سورة آل عمران
سميت السورة بهذا الإسم لذكر آل عمران بها وقصة زوجته وابنتها مريم عليهم الصلاة والسلام فقد ذكر بقوله "إن الله اصطفى أدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين" وهذا ما نعرفه حاليا والآن إلى تفسير السورة .
"بسم الله الرحمن الرحيم ألم الله لا إله إلا هو الحى القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام"المعنى بحكم الرب النافع المفيد آيات الله لا رب إلا هو الباقى الحافظ أوحى إليك الوحى بالعدل مشابها للذى لديه وأوحى التوراة والإنجيل من قبل رشاد للخلق وأوحى الحق إن الذين كذبوا بأحكام الله لهم عقاب أليم والله قوى صاحب غضب،قوله"بسم الله الرحمن الرحيم ألم الله لا إله إلا هو الحى القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه "أصله بسم الله الرحمن الرحيم ألم نزل الله عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه لا إله إلا هو الحى القيوم والمعنى بحكم الله النافع المفيد آيات أوحى الله إليك الوحى بالعدل مطابقا للذى عنده لا رب إلا هو الباقى الحافظ ،يبين الله للنبى(ص) أنه باسمه وهو حكمه قد أنزل ألم أى آيات القرآن وتفسيرها بالحق وهو العدل وأن القرآن وتفسيره الذى قاله النبى (ص) مصدق والمراد مطابق مشابه لما بين يدى الله أى لما عند الله فى أم الكتاب مصداق لقوله تعالى بسورة الزخرف "وإنه فى أم الكتاب لدينا" وقوله بسورة المائدة"مصدقا لما بين يديه من الكتاب " فى الكعبة ويبين له أن لا إله إلا هو والمراد لا رب إلا الله فهو وحده المستحق للعبادة وأنه الحى أى الباقى الذى لا يموت كما بقوله تعالى بسورة الفرقان "وتوكل على الحى الذى لا يموت" وأنه القيوم أى الحافظ لأمر السموات والأرض ،وقوله "وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس "يعنى وأوحى التوراة والإنجيل من قبل إرشاد للخلق ،يبين الله لرسوله(ص) أنه أنزل أى أوحى التوراة إلى موسى(ص)والإنجيل على عيسى(ص) من قبل نزول القرآن هدى للناس أى إرشاد للخلق ،وقوله "وأنزل الفرقان"يعنى وأوحى القرآن وهذا يعنى أن الله أوحى الفرقان أى المفرق بين الحق والباطل وهو القرآن،وقوله "إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد "يفسره قوله تعالى بسورة الحج"والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين"فالذين كفروا أى كذبوا والشديد هو المهين والمعنى إن الذين كذبوا بأحكام الله لهم عقاب أليم ،يبين الله لرسوله(ص)أن الذين كفروا أى كذبوا بآيات الله وهى أحكام الله لهم عذاب شديد أى لهم عقاب مهين ،وقوله"والله عزيز ذو انتقام "يفسره قوله تعالى بسورة فصلت"وذو عقاب أليم"فالإنتقام هو العقاب الأليم والمعنى والله قوى صاحب عقاب ،يبين الله لرسوله(ص)أنه عزيز أى قوى ذو انتقام أى صاحب عقاب للكفار ،والخطاب للنبى(ص).
"إن الله لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء"يفسره قوله تعالى بسورة يونس"وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا فى كتاب مبين"فالله لا يخفى أى لا يعزب عنه شىء أى ذرة أو أكبر أو أصغر منها سواء فى الأرض أو فى السموات والمعنى إن الله لا يغيب عن علمه أمر فى الأرض ولا فى السموات ،يبين الله أن علمه يشمل كل أمر فى السماء والأرض ولهذا على الناس أن يحذروا من عذابه فلا يعملوا الباطل خوفا من علمه به ومن ثم عقابه لهم والخطاب للناس هو وما بعده.
