
(دون العون المنقذ لسيدي شمس الحق التبريزي لن يكون في وسع أحد أن يتأمل القمر أو يغدو البحر)
ومع أن صحبته للشمس كانت قصيرة؛ لكنها أغنت روحه بأشواق وإحراق، فلما غاب الشمس غيبته الأولى ألهب بغيبته قلبه، ولما غاب غيبته الثانية نظر في باطنه فوجده فيه وبعدها سلك سلوكا خاصا بارتكاب المشاق ملتذا بها أيما التذاذ، فكان في الشتاء القارص يصعد إلى السطح ويقضي الليل كله في الصلاة والنحيب، حتى تتورم قدماه ، وكان يصوم إلى درجة الهزال والنحول تلك هي عناوين سلوكه في مبتدئه الروحي "
كلام لا يبين علم الرجل ولا فضله وإنما يبين جهله فالرجل ارتبط برجل بدلا من أن يرتبط بكلام الله وكأن شمس تبريز هذا أصبح هو الله تعالى عن ذلك فالرجل يصلى ويصوم حتى ينحل وتتورم أقدامه وهو سلوك من يجهل دين الله فالله لم يفرض صوما سوى رمضان ولا صلوات سوى المفروضة وكل صلاة شغلت عن طاعة أخرى فهى عصيان لله فماذا أفادت كثرة الصلاة والصوم إلا عصيان قوله تعالى " وما جعل عليكم فى الدين من خرج" فالرجل أحرج نفسه أى آذاها بكثرة الصلاة والصوم بينما المفروض فى ذلك الزمن كما هو المفروض فى زماننا هذا هو جهاد الأعداء لأن هزائمنا كصيرة ووضع الناس بؤس البؤس
وتحت عنوان قلبا مؤمنا مصدقا بحقائق الوحي قال الحسينى:
" مولانا جلال الدين: قلبا مؤمنا مصدقا بحقائق الوحي
وها هنا نجد قلبا آمن وصدق حتى صار صديقا، وبدلا من الخوض في متاهات التخيل العقلي جلا مرآة قلبه فانطبعت فيها من غير كلفة حقائق الغيب وقال لأصحابه:
(جاء صديق ليوسف من السفر فسأله يوسف: ماذا أحضرت لي من الهدايا؟ فقال الصديق:وأي شيء ليس عندك، وأنت محتاج إليه؟ ولكن لأنه لا يوجد من هو أجمل منك أتيت لك بمرآة لكي ترى فيها وجهك كل لحظة فأي شيء ليس عند الحق تعالى، وهو محتاج إليه؟ ينبغي أن يقدم الإنسان للحق تعالى قلبا صافيا مضيئا ليرى ذاته فيه(إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم) فإذا جليت مرآة القلب فلن ترى فيها غير المحبوب، والقرآن هو وصف المحبوب لأن الكلام صفة المتكلم، لهذا لم يكن مولانا الرومي يبحث عن المحبوب إلا في المحبوب، وقال:
(التمس معنى القرآن من القرآن وحده)
وكأنه يتمثل في ذلك قول سنائي:
كل شيء لا تحصل عليه حتى تبحث عنه إلا هذا الحبيب لن تبحث عنه حتى تحصل عليه
ورسخ الشمس التبريزي لديه الاستمداد من ينبوع الوحي، لأن كل الكلمات وروائع الأدب الصوفي لم تكن عند شمس ترقى إلى رتبة حديث نبوي صحيح واحد دافع مولانا بقوة عن كل حقائق القرآن، وصرخ في أسماع العالم مبينا له أنها ليست من وضع النبي صلى الله عليه وسلم بقولهرغم أن القرآن من شفتي النبي فإن كل من يقول إن الحق لم يقله كافر) وكذا بقوله:
كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يخبر عن أناس وأنبياء مضوا قبل وجوده بعدة آلاف من السنين وماذا سيكون حتى آخر الدنيا وعن العرش والكرسي كيف يخبر الحادث عن القديم وهكذا غدا معلوما أنه ليس الذي هو كان يقول بل الحق هو الذي يقول:
(وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى)"
الحسينى هنا يقول أن الرجل كان يعمل بالقرآن قلبا وقالبا بينما الرجل أساسا افترى كما فى حكاية يوسف(ص) التى حكاها تحت العنوان مباشرة والرسل (ص) لا ينسب حكايات لهم بألفاظ صوفية ومعانى صوفية لكونها لغة غامضة لم يقولوها فهذا من ضمن الكذب عليهم بينما لغتهم كانت كلاما مبينا أى واضحا يفهمه الناس كما قال تعالى :
"وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم"
ثم قال الحسينى:
"وتفاعل مع كلمات القرآن تفاعلا كبيرا، فكان تارة يكررها بألفاظهازين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا) ، ثم يعلق بقولهولأن الله قال: (زين) فإنها ليست جميلة حقا بل إن الجمال فيها مستعار، وآت من مكان آخر عملة زائفة مطلية بالذهب) "
الخطأ فى كلام الرومى أن زين ليست جميلة وزائفة وهو ما يناقض كون كل ما خلقه حسن أى جميل أى متقن كما قال تعالى " الذى أحسن كل شىء خلقه" وقال " صنع الله الذى أتقن كل شىء"
ثم قال الحسينى:
"ومن أكثر الآيات ورودا في كتبه ودواوينه: آية النور في سورة النور (مثل نوره)، وآية المعرفة في سورة الأعراف (ألست بربكم)
وكان تارة أخرى يقتبس من معاني القرآن أو يعبر عن آيات بنفس معانيها، لكن بألفاظ أخرى
ومن ذلك قوله:
(طرنا مع آية الكرسي نحو العرش فرأينا الحي، وبلغنا القيوم)
(لم يبكي الإنسان على يوسف النفس في البئر؟)
(فاجذب مثال (إنا أعطيناك) إلى السائل المحروم
عندما تتلو الشفة (الحمد) أعطها نقلا وخمرة من دون حد
وعندما تتلو (ولا الضالين) اجذبها إلى الدلائل
أسير الألم والحسرة أعطه رسالة (لا تأسوا)
(يونس السجين في بطن الحوت نجا)
(أعد صومعة مريحة ليونس في الحوت، وأخرج أخيرا يوسف من غيابة الجب)
(يوسف بعد احتمال محنه بصبر نعم بالسعادة ووصل إلى أعلى وظيفة في مصر)
(إبراهيم الخليل خليل الله هو المسلم الحق الذي لا يحب الآفلين لكن النار صارت بردا وسلاما عليه)
(فيلة العدو قتلت على نحو معجز بوساطة الطير الأبابيل)
(ومن هنا فإن فك الأغلال الخارجية يوم البعث، عندما تخرج الأرض أثقالها سيكون تحريرا للبشر) ويذكر النبي يوسف مفسرا للأحلام ويذكر عاد وثمود ويذكر أيوب الصابر في بلواه
ويحكي كيف أصيب يعقوب بالعمى من الحزن واشتياقا إلى يوسف مثال الجمال ويشبه نفسه بداود الذي يخاطب الطير مرتلا أغزاله كأنها كتاب المزامير "
إما أن نكون نحن مجانين فنصدق هذا الكلام الأحمق وإما نبين أنه كلام كذب وافتراء فكيف طار الرومى للسماء وشاهد الله والله يقول " لن ترانى" وكيف يعبر عن الحلال بالمحرمات كالخمر ؟
ثم قال الحسينى:
"وترى مولانا الرومي بعد هذا يدافع بقوة عن أحكام فقهية قرآنية، كدفاعه عن حكم القرآن في القصاص من القاتل بالقتل فيقول:
(قال الله تعالى: (ولكم في القصاص حياة)، لا شك بأن القصاص شر وهدم لبنيان الله تعالى، ولكن هذا شر جزئي، وصون الخلق عن القتل خير كلي، وإرادة الشر الجزئي لإرادة الخير الكلي ليست بقبيحة، وترك إرادة الله الجزئية رضاء بالشر الكلي فهو قبيح) "