"هو الذى يصوركم فى الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الزمر"يخلقكم فى بطون أمهاتكم"وقوله بسورة النمل"إن ربك يقضى بينهم بحكمه"فيصوركم يعنى يخلقكم والأرحام هى البطون كما بسورة الزمر والحكيم هو الذى يقضى بالحكم العادل والمعنى هو الذى يخلقكم فى البطون كيف يريد لا رب إلا هو الناصر القاضى ،يبين الله لنا أنه يصور الأجنة فى أرحام الأمهات والمراد يركب الإنسان فى أى صورة أى خلقة أى شكل يريد وهذا يعنى أن المورثات لا دخل لها بعملية التشكيل وهو يتم فى داخل البطون والله لا إله إلا هو أى لا رب يستحق الطاعة سواه وهو العزيز أى الناصر لمن يطيعه الحكيم أى الذى يقضى بالعدل.
"هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب"قوله"هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات"يفسره قوله تعالى بسورة الكهف"واتل ما أوحى إليك من ربك"فالكتاب يعنى ما أوحى الله والمعنى هو الذى أوحى لك القرآن وتفسيره منه أحكام مفروضات هن أصل الحكم وأحكام مماثلات،يبين الله لرسوله(ص)أنه هو الذى أنزل له الكتاب والمراد الذى أوحى إليه الوحى الذى ينقسم إلى آيات محكمات أى أحكام واجبات الطاعة هن أم الكتاب أى أصل الحكم وآيات متشابهات أى وأحكام مماثلات لها ليست واجبة الطاعة الآن وهى الأحكام المنسوخة ،وقوله" فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله"يعنى فأما الذين فى نفوسهم كفر فيقصدون الذى تماثل منه طلبا للوقيعة وطلبا لتفسيره،يبين الله أن الذين فى قلوبهم زيغ أى الذين فى نفوسهم مرض هو التكذيب لحكم الله يتبعون ما تشابه منه والمراد يطيعون الذى تماثل منه وهو المنسوخ وأسباب طاعتهم للمنسوخ هى ابتغاء الفتنة وابتغاء التأويل والمراد طلبا لإحداث الخلاف بين المسلمين وطلبا للتفسير الصحيح للوحى حتى يقدروا على قلب الحق باطلا ،وقوله"وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا "يعنى وما يعرف تفسيره إلا الله والثابتون فى المعرفة يقولون صدقنا به الجميع من لدى الله ،يبين الله لنا أن تأويل الآيات وهو تفسيرها التفسير الصحيح لا يعلم به أى لا يعرفه سوى الله والراسخون فى العلم وهم الثابتون فى المعرفة أى أهل الذكر ولا يمكن أن يعلم الله وحده بالتفسير لأن الأمر لو كان كذلك فمعناه أن كل الرسل(ص)والفقهاء كانوا جهلة لا يعرفون تفسيره وهو ما لا يقول به عاقل ،وقوله"وما يذكر إلا أولوا الألباب"يفسره قوله تعالى بسورة آل عمران"لأولى الأبصار" فالألباب هى الأبصار أى البصائر والمعنى وما يطيع الوحى سوى أهل العقول،وهذا يعنى أن أولى الألباب وهم أهل العقول أى البصائر هم الذين يذكرون الوحى أى هم الذين يطيعون حكم الله ،والخطاب للمؤمنين.
"ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الكهف"آتنا من لدنك رحمة "فهب تعنى آتنا والمعنى إلهنا لا تضل نفوسنا بعد إذ أرشدتنا وأعط لنا من عندك رأفة إنك أنت العاطى،يبين الله لرسوله(ص)أن الراسخين فى العلم يقولون فى دعائهم "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا"أى إلهنا لا تبعد نفوسنا عن الإسلام بعد إذ أرشدتنا للعمل به وهذا هو طلب النصر فى الدنيا ويقولون "وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب"أى وأعطى لنا من عندك فضل هو الجنة إنك أنت العاطى،وهذا هو طلب النصر فى الأخرة ويبين لنا أن الله هو الوهاب أى العاطى فى الدنيا والأخرة ،والقول محذوف منه بدايته وهو ما معناه قال أو دعا المسلمون فقالوا وما بعده مثله والخطاب للنبى(ص) .
"ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد"يفسر الآية قوله تعالى بسورة غافر"لا ظلم اليوم "وقوله بسورة الروم "لا يخلف الله وعده"وقوله بسورة البقرة "فلن يخلف الله عهده" فالريب هو الظلم كما بسورة غافر والميعاد هو الوعد كما بسورة الروم والعهد كما بسورة البقرة والمعنى إلهنا إنك باعث الخلق ليوم لا ظلم فيه إن الله لا ينقض عهده،يبين الله لرسوله(ص)أن الراسخين فى العلم يقولون فى الدعاء:ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه والمراد إلهنا إنك حاشر الخلق ليوم لا باطل فيه وهذا يعنى أن يوم القيامة ليس فيه ظلم وهو اليوم الذى يبعث فيه الخلق كلهم للحساب ويقولون:إن الله لا يخلف الميعاد والمراد إن الله لا ينقض عهده وهذا يعنى إيمانهم بحدوث البعث والحساب لأنه يحقق وعده به كما يحقق كل ما وعد به خلقه
"إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الدخان"يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا"وقوله بسورة الجن "وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا" فالمولى هم الأولاد كما بسورة الدخان والذين كفروا هم القاسطون والوقود هو الحطب كما بسورة الجن والمعنى إن الذين كذبوا حكم الله لن تمنع عنهم أملاكهم ولا عيالهم من الله عقابا وأولئك هم حطب جهنم ،يبين الله لنا أن الذين كفروا وهم الذين عصوا حكم الله لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا والمراد أن أملاك الكفار وعيالهم لن يمنعوا عنهم العذاب فى الدنيا والأخرة لأن لا فدية بمال منه ولا ظلم بوضع مخلوق مكان مخلوق فى النار من العيال أو غيرهم والكفار هم وقود النار والمراد المادة التى تغذى جهنم أى الحطب الذى يتم إيلامه بالعذاب والقول يبدو كآيتين محذوف من كل منهما شىء فالأول حتى فيه والثانى إن الله لا يخلف الميعاد ليس من كلام الدعاء لأنه لو منه لكان إنك لا تخلف الميعاد لكونهم يخاطبون الله .
"كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنفال"كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله"فكذبوا تعنى كفروا وقوله بسورة الأعراف"فأخذناهم بما كانوا يكسبون"فالذنوب هى ما كانوا يكسبون وقوله بسورة البقرة "وإن الله شديد العذاب"فالعقاب هو العذاب والمعنى كعادة قوم فرعون والكفار الذين سبقوهم فى الدنيا كفروا بأحكامنا فعذبهم الله بسيئاتهم والله عظيم العذاب،يبين الله لنا أن دأب وهو عادة أى عمل قوم فرعون والأقوام التى عاشت قبلهم هى أنهم كذبوا بآيات الله والمراد عصوا أحكام الوحى المنزل من الله فكانت النتيجة أن أخذهم الله بذنوبهم أى عاقبهم بسبب عصيانهم وهو عمل السيئات والله شديد العقاب أى كبير العذاب حيث لا يوجد عذاب أكبر من عذابه ،والخطاب للنبى (ص)ولاحظ وجود جملة محذوفة فى أول الآية معناها كذب القوم .
"قل للذين كفروا ستغلبون ثم تحشرون إلى جهنم وبئس المهاد "يفسره قوله تعالى بسورة إبراهيم"وبئس القرار"وقوله بسورة فصلت"ويوم يحشر أعداء الله إلى النار" فالمهاد هو القرار كما بسورة إبراهيم والذين كفروا هم أعداء الله وجهنم هى النار كما بسورة فصلت والمعنى قل يا محمد للذين كذبوا حكم الله ستهزمون ثم تدخلون إلى النار وساء المقام ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يقول للذين كفروا وهم الذين كذبوا حكم الله :ستغلبون أى ستهزمون فى الدنيا ثم تحشرون إلى جهنم أى ثم تذهبون إلى النار فى الأخرة وهى بئس المهاد أى وساء مقام الإقامة حيث الألم المستمر،والخطاب للنبى(ص).