والخطأ هنا أن يصف الرومى حكم الله وهو القصاص بالشر وحكم الله عادل كما قال تعالى "وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا" إن من يقول هذه القولة ليس سوى كافر عندما يصف حكم الله بالشر ثم قال:
"ويحكم مولانا الرومي بحكم القرآن الكريم على الخنزير أنه نجس، ويستخدمه للتمثيل بالصفات البشرية المنحطة"
والخطأ فى الكلام هو جعل الخنزير نجس فالله لم يصف مخلوقا خلقه بالنجس سوى الكفار المشركون كما قال تعالى "إنما المشركون نجس"وكيف يكون الخنزير نجس والله يقول عن كل مخلوقاته " الذى أحسن كل شىء خلقه "
والحديث فى آيات الطعام ليس عن الخنزير وإنما عن حرمة لحكم الخنزير بكونه رجس أى أذى أى ضرر ثم قال الحسينى:
"ولم يكن مولانا يعبر في بيانه عن حقائق القرآن وحسب، إنما كان يعبر عن الوحي الثاني في الحديث النبوي الشريف، إما بإيراد للحديث بلفظه، أو بإدخال شروح دقيقة تبرز ما خفي فيه من المعاني
يقول مولانا الرومي:
(قال النبي عليه الصلاة والسلام: اعلم أن (المؤمن كالجمل)، ثمل دائما بالحق الذي يقوده كسائق الجمل) ولفظ الحديث: المؤمن كالجمل الأنف (أي الذلول) حيثما قيد انقاد
فأورد لفظ الحديث ثم دخل إلى حقيقة تستتر خلف ألفاظه بقوله (ثمل دائما بالحق الذي يقوده) وهو بيان لسر سهولة انقياد المؤمن الذي ورد في مناسبة هذا الحديث ومما تقدم يظهر انفعال مولانا الرومي الكبير لحقائق الوحي تصديقا وإيمانا ومنافحة "
وكما قلت سابقا المسلم لا يستخدم ألفاظ المحرم للتعبير عن الحق فاستعمال لفظ ثمل وهو السكران لا يجوز لوصف شىء حقيقى أو حق
وتحت عنوان جلال الدين: روحا عاشقا قال الحسينى:
"- مولانا جلال الدين: روحا عاشقا :
العشق في روح العاشق الرومي خراب، ومن يدعو العشق إليه كطائر يدعو جملا إلى عشه وحين يضع خفه فيه يخربه ، وعش الطائر العقل إنه آكل الناس، وعلى الإنسان أن يجعل نفسه لقمة أمامه، وما أتعس من كان لقمة حامضة للعشق، لأن هضمه سيكون بطيئا جدا، أما الولي فهو لقمة حلوة يسهل على العشق هضمها
يحدث هذا العشق عندما تمسك يد القلب يد الحبيب؟ وعندها يظن أنه سيصطاد الغزال لكنه يصاد بذلك الغزال وعندها يندفع سكره وخماره بالمحسوسات لأن الحبيب الساقي أدار عينه النرجسية المسكرة وعندها ومع طلوع الشمس تمحى كل الأقوال ويصير رداء العقل – العالم النحرير – وعمامته رهنا عند كأس العشق ويغدو ذلك العقل حيران جاهلا مذهب العشق، مع أنه مطلع على جملة المذاهب "
نفس الخطأ التعبيرى وهو التعبير عن الحق بالباطل ممثلا فى الخمر والسكر والنظر فى العيون المحرمة ومسك يد الحبيب وهو ما يتكرر فى الفقرة التالية بجعل حب الله وهو طاعته مرضا فى القول:
وعندها يصير القالب الجسماني أيضا راوية يروي عن العقل الذاهل والروح العاشق فترى في ذلك القالب الجسماني وجها شاحبا وشفة جفت ويظهر فيه المرض السماوي العجيب الذي لا يعرفه جالينوس المرض الذي لا فائدة للدواء والعلاج في بلائه وينوح حتى تنوح السماء لنواحه ويأرق حين ينام غيره ممن لا يعرفون للعشق إليهم سبيلا ويظهر ذلك العاشق بين مائة شخص وضاءا كالقمر اللألاء في السماء بين الكواكب وبعدها يتعلم آلاف الآداب الروحية التي لم يكن له أن يتعلمها من المكاتب
ويقدم الروح قربانا لروح روح الروح الذي جاء
ويحني عنقه لمعشوقه قائلا: (قد سببت لك صداعا، فاقطع عنقي عمدا)
ويرى المجانسة بين استعداده واستعداد المنصورين الذين لا يعرفهم أحد، الذين تركوا القول على المنابر واعتلوا المشانق إنهم عرفوا أن الدنيا سجن العاشق، وأدركوا أن العيش الحق لا يكون إلا بخراب السجن وليس كل عاشق يتجلى فيه هذا الاستعداد لأن خياط العشق يفصل لكل عاشق قباء على قدر قده وحين يصح العشق يتبدل في الإنسان كل شيء ويتحول الأرمني إلى تركي وتظهر العبودية لوجه المعشوق فيقسم بحياته: (إن كل شيء ما خلا رؤية وجهه، حتى لو كان ملك الأرض، خيال وخرافة) "
ونرى فى الفقرة السابقة مخالفة لكلام الله بتخريب الدنيا مع قوله تعالى " "قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق"
فالله لم يحرم على المسلمين متاع الدنيا الحلال وهو ما فهمه المسلمون حينما قالوا قارون" ولا تنس نصيبك من الدنيا"
ثم قال:
"يعلم أن الشهرة سد عظيم في الطريق إلى محبوبه والذي عشقه ودينه خدعة ورياء، عليه أن ينام لأن طريق العشق خارج عن الاثنتين والسبعين ملة ثم هو يذكر المعشوق الذي (أسرى بعبده ليلا) إنه نفس معشوقه، لأن معشوقه أزلي أبدي وفرع عشقه في الأزل وأصله في الأبد فإلى متى يعانق الحمقى معشوقا ميتا؟! هل السكر أحلى أم ذلك الذي يصنع السكر؟
هل القمر أجمل أم ذلك الذي يصنع القمر؟ معشوقه جعلت الدنيا والآخرة نثارا على جماله
أما الكلام على العشق فهو غير درس أبي حنيفة ورواية الشافعي لأن علم: (يجوز) و (لا يجوز) مستمر حتى حين، وعلم العاشقين ليس له نهاية به صارت كل ذرة متحدثة بسبب عشق وجه الحبيب لذلك حبس الأنفاس واكتفى لأن المعشوق نفسه، الذي يصنع من الأذن بصرا سيتكلم "
كلام مجانين بالفعل فالرومى أو الصوفية يظنون أنفسهم خارج الشرع يجوز ولا يجوز وهو فعل الكفرة فالشعر السابق يجعل العاشق والمعشوق واحد وهو ما يسمونه الفناء أو حلول الإله فى المخلوق والعكس وهو كلام يناقض قوله تعالى " ليس كمثله شىء" فالله شىء فير كل الـشياء مثل الإنسان
وتحت عنوان جلال الدين: عارفا صوفيا ذائقا أكمل الحسينى قائلا:
"- مولانا جلال الدين: عارفا صوفيا ذائقا
تتجلى معرفة مولانا الرومي بالله وذوقه فيما نقل عنه من البيان والشعر تجليا لا خفاء فيه فمعارفه لم تكن معارف العقل المستدل بالكون على مكونه، لكنها كانت معارف الروح والسر التي تستمد مواردها من الحقيقة المطلقة الأزلية الأبدية، ثم تنزل بمشاهدها من هناك إلى عوالم التكوين وها هو ينطق بذلك قائلا لإخوانه في مجلس الأنس:
(أصل هذه العلوم جميعا من هناك، وقد انتقلت من عالم اللاحرف واللاصوت إلى عالم الحرف والصوت، وفي ذلك العالم يكون القول من دون حرف ومن دون صوت) (وكلم الله موسى تكليما ) "
ويدعو في قصة جرة الأعرابي إلى طهارة الحواس حتى تتصل بالحقيقة المطلقة، فيقول:
(إن الجرة ذات المنافذ الخمس، هي الحواس الخمس، فاحفظ هذا الماء طاهرا من كل دنس، حتى يصبح لهذه الجرة منفذ صوب البحر، وحتى تتخذ جرتنا طبع البحر ويصبح ماؤها بلا نهاية من بعد ذلك)
وكأنه يشير إلى معنى الحديث القدسي: كنت سمعه الذي يسمع به و يخبر عن حقيقة هذا الاتصال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم حيث يكون له فيها مع الله وقت لا يسعه فيه نبي مرسل ولا ملك مقرب حيث يكون في استغراق تام وغياب تبقى فيه تلك الصور جميعا خارجا، ليس لها مكان هنالك حتى جبريل، ليس له مكان أيضا
ويفهم هذه الحال في قوله تعالى:
(الذين هم على صلاتهم دائمون) فالصلاة الدائمة صلاة الروح المشاهد، وصلاة الصورة مؤقتة وليست بدائمة وها هو عيسى عليه السلام أيضا ثمل بالحق، أما حماره فهو ثمل بالشعير وكأنه يصنف الناس صنفين، صنف خلف عيسى في مشاهدة الحق، وصنف خلف ذلك الحمار الذي لا يشاهد غير الشعير
ثم يقول مؤكدا تلك الحقيقة:
(عيسى ابن مريم، مضى إلى السماء، وحماره بقي في الأسفل وأنا بقيت في الأرض، وقلبي صار في الأفق الأعلى) "
كما سبق القول إن الصوفية يفترون الحكايات فلا يوجد حمار لعيسى(ص) وهذا الخمار هو ليسوع فى العهد الجديد وهو بالتأكيد ليس عيسى المسيح(ص) وحكاية الصلاة التى يغيب فيها المسلم أو الرسول (ص) عن غيره غيابا تاما تتعارض مع أمر الله بأخذ النبى(ص) والمسلمون أسلحتهم معهم فى الصلاة عند الجهاد فى قوله تعالى :
"وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم"
فلو كانت الصلاة غياب تاما عن بقية الوجود فلماذا سيأخذ السلاح بجانبه ؟
ولو كان المطلوب الغياب التام فلماذا أمر بالصلاة دون سكر قبل نسخ شرب الخمر نهائيا ولماذا بين الله أن المطلوب هو وهى المسلم وعيا تاما لما يقول وفى هذا قال تعالى :
"يا أيها الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون"
ثم قال :
"لكنه يبين أنه لا ينبغي البقاء في سماء الحقيقة المطلقة دون النزول إلى معرفة العوالم فيقول:
(وقد عاد محمد من المعراج ووصل عيسى من السماء الرابعة ما أروعه من مجلس حيث يكون الساقي هو الحظ وندماؤه الجنيد وبايزيد كنت أعاني من الخمار عندما كنت مريدا ولم أدر أن الحق نفسه مريد لنا والآن نمت ومددت قدمي عندما أدركت أن الحظ السعيد قد جذبني)
إنه نزول العارف إلى معرفة العوالم ومعرفة نفسه، ولا تتم المعرفة إلا بهذا النزول وحين نزل قال:
(الحق أن العالم ليس سوى زبد لهذا البحر، وماؤه هو علوم الأولياء)
وقال:
(يفر الناس من التتار ونحن نعبد خالق التتار)
وقال:
(لا تتحدث كثيرا عن نكبة التتار، تحدث عن نافجة المسك لدى غزال التتار)
وقال للذين لم يعرفوا نفوسهم قبل الصعود، ولم يكن لهم نزول بعد صعود:
(أنت ذلك الرجل الذي ركب على الحمار وظل يسأل عنه هنا وهناك) "
كلام غامض كما قلت سابقا وتكرار للكلام عن الحق بالمحرمات خاصة الخمر وكلام لصرف العباد عن جهاد التتار الكفار بالتفكير فى نافجة الكس كفى الغزال فالرجل بدلا من أن يجاهد وأن يأمر المؤمنين بالجهاد يقعدهم عن الجهاد فى العبادة التى تعنى الصلاة والصوم وليس طاعة كل أحكام الله
ويحدثنا الحسينى عن قيمة الإنسان عند الرومى فيقول :
(الحق تعالى جعل لك قيمة عظيمة، إذ يقول: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) ، أنت في القيمة أسمى من العالمين كليهما فماذا يمكن أن أفعل إذا كنت لا تعرف قدرك؟!لا تبع نفسك رخيصا، وأنت نفيس جدا في عيني الحق) وحتى لا يبقى الجاهل حائرا، بين له ضرورة العارف المرشد له بقوله:إذا كنت لا تعرف الطريق إلى قصر سليمان فاسأل الهدهد "
وكما قلت يعبرون تعبيرات غامضة لا يفهمها الناس فبدلا من أن يقول فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون يأتينا بحكاية الهدهد وقصر سليمان والسؤال عنه ولا يعرف للرجل قصر ثم حدثنا عن جلال الدين: شيخا مربيا فقال:
" - مولانا جلال الدين: شيخا مربيا
بعد اختفاء شمس وفقدان مولانا أمله في الاجتماع بشبحه، نظر في باطنه فوجد الصورة الشمسية الصفاتية قد انطبعت فيه ووجد معارف روحه قد تجمعت لديه ومن تلك الصورة الشمسية الوهاجة أشرق على مريديه مربيا ومرشدا
كان يأمر مريده بالعزلة والصمت ويقول له:
(ابحث عن أمنك في العزلة) (لكي لا تقع عين الغير على أفعالك الحسنة لا تعرضها لأعين الناس) (اصمت والزم فن الصمت) (دع عنك كل لغو مزوق) "
الخطأ هنا هو المر بالعزلة والصمت وهو كلام يتعارض مع قوله تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى" فكيف يتعاون المسلمون وكل منهم فى عزبة بعيدا عن الأخر وكيف يصمتون والله يقول آمرا إياهم "وقولوا للناس حسنا" ثم قال الحسينى:
"وكان يبين له أن التعلق بالحظوظ هو مقتل الإنسان، ويقول له:
(المشانق ليست كلها من الخشب فإن المنصب والرفعة والحظوة في شئون هذه الدنيا هي أيضا مشنقة عظيمة مرتفعة، عندما يشاء الحق تعالى أن يعاقب شخصا يعطيه في هذه الدنيا منصبا رفيعا ومملكة عظيمة على غرار فرعون ونمرود وأمثالهما، كل هذه المناصب الرفيعة كالمشنقة يضعهم الحق تعالى فوقها حتى تطلع جملة الخلق عليها)
وكان يوجه مريديه إلى التوبة عن الذنوب مهما كثرت فالاستقامة تمحو ما سبقها من العلل، ويقوللا تقل: (إنني أحدثت انحرافات)، الزم طريق الاستقامة، ولن تبقى بعد ذلك انحرافات)
(الاستقامة مثل عصا موسى، وتلك الاعوجاجات مثل ألاعيب سحرة فرعون: عندما تأتي الاستقامة تبتلع كل تلك الألاعيب)
وكان يسوق قلوب التلاميذ إلى نقاء العقيدة السليمة، ويقول لهم:
(الحق تعالى منزه عن الأقرباء (لم يلد ولم يولد)، لا يجد إنسان طريقا إليه إلا بالعبودية (والله الغني وأنتم الفقراء)) (تكلم الحق تعالى مع موسى عليه السلام ومهما يكن، فإنه لم يتكلم بالحروف والأصوات، ولا بالحنجرة واللسان، لأن الأحرف لابد لها من حنجرة وشفة لكي تظهر، تعالى الحق وتقدس، وهو منزه عن الشفة والفم والحنجرة) وكان مع ذلك يبين لهم أن العالم محتاج إلى أحوالهم أكثر من حاجته إلى أقوالهم، فأوساخ العالم تنتظر ماء الروح غير الآسن، كان يقول لهمفالماء غير الآسن هو الذي ينظف كل أوساخ العالم وهي لا تؤثر فيه، يظل صافيا ونظيفا مثلما كان) أما من كان جافا من ذلك الماء الروحي فما عليه إلا أن يصحب وليا ينفخ فيه روح الحياة، كما كان عيسى عليه السلام ينفخ الأرواح في الصور، وكان يقولإن العلاج للجاف ومن لا مدد لديه هو النفخة الإلهية، والنخلة اليابسة قدمت الثمرة إلى مريم بأمر الحق، وظفر الميت بحياة جديدة من النفخة الإلهية)