"قد كان لكم آية فى فئتين التقتا فئة تقاتل فى سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن فى ذلك لعبرة لأولى الأبصار"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنفال "وإذ يريكموهم إذا التقيتم فى أعينكم قليلا ويقللكم فى أعينهم"وقوله"هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين"وقوله بسورة غافر"إنا لننصر رسلنا والذين أمنوا"وقوله بسورة يوسف"عبرة لأولى الألباب"فيرونهم مثليهم رأى العين يفسره أن الله قلل الكفار فى أعين المؤمنين لكثرتهم حتى لا يخافوا وتأييده بنصره لمن يشاء هو تأييده للنبى (ص)ومن معه كما بسورة الأنفال هو نصر الرسل(ص)والذين أمنوا كما بسورة غافر وأولى الأبصار هم أولى الألباب والمعنى قد كان لكم عبرة فى جماعتين تقابلتا جماعة تحارب فى نصر دين الله وجماعة مكذبة لدين الله يشاهدونهم ضعفيهم مشاهدة البصر والله يقوى بتأييده من يحب إن فى ذلك لعظة لأهل العقول،يبين الله للمؤمنين أن الآية وهى العبرة لهم كانت فى الفئتين وهم الفرقتين اللتين التقتا أى تقابلتا فى ميدان الحرب فمنهم فرقة أى فئة تقاتل فى سبيل الله أى تحارب لإعلاء دين الله وأخرى كافرة أى وجماعة مكذبة بدين الله تحارب لإطفاء نور الله وكانت الفرقة المؤمنة ترى الفرقة الكافرة مثليهم رأى العين والمراد يشاهدونهم مشاهدة البصر أنهم فى العدد قدرهم مرتين ويبين الله لنا أنه يؤيد بنصره من يشاء والمراد أنه يساعد بقوته من يريد وهم المؤمنين وهم جنود الله فى الكون ويبين لنا إن فى ذلك عبرة لأولى الأبصار والمراد عظة يستفيد منها أصحاب العقول وهى أن العدد لا يؤثر فى انتصار المسلمين إذا كان قليلا،والخطاب للمؤمنين وتبدو الآية لا صلة بما قبلها ولا ما بعدها .
"زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب"يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة "زين للذين كفروا الحياة الدنيا"فالناس هنا هم الذين كفروا وقوله بسورة الكهف"زينة الحياة الدنيا"فالمتاع هو الزينة وقوله بسورة آل عمران"والله عنده حسن الثواب "فالمآب هو الثواب والمعنى حسن للكفار ود المتع من الإناث والأولاد والمكاييل الموزونة من الذهب والفضة والقوة المعدة والطعام والشراب تلك منافع الحياة الأولى والله لديه خير المتع ،يبين الله لنا أنه زين للناس حب الشهوات والمراد حبب للكفار أخذ المتع من :النساء وهى الإناث التى يجامعهن فهى شهوة الجنس كما تسمى حاليا وشهوة النساء عند الرجال وشهوة الرجال عند النساء ،والبنين وهم الأولاد الذين يعتقد أنهم مصدر عزة له وهى شهوة الصبيان،والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والمراد الأثقال الموزونة من الذهب والفضة وهى شهوة المال ،والأنعام والحرث ويقصد بهما شهوة الطعام فهما كناية عن شهوة الأكل أى الطعام والشراب فالأنعام هى الحيوانات والحرث هو النبات ومنهما أكل المخلوق،ويبين الله أن تلك المتع هى متاع الحياة الأولى والمراد هى منافع الحياة الأولى والله عنده حسن المآب والمراد لديه خير المتع وهى متع الجنة فى الأخرة والخطاب للنبى(ص) .