وكان ينبه إلى أن تلك النفخة لا ينالها إلا من أدركته العناية، فكم من عاملة ناصبة قصرت عن إدراك الفلاح؛ لأنها حرمت من تلك العناية، وكان يقولعلى أن العناية من جانب الحق شيء والاجتهاد شيء آخر، ولم يصل الأنبياء إلى مقام النبوة بوساطة الاجتهاد ومهما يكن فإن فرعون أيضا اجتهد اجتهادا عظيما في البذل والإحسان وإشاعة الخير؛ ولكن لأنه لم يكن ثمة عناية فإن تلك الطاعة وذلك الإحسان لم يكن لها إشراق وأخفيت تلك الأعمال كلها) "
وما قاله الرجل عن أن النبوة ليست بالاجتهاد ليس صحيحا فلابد أن يكون أى نبى رجلا مفكرا فى الخالق والمخلوقين لابد أن تسيطر عليه فى فترة ما قبل النبوة فكرة العدل الإلهى وان يكون سلوكه بناء على تلك الفكرة فالأنبياء إن لم يكونوا مجدين مخلصين لتلك الفكرة فإنهم لن يصلحوا للنبوة
وكلامه عن خيرية فرعون كلاما يتنافى تماما مع قوله تعالى وإن فرعون لعال فى الأرض وإنه لمن المسرفين"
ثم حدثنا عن نصائح الرومى للوزراء والأمراء وهو كلام يتنافى مع عزلة الرجل حتى أنهم يروون أنه كان يدخل الخلوة شهورا طويلة لا يخرج منها خاصة عزلته بعد اختفاء شمس التبريزى للمرة الثانية وفى هذا قال الحسينى:
"ولم يكن توجيهه الإرشادي ينحصر في عامة الناس لكنه كان يوجه العلماء والوزراء والأمراء
ومن ذلك توجيهه للوزير برانه ، وربما وبخه بكلمة أو رسالة
يقول مولانا الرومي:
(قلت للأمير برانه: إنك في أول الأمر برزت بطلا للإسلام إذ قلت: سأقدم نفسي فداء، سأضحي بعقلي وتدبيري ورأيي من أجل بقاء الإسلام، وكثرة أهل الإسلام لكي يستمر الإسلام آمنا وقويا ولكن عندما اعتمدت على رأيك ولم تر الحق، ولم تنظر إلى كل شيء على أنه من الحق، جعل الحق تعالى ذلك السبب والسعي نفسه سببا لنقص الإسلام، فقد حالفت التتار، وقدمت لهم العون، لتفني الشاميين والمصريين، وتخرب دولة الإسلام، ولذلك فإن الله سبحانه جعل ذلك الذي كان سببا لبقاء الإسلام سببا لاضمحلاله، وفي هذه الحال، توجه إلى الله عز وجل الذي هو محل الخوف، وتصدق لعل الله يخلصك من حال الخوف السيئة هذه، ولا تقطع الرجاء منه، برغم أنه ألقاك من مثل تلك الطاعة في مثل هذه المعصية كان غرضي أن يفهم هذا، فيتصدق، ويتضرع فقد انحدر من حال غاية في السمو إلى حال من الضعة )
إنه مع كونه ينصح العامة باجتناب صحبة الملوك، لكنه يفهم أن توجيههم ونصحهم هو وظيفة العلماء، يقول مولانا الروميوخطر صحبة الملوك لا يكمن في أنك قد تخسر حياتك: فعلى الإنسان أن يخسر حياته في النهاية، سواء أكان ذلك اليوم أو غدا(لكنه) عندما يدخل (عليهم) فلا بد للشخص الذي صحبهم وادعى صداقتهم، وقبل أعطياتهم أن يتكلم وفقا لرغباتهم، وسيقبل آراءهم السيئة من كل قلبه، ولن يكون قادرا على مخالفة أقوالهم الخطر من هذه الوجهة، لأن ذلك يؤذي الدين) لكنه مع ذلك يبين معنى قول النبي عليه السلام):شر العلماء من زار الأمراء، وخير الأمراء من زار العلماء، نعم الأمير على باب الفقير، وبئس الفقير على باب الأمير)فيقول في الشرحفهم الناس ظاهر هذا القول على أنه لا ينبغي للعالم أن يزور الأمير لكي لا يكون من شرار العلماء، وليس معنى هذا القول كما ظنوا، بل معناه أن شر العلماء من يحصل على مدد من الأمراء، ويكون صلاح حاله وسداده بسبب الأمراء، وخوفا منهم ) (والحاصل أنه، سواء أكان الأمير هو الذي يزوره شكليا أم أنه يذهب هو لزيارة الأمير ) "
ليس الغرض من هذا النقد هو الحط من الرومى والله أعلم هل كان هناك رومى حقا يدعى جلال الدين أم أنه خرافة من خرافات تاريخنا الكثيرة والكبيرة وإنما الغرض هو بيان الأخطاء الواردة فى الكتاب
الكتاب من تأليف محمود أبو الهدى الحسيني من أهل العصر وكما هو الحال عندما يؤلف أحد الصوفية كتابا عن صوفى أخر فالنتيجة أن يكون الأول مولانا واطلاق كلمة مولانا على إنسان هو أمر غريب فمولانا هو الله تعالى كما قال الله على لسان المسلمين"أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين "
فكيف بلغت الجرأة بالقوم أن يسموا واحدا منهم مولانا والمفروض أنها لا تطلق إلا على الله فهو مولى وهو ولى المؤمنين والأغرب أن يعيش جلال الدين فى عصر الهزائم الأكبر فى التاريخ المعروف ويطلق عليه هذا الاسم
وكعادة الصوفية تكون عباراتهم غامضة وغير مفهومة وهذا هو مقدمة الحسينى التى قال فيها:
"تتكشف فوق العالم سحب الظلم والظلمات، وتفترس الحيرة أفئدة الأنام، ولا يحتاج الناس إلى شيء كحاجتهم إلى شمس يستطيع شعاعها اختراق السحب إلى قلوب طال فيها دجى الليل ويرتفع صوت ينادي: أيروق لكم حديث الحب في وقت حملت إليكم فيه الكره جحافل الطامعين؟ ويجيب الكتاب المنير قائلا:
(فسوف ياتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم) ويطل علينا من أولئك القوم وجه القمر المنير مولانا جلال الدين البدر الذي استغرق قلبه في شمس الحقيقة حتى صار شمسا فأنار للخلق ربوعهم في كل حين وإنني إذ أخط بقلمي كلمات على أذيال تلك الشمس، أعترف بالعجز والقصور عن إدراك سناها العظيم، لكنها خيوط تستمد منها لتنسج على رفرف عبقريها الحسان "
الرجل يتحدث عن الرومى وكأنه محمد(ص) القمر المنير والشمس المنيرة كما قال تعالى "وسراجا منيرا"
وكالعادة لابد من مدح أسرة الرومى بالقول:
"لم يكن غريبا أن يسلك مولانا الرومي ذلك المسلك وطفولته وشبابه وأسرته لا تخرج عن ذلك المضمون العلمي والعملي والذوقي، فقد كان – كما قالوا – (مصباحا مطهرا منظفا سكب فيه الزيت ووضع له الفتيل وابتغاء إشعال هذا المصباح لا بد من النار) "فوالده واعظ صوفي عالم"
وبالقطع عندما يكون البحث عن فرد فلابد من الكلام عنه لأن الأسرة قد تكون كافرة كأسرة إبراهيم(ص)حيث الأب صانع الأصنام مع هذا خرج من صلبه نبى وكالعادة لابد أن تحيط بفرد كهذا معجزات وغيبيات ما أنزل الله بها من سلطان وفى هذا قال :
"وطفولته شهد تاريخها أعلام الذوق والمعرفة كالعطار ، وابن عربي الذي صرخ – كما يروى – حين رآه في طفولته ماشيا خلف والده: (سبحان الله محيط يمشي خلف بحيرة) ""
قولة كاذبة قالها كاذب سواء من قالها كان ابن عربى حقا أو غيره ممن ألفوا تاريخنا ونسبوا الكتب والأقوال لتلك الشخصيات فالقائل عرف الغيب وهو كونه محيط علم وهو طفل وهو ما يعارض أن لا أحد يعلم الغيب سوى الله وفى هذا قال سبحانه:
"قل لا يعلم من فى السموات والأرض الغيب إلا الله"
ثم حدثنا عن مسيرة حياته فقال:
"وأغنى سلوكه سفره المتواصل بصحبة أسرته من الشرق إلى الأناضول مرورا بمكة ودمشق وحلب ودفعته سريعا إلى الصدارة وفاة والده وهو في ريعان الشباب وقربه من روحانيته أكثر فأكثر قدوم (برهان الدين) أحد تلامذة والده من الشرق، فصحبه وتأثر به لكن الحدث الأكبر الشهير الذي أدخله في السلوك الصوفي حقيقة كان لقاؤه بشمس تبريز ، وأنشده الشمس من ديوان سنائيإذا لم يحرر العلم النفس من النفس فإن الجهل خير من علم كهذا) فأشعل في قلبه جذوة الشوق إلى المعرفة، ودخل مع شمسه خلوة أنضجته قال مولانا الرومي:
(دون العون المنقذ لسيدي شمس الحق التبريزي لن يكون في وسع أحد أن يتأمل القمر أو يغدو البحر)
ومع أن صحبته للشمس كانت قصيرة؛ لكنها أغنت روحه بأشواق وإحراق، فلما غاب الشمس غيبته الأولى ألهب بغيبته قلبه، ولما غاب غيبته الثانية نظر في باطنه فوجده فيه وبعدها سلك سلوكا خاصا بارتكاب المشاق ملتذا بها أيما التذاذ، فكان في الشتاء القارص يصعد إلى السطح ويقضي الليل كله في الصلاة والنحيب، حتى تتورم قدماه ، وكان يصوم إلى درجة الهزال والنحول تلك هي عناوين سلوكه في مبتدئه الروحي "
كلام لا يبين علم الرجل ولا فضله وإنما يبين جهله فالرجل ارتبط برجل بدلا من أن يرتبط بكلام الله وكأن شمس تبريز هذا أصبح هو الله تعالى عن ذلك فالرجل يصلى ويصوم حتى ينحل وتتورم أقدامه وهو سلوك من يجهل دين الله فالله لم يفرض صوما سوى رمضان ولا صلوات سوى المفروضة وكل صلاة شغلت عن طاعة أخرى فهى عصيان لله فماذا أفادت كثرة الصلاة والصوم إلا عصيان قوله تعالى " وما جعل عليكم فى الدين من خرج" فالرجل أحرج نفسه أى آذاها بكثرة الصلاة والصوم بينما المفروض فى ذلك الزمن كما هو المفروض فى زماننا هذا هو جهاد الأعداء لأن هزائمنا كصيرة ووضع الناس بؤس البؤس
وتحت عنوان قلبا مؤمنا مصدقا بحقائق الوحي قال الحسينى:
" مولانا جلال الدين: قلبا مؤمنا مصدقا بحقائق الوحي
وها هنا نجد قلبا آمن وصدق حتى صار صديقا، وبدلا من الخوض في متاهات التخيل العقلي جلا مرآة قلبه فانطبعت فيها من غير كلفة حقائق الغيب وقال لأصحابه:
(جاء صديق ليوسف من السفر فسأله يوسف: ماذا أحضرت لي من الهدايا؟ فقال الصديق:وأي شيء ليس عندك، وأنت محتاج إليه؟ ولكن لأنه لا يوجد من هو أجمل منك أتيت لك بمرآة لكي ترى فيها وجهك كل لحظة فأي شيء ليس عند الحق تعالى، وهو محتاج إليه؟ ينبغي أن يقدم الإنسان للحق تعالى قلبا صافيا مضيئا ليرى ذاته فيه(إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم وإنما ينظر إلى قلوبكم) فإذا جليت مرآة القلب فلن ترى فيها غير المحبوب، والقرآن هو وصف المحبوب لأن الكلام صفة المتكلم، لهذا لم يكن مولانا الرومي يبحث عن المحبوب إلا في المحبوب، وقال:
(التمس معنى القرآن من القرآن وحده)
وكأنه يتمثل في ذلك قول سنائي:
كل شيء لا تحصل عليه حتى تبحث عنه إلا هذا الحبيب لن تبحث عنه حتى تحصل عليه
ورسخ الشمس التبريزي لديه الاستمداد من ينبوع الوحي، لأن كل الكلمات وروائع الأدب الصوفي لم تكن عند شمس ترقى إلى رتبة حديث نبوي صحيح واحد دافع مولانا بقوة عن كل حقائق القرآن، وصرخ في أسماع العالم مبينا له أنها ليست من وضع النبي صلى الله عليه وسلم بقولهرغم أن القرآن من شفتي النبي فإن كل من يقول إن الحق لم يقله كافر) وكذا بقوله:
كان المصطفى صلى الله عليه وسلم يخبر عن أناس وأنبياء مضوا قبل وجوده بعدة آلاف من السنين وماذا سيكون حتى آخر الدنيا وعن العرش والكرسي كيف يخبر الحادث عن القديم وهكذا غدا معلوما أنه ليس الذي هو كان يقول بل الحق هو الذي يقول:
(وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى)"
الحسينى هنا يقول أن الرجل كان يعمل بالقرآن قلبا وقالبا بينما الرجل أساسا افترى كما فى حكاية يوسف(ص) التى حكاها تحت العنوان مباشرة والرسل (ص) لا ينسب حكايات لهم بألفاظ صوفية ومعانى صوفية لكونها لغة غامضة لم يقولوها فهذا من ضمن الكذب عليهم بينما لغتهم كانت كلاما مبينا أى واضحا يفهمه الناس كما قال تعالى :
"وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه ليبين لهم"
ثم قال الحسينى:
"وتفاعل مع كلمات القرآن تفاعلا كبيرا، فكان تارة يكررها بألفاظهازين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا) ، ثم يعلق بقولهولأن الله قال: (زين) فإنها ليست جميلة حقا بل إن الجمال فيها مستعار، وآت من مكان آخر عملة زائفة مطلية بالذهب) "
الخطأ فى كلام الرومى أن زين ليست جميلة وزائفة وهو ما يناقض كون كل ما خلقه حسن أى جميل أى متقن كما قال تعالى " الذى أحسن كل شىء خلقه" وقال " صنع الله الذى أتقن كل شىء"
ثم قال الحسينى:
"ومن أكثر الآيات ورودا في كتبه ودواوينه: آية النور في سورة النور (مثل نوره)، وآية المعرفة في سورة الأعراف (ألست بربكم)
وكان تارة أخرى يقتبس من معاني القرآن أو يعبر عن آيات بنفس معانيها، لكن بألفاظ أخرى
ومن ذلك قوله:
(طرنا مع آية الكرسي نحو العرش فرأينا الحي، وبلغنا القيوم)
(لم يبكي الإنسان على يوسف النفس في البئر؟)
(فاجذب مثال (إنا أعطيناك) إلى السائل المحروم
عندما تتلو الشفة (الحمد) أعطها نقلا وخمرة من دون حد
وعندما تتلو (ولا الضالين) اجذبها إلى الدلائل
أسير الألم والحسرة أعطه رسالة (لا تأسوا)
(يونس السجين في بطن الحوت نجا)
(أعد صومعة مريحة ليونس في الحوت، وأخرج أخيرا يوسف من غيابة الجب)
(يوسف بعد احتمال محنه بصبر نعم بالسعادة ووصل إلى أعلى وظيفة في مصر)
(إبراهيم الخليل خليل الله هو المسلم الحق الذي لا يحب الآفلين لكن النار صارت بردا وسلاما عليه)
(فيلة العدو قتلت على نحو معجز بوساطة الطير الأبابيل)