"قل أؤنبئكم بخير من ذلكم مثوبة للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنعام "لهم دار السلام عند ربهم"فالمثوبة وهى الجنات هى دار السلام وقوله بسورة الحجر"وما هم منها بمخرجين"فخالدين تعنى أنهم لا يخرجون من الجنة وقوله بسورة الدخان "وزوجناهم بحور عين"فالأزواج المطهرة هى الحور العين وقوله بسورة الإسراء"إنه كان بعباده خبيرا"فالبصير هو الخبير بالعباد والمعنى قل هل أخبركم بأفضل من ذلكم جزاء للذين أطاعوا حكم خالقهم حدائق تسير فى أرضها العيون باقين فيها ولهم زوجات زكيات أى رحمة من الرب والله خبير بالخلق ،يطلب الله من رسوله (ص)أن يسأل الناس"أؤنبئكم بخير من ذلكم مثوبة"؟والمراد هل أخبركم بأحسن من متاع الدنيا ؟وهو السابق ذكره فى الآية السابقة ويطلب منه أن يجيب قائلا:للذين اتقوا وهم الذين اتبعوا حكم الله عند ربهم أى لدى خالقهم فى الأخرة جنات تجرى من تحتها الأنهار والمراد حدائق تسير فى أرضها العيون وهى مجارى السوائل المشروبة من ماء وخمر ولبن وعسل ووصفت بأنها من تحتها لأن مجارى العيون تكون دائما أسفل من الأرض حولها ولهم فيها أزواج مطهرة أى زوجات زكيات أى حور عين وفسر الله الجنات بأنها رضوان من الله أى رحمة من الرب للمتقين ،ويبين لهم أنه بصير بالعباد والمراد عليم بما يعمل الخلق فى كل وقت ،والخطاب للنبى (ص)وما بعده وما بعده.
"الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار "يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران"وكفر عنا سيئاتنا"فاغفر تعنى كفر وذنوبنا تعنى سيئاتنا وقوله بسورة غافر"وقهم عذاب الجحيم"فالنار هى الجحيم والمعنى الذين يقولون إلهنا إننا صدقنا حكمك فكفر عنا سيئاتنا أى امنع عنا عقاب الجحيم،يبين الله لنا أن الذين اتقوا هم الذين يقولون أى يدعون الله :ربنا آمنا والمراد إلهنا صدقنا بوحيك المنزل فامحو لنا سيئاتنا فهم يطلبون من الله أن يعفو عن ذنوبهم ويقولون:وقنا عذاب النار والمراد وامنع عنا عقاب الجحيم وهذا هو نفسه الطلب الأول فالغفران معناه منع العذاب .
"الصابرين والصادقين والقانتين والمستغفرين بالأسحار" معنى الآية هم الطائعين أى المحسنين أى الخاشعين أى التائبين بالليالى ،يبين الله لنا أن الذين اتقوا هم الصابرين أى الطائعين لحكم الله فيما أصابهم من خير أو شر وفسرهم بأنهم الصادقين أى العاملين للصدق وهو حكم الله وفسرهم بأنهم القانتين أى الخاضعين لحكم الله وفسرهم بأنهم المستغفرين بالأسحار أى الذين يطلبون التوبة والمراد يطلبون العفوعن ذنوبهم فى الليالى .
"شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم "معنى الآية أقر الله أنه لا رب إلا هو والملائكة وأهل المعرفة حافظا للكون بالعدل لا رب إلا هو الناصر القاضى ،يبين الله لنا أنه شهد أى أقر هو والملائكة وأولوا العلم وهم أهل المعرفة من الناس بالتالى :أن لا إله إلا هو أى لا رب يستحق العبادة سواه وهو قائم بالقسط أى حافظ للكون بالميزان وهو العدل وهو العزيز أى الناصر لمن ينصره وهو الحكيم أى القاضى بالعدل فيما بين خلقه ،والخطاب وما بعده للناس.
"إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب"يفسر الآية قوله تعالى بسورة يوسف "إن الحكم إلا لله "فالإسلام هو الحكم وقوله بسورة البقرة"من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم"فالعلم هو البينات وقوله بسورة العنكبوت"وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون"فيكفر تعنى يجحد وقوله بسورة الأنعام "إن ربك سريع العقاب"فالحساب هو العقاب هنا والمعنى إن الحكم لدى هو الإسلام وما تنازع الذين أعطوا الحكم إلا من بعد ما أتاهم الوحى كفرا منهم بأحكام الله فإن الله شديد العقاب ،يبين الله لنا أن الدين وهو الحكم الذى يجب حكم الناس به هو الإسلام أى الوحى المنزل على محمد(ص)،ويبين لنا أن الذين أوتوا الكتاب وهم الذين أعطوا الوحى سابقا اختلفوا بعد ما جاءهم العلم والمراد تنازعوا بعد ما أتاهم الوحى الإلهى والسبب بغيا بينهم أى ظلما بينهم أى حب بعضهم للتميز عن الأخرين والمراد كفرا منهم بأحكام الله ويبين الله لنا أن من يكفر أى يكذب بحكم الله فإن الله سريع الحساب أى شديد العقاب والمراد أن من يكفر يعاقبه الله .
"فإن حاجوك فقل أسلمت وجهى لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الحج "وإن جادلوك"فحاجوك تعنى جادلوك وقوله بسورة الأنعام "قل إنى أمرت أن أكون أول من أسلم "فإسلام الوجه لله هو أن يكون أول من أسلم وقوله بسورة البقرة"فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا"فأسلموا تعنى آمنوا وقوله بسورة الغاشية"فذكر إنما أنت مذكر"فالبلاغ هو التذكير وقوله بسورة الإسراء"إنه كان بعباده خبيرا"فالبصير هو الخبير والمعنى فإن جادلوك فقل ملكت نفسى لحكم الله ومن أطاعنى وقل للذين أعطوا الوحى أى الكفار هل أطعتم حكم الله فإن أطاعوا فقد رشدوا وإن كفروا فإنما عليك التوصيل للوحى وعلينا عقابهم والله خبير بالخلق،يبين الله لرسوله(ص)أن الناس إن حاجوه أى جادلوه فى حكم الله فعليه أن يقول لهم :أسلمت وجهى لله والمراد أطاعت نفسى حكم الله أنا ومن اتبعن أى ومن أطاعنى من الناس ،وأن يقول للذين أوتوا الكتاب وهم الذين أعطوا الوحى السابق كله أى الأميين وهم الكفار السابقين كلهم :أأسلمتم أى هل أطعتم حكم الله؟ويبين الله له أنهم إن أسلموا أى أطاعوا حكم الله فقد اهتدوا أى أخذوا الجنة وإن تولوا أى وإن كفروا بحكم الله فإنما عليك البلاغ أى التوصيل لحكم الله وعلينا عقابهم ،ويبين الله له أنه بصير بالعباد أى خبير بالخلق يعرف كل شىء عنهم،والخطاب للنبى(ص)وما بعده.
"إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون الناس بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم "يفسر الآية قوله تعالى بسورة النحل"إن الذين لا يؤمنون بآيات الله"فيكفرون تعنى لا يؤمنون والمعنى إن الذين يكذبون بأحكام الله ويذبحون الرسل بغير جرم ويذبحون الذين يطلبون الخلق بالعدل من الخلق فأخبرهم بعقاب شديد ،يبين الله لرسوله(ص)أن الذين يكفرون بآيات الله والمراد الذين يكذبون بأحكام الله ويقتلون النبيين بغير حق والمراد ويذبحون الرسل(ص)رسل بنى إسرائيل دون جريمة يستحقون عليها القتل ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس والمراد ويذبحون الذين يطالبون الخلق بالعدل من الخلق بغير جريمة يستحقون عليها العقاب على النبى(ص)أن يبشرهم بعذاب أليم أى يخبرهم بعقاب شديد هو دخول النار والخطاب للنبى(ص) وما بعده وما بعده.
"أولئك حبطت أعمالهم فى الدنيا والأخرة وما لهم من ناصرين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة محمد"أضل أعمالهم"فحبط تعنى أضل أى أخسر وقوله بسورة الشورى "وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله"فالناصرين هم الأولياء والمعنى أولئك خسرت أفعالهم فى الأولى والقيامة وما لهم من منقذين ،يبين الله لرسوله(ص)أن الكفار حبطت أعمالهم أى خسر ثواب أفعالهم فى الدنيا وهى الحياة الأولى والأخرة وهى القيامة وما لهم من ناصرين أى وليس لهم منقذين من عذاب الله .