(ومن هنا فإن فك الأغلال الخارجية يوم البعث، عندما تخرج الأرض أثقالها سيكون تحريرا للبشر) ويذكر النبي يوسف مفسرا للأحلام ويذكر عاد وثمود ويذكر أيوب الصابر في بلواه
ويحكي كيف أصيب يعقوب بالعمى من الحزن واشتياقا إلى يوسف مثال الجمال ويشبه نفسه بداود الذي يخاطب الطير مرتلا أغزاله كأنها كتاب المزامير "
إما أن نكون نحن مجانين فنصدق هذا الكلام الأحمق وإما نبين أنه كلام كذب وافتراء فكيف طار الرومى للسماء وشاهد الله والله يقول " لن ترانى" وكيف يعبر عن الحلال بالمحرمات كالخمر ؟
ثم قال الحسينى:
"وترى مولانا الرومي بعد هذا يدافع بقوة عن أحكام فقهية قرآنية، كدفاعه عن حكم القرآن في القصاص من القاتل بالقتل فيقول:
(قال الله تعالى: (ولكم في القصاص حياة)، لا شك بأن القصاص شر وهدم لبنيان الله تعالى، ولكن هذا شر جزئي، وصون الخلق عن القتل خير كلي، وإرادة الشر الجزئي لإرادة الخير الكلي ليست بقبيحة، وترك إرادة الله الجزئية رضاء بالشر الكلي فهو قبيح) "
والخطأ هنا أن يصف الرومى حكم الله وهو القصاص بالشر وحكم الله عادل كما قال تعالى "وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا" إن من يقول هذه القولة ليس سوى كافر عندما يصف حكم الله بالشر ثم قال:
"ويحكم مولانا الرومي بحكم القرآن الكريم على الخنزير أنه نجس، ويستخدمه للتمثيل بالصفات البشرية المنحطة"
والخطأ فى الكلام هو جعل الخنزير نجس فالله لم يصف مخلوقا خلقه بالنجس سوى الكفار المشركون كما قال تعالى "إنما المشركون نجس"وكيف يكون الخنزير نجس والله يقول عن كل مخلوقاته " الذى أحسن كل شىء خلقه "
والحديث فى آيات الطعام ليس عن الخنزير وإنما عن حرمة لحكم الخنزير بكونه رجس أى أذى أى ضرر ثم قال الحسينى:
"ولم يكن مولانا يعبر في بيانه عن حقائق القرآن وحسب، إنما كان يعبر عن الوحي الثاني في الحديث النبوي الشريف، إما بإيراد للحديث بلفظه، أو بإدخال شروح دقيقة تبرز ما خفي فيه من المعاني
يقول مولانا الرومي:
(قال النبي عليه الصلاة والسلام: اعلم أن (المؤمن كالجمل)، ثمل دائما بالحق الذي يقوده كسائق الجمل) ولفظ الحديث: المؤمن كالجمل الأنف (أي الذلول) حيثما قيد انقاد
فأورد لفظ الحديث ثم دخل إلى حقيقة تستتر خلف ألفاظه بقوله (ثمل دائما بالحق الذي يقوده) وهو بيان لسر سهولة انقياد المؤمن الذي ورد في مناسبة هذا الحديث ومما تقدم يظهر انفعال مولانا الرومي الكبير لحقائق الوحي تصديقا وإيمانا ومنافحة "
وكما قلت سابقا المسلم لا يستخدم ألفاظ المحرم للتعبير عن الحق فاستعمال لفظ ثمل وهو السكران لا يجوز لوصف شىء حقيقى أو حق
وتحت عنوان جلال الدين: روحا عاشقا قال الحسينى:
"- مولانا جلال الدين: روحا عاشقا :
العشق في روح العاشق الرومي خراب، ومن يدعو العشق إليه كطائر يدعو جملا إلى عشه وحين يضع خفه فيه يخربه ، وعش الطائر العقل إنه آكل الناس، وعلى الإنسان أن يجعل نفسه لقمة أمامه، وما أتعس من كان لقمة حامضة للعشق، لأن هضمه سيكون بطيئا جدا، أما الولي فهو لقمة حلوة يسهل على العشق هضمها
يحدث هذا العشق عندما تمسك يد القلب يد الحبيب؟ وعندها يظن أنه سيصطاد الغزال لكنه يصاد بذلك الغزال وعندها يندفع سكره وخماره بالمحسوسات لأن الحبيب الساقي أدار عينه النرجسية المسكرة وعندها ومع طلوع الشمس تمحى كل الأقوال ويصير رداء العقل – العالم النحرير – وعمامته رهنا عند كأس العشق ويغدو ذلك العقل حيران جاهلا مذهب العشق، مع أنه مطلع على جملة المذاهب "
نفس الخطأ التعبيرى وهو التعبير عن الحق بالباطل ممثلا فى الخمر والسكر والنظر فى العيون المحرمة ومسك يد الحبيب وهو ما يتكرر فى الفقرة التالية بجعل حب الله وهو طاعته مرضا فى القول:
وعندها يصير القالب الجسماني أيضا راوية يروي عن العقل الذاهل والروح العاشق فترى في ذلك القالب الجسماني وجها شاحبا وشفة جفت ويظهر فيه المرض السماوي العجيب الذي لا يعرفه جالينوس المرض الذي لا فائدة للدواء والعلاج في بلائه وينوح حتى تنوح السماء لنواحه ويأرق حين ينام غيره ممن لا يعرفون للعشق إليهم سبيلا ويظهر ذلك العاشق بين مائة شخص وضاءا كالقمر اللألاء في السماء بين الكواكب وبعدها يتعلم آلاف الآداب الروحية التي لم يكن له أن يتعلمها من المكاتب
ويقدم الروح قربانا لروح روح الروح الذي جاء
ويحني عنقه لمعشوقه قائلا: (قد سببت لك صداعا، فاقطع عنقي عمدا)
ويرى المجانسة بين استعداده واستعداد المنصورين الذين لا يعرفهم أحد، الذين تركوا القول على المنابر واعتلوا المشانق إنهم عرفوا أن الدنيا سجن العاشق، وأدركوا أن العيش الحق لا يكون إلا بخراب السجن وليس كل عاشق يتجلى فيه هذا الاستعداد لأن خياط العشق يفصل لكل عاشق قباء على قدر قده وحين يصح العشق يتبدل في الإنسان كل شيء ويتحول الأرمني إلى تركي وتظهر العبودية لوجه المعشوق فيقسم بحياته: (إن كل شيء ما خلا رؤية وجهه، حتى لو كان ملك الأرض، خيال وخرافة) "
ونرى فى الفقرة السابقة مخالفة لكلام الله بتخريب الدنيا مع قوله تعالى " "قل من حرم زينة الله التى أخرج لعباده والطيبات من الرزق"
فالله لم يحرم على المسلمين متاع الدنيا الحلال وهو ما فهمه المسلمون حينما قالوا قارون" ولا تنس نصيبك من الدنيا"
ثم قال:
"يعلم أن الشهرة سد عظيم في الطريق إلى محبوبه والذي عشقه ودينه خدعة ورياء، عليه أن ينام لأن طريق العشق خارج عن الاثنتين والسبعين ملة ثم هو يذكر المعشوق الذي (أسرى بعبده ليلا) إنه نفس معشوقه، لأن معشوقه أزلي أبدي وفرع عشقه في الأزل وأصله في الأبد فإلى متى يعانق الحمقى معشوقا ميتا؟! هل السكر أحلى أم ذلك الذي يصنع السكر؟
هل القمر أجمل أم ذلك الذي يصنع القمر؟ معشوقه جعلت الدنيا والآخرة نثارا على جماله
أما الكلام على العشق فهو غير درس أبي حنيفة ورواية الشافعي لأن علم: (يجوز) و (لا يجوز) مستمر حتى حين، وعلم العاشقين ليس له نهاية به صارت كل ذرة متحدثة بسبب عشق وجه الحبيب لذلك حبس الأنفاس واكتفى لأن المعشوق نفسه، الذي يصنع من الأذن بصرا سيتكلم "
كلام مجانين بالفعل فالرومى أو الصوفية يظنون أنفسهم خارج الشرع يجوز ولا يجوز وهو فعل الكفرة فالشعر السابق يجعل العاشق والمعشوق واحد وهو ما يسمونه الفناء أو حلول الإله فى المخلوق والعكس وهو كلام يناقض قوله تعالى " ليس كمثله شىء" فالله شىء فير كل الـشياء مثل الإنسان
وتحت عنوان جلال الدين: عارفا صوفيا ذائقا أكمل الحسينى قائلا:
"- مولانا جلال الدين: عارفا صوفيا ذائقا
تتجلى معرفة مولانا الرومي بالله وذوقه فيما نقل عنه من البيان والشعر تجليا لا خفاء فيه فمعارفه لم تكن معارف العقل المستدل بالكون على مكونه، لكنها كانت معارف الروح والسر التي تستمد مواردها من الحقيقة المطلقة الأزلية الأبدية، ثم تنزل بمشاهدها من هناك إلى عوالم التكوين وها هو ينطق بذلك قائلا لإخوانه في مجلس الأنس:
(أصل هذه العلوم جميعا من هناك، وقد انتقلت من عالم اللاحرف واللاصوت إلى عالم الحرف والصوت، وفي ذلك العالم يكون القول من دون حرف ومن دون صوت) (وكلم الله موسى تكليما ) "
ويدعو في قصة جرة الأعرابي إلى طهارة الحواس حتى تتصل بالحقيقة المطلقة، فيقول:
(إن الجرة ذات المنافذ الخمس، هي الحواس الخمس، فاحفظ هذا الماء طاهرا من كل دنس، حتى يصبح لهذه الجرة منفذ صوب البحر، وحتى تتخذ جرتنا طبع البحر ويصبح ماؤها بلا نهاية من بعد ذلك)
وكأنه يشير إلى معنى الحديث القدسي: كنت سمعه الذي يسمع به و يخبر عن حقيقة هذا الاتصال في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم حيث يكون له فيها مع الله وقت لا يسعه فيه نبي مرسل ولا ملك مقرب حيث يكون في استغراق تام وغياب تبقى فيه تلك الصور جميعا خارجا، ليس لها مكان هنالك حتى جبريل، ليس له مكان أيضا
ويفهم هذه الحال في قوله تعالى:
(الذين هم على صلاتهم دائمون) فالصلاة الدائمة صلاة الروح المشاهد، وصلاة الصورة مؤقتة وليست بدائمة وها هو عيسى عليه السلام أيضا ثمل بالحق، أما حماره فهو ثمل بالشعير وكأنه يصنف الناس صنفين، صنف خلف عيسى في مشاهدة الحق، وصنف خلف ذلك الحمار الذي لا يشاهد غير الشعير
ثم يقول مؤكدا تلك الحقيقة:
(عيسى ابن مريم، مضى إلى السماء، وحماره بقي في الأسفل وأنا بقيت في الأرض، وقلبي صار في الأفق الأعلى) "
كما سبق القول إن الصوفية يفترون الحكايات فلا يوجد حمار لعيسى(ص) وهذا الخمار هو ليسوع فى العهد الجديد وهو بالتأكيد ليس عيسى المسيح(ص) وحكاية الصلاة التى يغيب فيها المسلم أو الرسول (ص) عن غيره غيابا تاما تتعارض مع أمر الله بأخذ النبى(ص) والمسلمون أسلحتهم معهم فى الصلاة عند الجهاد فى قوله تعالى :
"وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم"
فلو كانت الصلاة غياب تاما عن بقية الوجود فلماذا سيأخذ السلاح بجانبه ؟
ولو كان المطلوب الغياب التام فلماذا أمر بالصلاة دون سكر قبل نسخ شرب الخمر نهائيا ولماذا بين الله أن المطلوب هو وهى المسلم وعيا تاما لما يقول وفى هذا قال تعالى :
"يا أيها الذين أمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون"
ثم قال :
"لكنه يبين أنه لا ينبغي البقاء في سماء الحقيقة المطلقة دون النزول إلى معرفة العوالم فيقول:
(وقد عاد محمد من المعراج ووصل عيسى من السماء الرابعة ما أروعه من مجلس حيث يكون الساقي هو الحظ وندماؤه الجنيد وبايزيد كنت أعاني من الخمار عندما كنت مريدا ولم أدر أن الحق نفسه مريد لنا والآن نمت ومددت قدمي عندما أدركت أن الحظ السعيد قد جذبني)
إنه نزول العارف إلى معرفة العوالم ومعرفة نفسه، ولا تتم المعرفة إلا بهذا النزول وحين نزل قال:
(الحق أن العالم ليس سوى زبد لهذا البحر، وماؤه هو علوم الأولياء)
وقال:
(يفر الناس من التتار ونحن نعبد خالق التتار)
وقال:
(لا تتحدث كثيرا عن نكبة التتار، تحدث عن نافجة المسك لدى غزال التتار)
وقال للذين لم يعرفوا نفوسهم قبل الصعود، ولم يكن لهم نزول بعد صعود:
(أنت ذلك الرجل الذي ركب على الحمار وظل يسأل عنه هنا وهناك) "
كلام غامض كما قلت سابقا وتكرار للكلام عن الحق بالمحرمات خاصة الخمر وكلام لصرف العباد عن جهاد التتار الكفار بالتفكير فى نافجة الكس كفى الغزال فالرجل بدلا من أن يجاهد وأن يأمر المؤمنين بالجهاد يقعدهم عن الجهاد فى العبادة التى تعنى الصلاة والصوم وليس طاعة كل أحكام الله
ويحدثنا الحسينى عن قيمة الإنسان عند الرومى فيقول :
(الحق تعالى جعل لك قيمة عظيمة، إذ يقول: (إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة) ، أنت في القيمة أسمى من العالمين كليهما فماذا يمكن أن أفعل إذا كنت لا تعرف قدرك؟!لا تبع نفسك رخيصا، وأنت نفيس جدا في عيني الحق) وحتى لا يبقى الجاهل حائرا، بين له ضرورة العارف المرشد له بقوله:إذا كنت لا تعرف الطريق إلى قصر سليمان فاسأل الهدهد "
وكما قلت يعبرون تعبيرات غامضة لا يفهمها الناس فبدلا من أن يقول فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون يأتينا بحكاية الهدهد وقصر سليمان والسؤال عنه ولا يعرف للرجل قصر ثم حدثنا عن جلال الدين: شيخا مربيا فقال:
" - مولانا جلال الدين: شيخا مربيا
بعد اختفاء شمس وفقدان مولانا أمله في الاجتماع بشبحه، نظر في باطنه فوجد الصورة الشمسية الصفاتية قد انطبعت فيه ووجد معارف روحه قد تجمعت لديه ومن تلك الصورة الشمسية الوهاجة أشرق على مريديه مربيا ومرشدا
كان يأمر مريده بالعزلة والصمت ويقول له:
(ابحث عن أمنك في العزلة) (لكي لا تقع عين الغير على أفعالك الحسنة لا تعرضها لأعين الناس) (اصمت والزم فن الصمت) (دع عنك كل لغو مزوق) "
الخطأ هنا هو المر بالعزلة والصمت وهو كلام يتعارض مع قوله تعالى "وتعاونوا على البر والتقوى" فكيف يتعاون المسلمون وكل منهم فى عزبة بعيدا عن الأخر وكيف يصمتون والله يقول آمرا إياهم "وقولوا للناس حسنا" ثم قال الحسينى:
"وكان يبين له أن التعلق بالحظوظ هو مقتل الإنسان، ويقول له:
(المشانق ليست كلها من الخشب فإن المنصب والرفعة والحظوة في شئون هذه الدنيا هي أيضا مشنقة عظيمة مرتفعة، عندما يشاء الحق تعالى أن يعاقب شخصا يعطيه في هذه الدنيا منصبا رفيعا ومملكة عظيمة على غرار فرعون ونمرود وأمثالهما، كل هذه المناصب الرفيعة كالمشنقة يضعهم الحق تعالى فوقها حتى تطلع جملة الخلق عليها)