"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة النور"ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين"فالذين أوتوا الكتاب دعوا بعضهم لتحكيم كتاب الله أى أعلنوا إيمانهم بالله ورسوله(ص)كما بسورة النور ومعنى معرضون أنهم ليسوا مؤمنين والمعنى ألم تعلم بالذين أعطوا معرفة من الوحى ينادون لحكم الله ليفصل بينهم ثم يعرض جمع منهم وهم كافرون ،يبين الله لرسوله(ص)أن الذين أوتوا نصيبا من الكتاب والمراد أن الذين أعطاهم الله بعضا من الوحى الإلهى يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم والمراد ينادون بعضهم البعض إلى طاعة حكم الله ليفصل بينهم فيما هم فيه يختلفون ومع ذلك تولى فريق منهم أى عصت جماعة منهم حكم الله وهم معرضون أى وهم مكذبون به والخطاب للنبى(ص).
"ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم فى دينهم ما كانوا يفترون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنعام "يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا"وقوله بسورة الحديد"وغرتكم الأمانى"فما يفترون هو إيحاء زخرف القول كما بسورة الأنعام هو الأمانى والمعنى ذلك بأنهم قالوا لن ندخل الجحيم سوى ليالى قليلة أى خدعهم فى حكمهم الذى كانوا يؤلفون من الأكاذيب ،يبين الله لرسوله(ص)أن السبب فى إعراض الفريق الكتابى هو أنهم قالوا :لن تمسنا النار إلا أياما معدودات والمراد لن نعذب سوى أيام قليلة بعدها ندخل الجنة وفسر الله هذا بأنهم غرهم فى دينهم ما كانوا يفترون والمراد خدعهم فى حكمهم الذى كانوا يؤلفون من الأقوال ثم ينسبونها إلى الله زورا ومنها قولهم أن دخولهم النار سيكون لأيام قليلة والخطاب للنبى(ص) وما بعده .
"فكيف إذ جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة غافر"اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم "فالريب هو الظلم ووفيت تعنى تجزى والمعنى فكيف إذ حشرناهم ليوم لا ظلم فيه وجوزى كل فرد بما عمل وهم لا ينقصون حقا،يسأل الله عن حال القوم إذا بعثهم فى يوم القيامة كيف إذ جمعناهم أى بعثناهم فى يوم لا ريب فيه أى لا ظلم فيه لأحد ووفيت كل نفس ما كسبت أى وأعطى كل فرد جزاء ما عمل فى الدنيا وهم لا يظلمون أى وهم لا ينقصون من حقهم شيئا؟والغرض من السؤال هو إعلامنا أن القوم سيعلمون كذب قولهم أن النار لن تمسهم سوى أيام قليلة فى يوم القيامة عندما يوفون حسابهم وساعتها سيكون حالهم هو أسوأ حال.
"قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الجاثية "ولله ملك السموات والأرض"فالملك هو السموات والأرض وقوله بسورة آل عمران"قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء" فالفضل هو الخير الذى بيد الله وقوله بسورة آل عمران "والله يؤيد بنصره من يشاء"فيعز تعنى يؤيد بنصره وقوله بسورة الحج "ومن يهن الله "فيذل تعنى يهن "وقوله بسورة إبراهيم "إن الله يفعل ما يشاء"ففعل ما يشاء هو قدرته على كل شىء والمعنى قل اللهم حاكم الكون تعطى الحكم لمن تريد وتمنعه عن من تريد أى تكرم من تريد وتهين من تريد إنك لكل أمر تريده فاعل ،يطلب الله من رسوله (ص)أن يقول :اللهم مالك الملك أى اللهم حاكم الكون تؤتى الملك من تشاء والمراد تعطى الحكم من تريد وفسر هذا بأنه يعز من يريد أى يكرم من يريد من الخلق وتنزع من تشاء أى وتمنع الحكم من تريد وفسر هذا بأنه يذل من يشاء أى يهين من يريد من الخلق بمنع الحكم عنه،بيدك الخير أى بأمرك الرحمة ويفسرها قوله تعالى بسورة فاطر"ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده "فكون الرحمة بأمره تعنى أنه يعطيها لمن يريد ويمنعها عن من يريد ،إنك على كل شىء قدير أى إنك لكل أمر تريده فاعل ،وهذا يعنى أن الله يفعل ما يريد فى ملكه والآية كلها تقول لنا أن الله حر التصرف فى ملكه