وكان يوجه مريديه إلى التوبة عن الذنوب مهما كثرت فالاستقامة تمحو ما سبقها من العلل، ويقوللا تقل: (إنني أحدثت انحرافات)، الزم طريق الاستقامة، ولن تبقى بعد ذلك انحرافات)
(الاستقامة مثل عصا موسى، وتلك الاعوجاجات مثل ألاعيب سحرة فرعون: عندما تأتي الاستقامة تبتلع كل تلك الألاعيب)
وكان يسوق قلوب التلاميذ إلى نقاء العقيدة السليمة، ويقول لهم:
(الحق تعالى منزه عن الأقرباء (لم يلد ولم يولد)، لا يجد إنسان طريقا إليه إلا بالعبودية (والله الغني وأنتم الفقراء)) (تكلم الحق تعالى مع موسى عليه السلام ومهما يكن، فإنه لم يتكلم بالحروف والأصوات، ولا بالحنجرة واللسان، لأن الأحرف لابد لها من حنجرة وشفة لكي تظهر، تعالى الحق وتقدس، وهو منزه عن الشفة والفم والحنجرة) وكان مع ذلك يبين لهم أن العالم محتاج إلى أحوالهم أكثر من حاجته إلى أقوالهم، فأوساخ العالم تنتظر ماء الروح غير الآسن، كان يقول لهمفالماء غير الآسن هو الذي ينظف كل أوساخ العالم وهي لا تؤثر فيه، يظل صافيا ونظيفا مثلما كان) أما من كان جافا من ذلك الماء الروحي فما عليه إلا أن يصحب وليا ينفخ فيه روح الحياة، كما كان عيسى عليه السلام ينفخ الأرواح في الصور، وكان يقولإن العلاج للجاف ومن لا مدد لديه هو النفخة الإلهية، والنخلة اليابسة قدمت الثمرة إلى مريم بأمر الحق، وظفر الميت بحياة جديدة من النفخة الإلهية)
وكان ينبه إلى أن تلك النفخة لا ينالها إلا من أدركته العناية، فكم من عاملة ناصبة قصرت عن إدراك الفلاح؛ لأنها حرمت من تلك العناية، وكان يقولعلى أن العناية من جانب الحق شيء والاجتهاد شيء آخر، ولم يصل الأنبياء إلى مقام النبوة بوساطة الاجتهاد ومهما يكن فإن فرعون أيضا اجتهد اجتهادا عظيما في البذل والإحسان وإشاعة الخير؛ ولكن لأنه لم يكن ثمة عناية فإن تلك الطاعة وذلك الإحسان لم يكن لها إشراق وأخفيت تلك الأعمال كلها) "
وما قاله الرجل عن أن النبوة ليست بالاجتهاد ليس صحيحا فلابد أن يكون أى نبى رجلا مفكرا فى الخالق والمخلوقين لابد أن تسيطر عليه فى فترة ما قبل النبوة فكرة العدل الإلهى وان يكون سلوكه بناء على تلك الفكرة فالأنبياء إن لم يكونوا مجدين مخلصين لتلك الفكرة فإنهم لن يصلحوا للنبوة
وكلامه عن خيرية فرعون كلاما يتنافى تماما مع قوله تعالى وإن فرعون لعال فى الأرض وإنه لمن المسرفين"
ثم حدثنا عن نصائح الرومى للوزراء والأمراء وهو كلام يتنافى مع عزلة الرجل حتى أنهم يروون أنه كان يدخل الخلوة شهورا طويلة لا يخرج منها خاصة عزلته بعد اختفاء شمس التبريزى للمرة الثانية وفى هذا قال الحسينى:
"ولم يكن توجيهه الإرشادي ينحصر في عامة الناس لكنه كان يوجه العلماء والوزراء والأمراء
ومن ذلك توجيهه للوزير برانه ، وربما وبخه بكلمة أو رسالة
يقول مولانا الرومي:
(قلت للأمير برانه: إنك في أول الأمر برزت بطلا للإسلام إذ قلت: سأقدم نفسي فداء، سأضحي بعقلي وتدبيري ورأيي من أجل بقاء الإسلام، وكثرة أهل الإسلام لكي يستمر الإسلام آمنا وقويا ولكن عندما اعتمدت على رأيك ولم تر الحق، ولم تنظر إلى كل شيء على أنه من الحق، جعل الحق تعالى ذلك السبب والسعي نفسه سببا لنقص الإسلام، فقد حالفت التتار، وقدمت لهم العون، لتفني الشاميين والمصريين، وتخرب دولة الإسلام، ولذلك فإن الله سبحانه جعل ذلك الذي كان سببا لبقاء الإسلام سببا لاضمحلاله، وفي هذه الحال، توجه إلى الله عز وجل الذي هو محل الخوف، وتصدق لعل الله يخلصك من حال الخوف السيئة هذه، ولا تقطع الرجاء منه، برغم أنه ألقاك من مثل تلك الطاعة في مثل هذه المعصية كان غرضي أن يفهم هذا، فيتصدق، ويتضرع فقد انحدر من حال غاية في السمو إلى حال من الضعة )
إنه مع كونه ينصح العامة باجتناب صحبة الملوك، لكنه يفهم أن توجيههم ونصحهم هو وظيفة العلماء، يقول مولانا الروميوخطر صحبة الملوك لا يكمن في أنك قد تخسر حياتك: فعلى الإنسان أن يخسر حياته في النهاية، سواء أكان ذلك اليوم أو غدا(لكنه) عندما يدخل (عليهم) فلا بد للشخص الذي صحبهم وادعى صداقتهم، وقبل أعطياتهم أن يتكلم وفقا لرغباتهم، وسيقبل آراءهم السيئة من كل قلبه، ولن يكون قادرا على مخالفة أقوالهم الخطر من هذه الوجهة، لأن ذلك يؤذي الدين) لكنه مع ذلك يبين معنى قول النبي عليه السلام):شر العلماء من زار الأمراء، وخير الأمراء من زار العلماء، نعم الأمير على باب الفقير، وبئس الفقير على باب الأمير)فيقول في الشرحفهم الناس ظاهر هذا القول على أنه لا ينبغي للعالم أن يزور الأمير لكي لا يكون من شرار العلماء، وليس معنى هذا القول كما ظنوا، بل معناه أن شر العلماء من يحصل على مدد من الأمراء، ويكون صلاح حاله وسداده بسبب الأمراء، وخوفا منهم ) (والحاصل أنه، سواء أكان الأمير هو الذي يزوره شكليا أم أنه يذهب هو لزيارة الأمير ) "
ليس الغرض من هذا النقد هو الحط من الرومى والله أعلم هل كان هناك رومى حقا يدعى جلال الدين أم أنه خرافة من خرافات تاريخنا الكثيرة والكبيرة وإنما الغرض هو بيان الأخطاء الواردة فى الكتاب
أمس في 9:43 pm من طرف رضا البطاوى
» قراءة فى قصة طفولية المسيح عيسى(ص)
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:11 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى بحث خطأ في فهم مراد الفضيل بن عياض بخصوص ترك العمل لأجل الناس
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 9:36 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى قصة هاروت وماروت
الإثنين نوفمبر 18, 2024 9:33 pm من طرف رضا البطاوى
» أكذوبة سرقة قصة إنقاذ إبراهيم من نار نمرود
الأحد نوفمبر 17, 2024 9:39 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات في مقال السرقة المزعومة لسورة مريم
السبت نوفمبر 16, 2024 9:51 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى كتاب زواج موسى ولماذا تزوج داود وسليمان كل هؤلاء النسوة؟
الجمعة نوفمبر 15, 2024 9:18 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات في مقال كيف يقوم المخ بالحكم الأخلاقى على الأشياء؟
الخميس نوفمبر 14, 2024 9:31 pm من طرف رضا البطاوى
» نقد كتاب إبطال ما استدلّ به لإمامة أبي بكر
الأربعاء نوفمبر 13, 2024 8:56 pm من طرف رضا البطاوى