كيف يريد والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"تولج الليل فى النهار وتولج النهار فى الليل وتخرج الحى من الميت والميت من الحى وترزق من تشاء بغير حساب "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الزمر"يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل"فيولج تعنى يكور وقوله بسورة الزمر"إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"فرزق من يشاء بغير حساب هو رزق الصابرين هو دخول الجنة لقوله تعالى بسورة غافر"فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب "والمعنى يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وتفصل الباقى من الهالك والهالك من الباقى وتعطى من تريد بغير عقاب ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يقول:تولج الليل فى النهار أى تجعل الليل مكان النهار بالسلخ تدريحيا فالمكان الذى تغيب عنه الشمس يصبح ليلا وتولج النهار فى الليل أى وتجعل النهار مكان الليل بالسلخ تدريجيا فالمكان الذى تطلع فيه الشمس يذهب عنه ظلام الليل وتخرج الحى من الميت أى وتفصل الباقى عن الهالك وتخرج الميت من الحى أى وتفصل الهالك من الباقى وهذا معناه أن الله يفصل بين عالم الأحياء وعالم الأموات فمن يترك عالم الأموات وهو عالم الغيب يصبح فى عالم الأحياء وتنقطع صلته بعالم الأموات ومن يترك عالم الأحياء يذهب لعالم الأموات وتنقطع صلته بعالم الأحياء،وترزق من تشاء بغير حساب أى وتعطى من تريد الرحمة دون عقاب،يبين القول لنا أن الله يعطى الرزق وهو الرحمة لمن يريد وهم المسلمين بغير حساب أى بدون عقاب والمراد دون أن يدخلهم النار.
"لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شىء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير"يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران "لا تتخذوا بطانة من دونكم "فالأولياء هم البطانة وقوله بسورة الممتحنة "لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء "فالكافرين هم أعداء الله والمؤمنين وقوله بسورة الممتحنة "ومن يفعل ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل" ففاعل التولية ليس من الله فى شىء معناه أنه ضل سواء السبيل وقوله بسورة الإسراء"إن عذاب ربك كان محذورا "فنفس الله يراد بها هنا عذاب الله الذى يجب الحذر منه وقوله بسورة الحج"ولله عاقبة الأمور"فالمصير هو عاقبة الأمور والمعنى لا يجعل المصدقون بحكم الله المكذبون بحكم الله أنصار ومن يصنع التناصر معهم فليس من الله فى دين ،عليكم أن تأخذوا الحذر منهم ويخوفكم الله عذابه وإلى جزاء الله العودة،ينهى الله المؤمنين أى المسلمين عن اتخاذ الكفار أولياء لهم من دون المسلمين الأخرين والمراد ينهاهم عن جعل الكفار أنصار لهم ومن ثم فالواجب على المسلمين هو أن يجعلوا بعضهم أنصار بعض ويبين الله لهم أن من يفعل ذلك أى من يوالى الكفار ليس من الله فى شىء أى ليس من الله فى دين الإسلام والمراد أنه ليس مسلما أى كافرا وطلب الله منهم أن يتقوا منهم تقاة والمراد أن يأخذوا منهم الحذر حتى لا يتسببوا فى إلحاق الهزيمة أو الردة بهم نتيجة التعذيب من الكفار الذى لا يحسب المسلمون حسابها ،ويحذر الله المؤمنين نفسه والمراد ويخوف الله المسلمين من عذابه المعد لمن يخاف أمره ويبين لهم أن المصير وهو العودة فى الأخرة إليه والمراد إلى جزاءه ثوابا أو عقابا ونلاحظ أن الجزء الأول حتى المؤمنين هو خطاب للنبى(ص)وما بعده خطاب للمؤمنين ويبدو أن بقية خطاب النبى (ص) محذوف لأنه لو كان خطابا للمؤمنين لقال لهم لا تتخذوا كما قال فى سورتى الممتحنة وآية آل عمران الأخرى ولم يقل لا يتخذ المؤمنين لأنه بهذا يتحدث عن غائبين بينما بقية الآية تتحدث عن حاضرين بدليل كلمات من يفعل وتتقوا .
"قل إن تخفوا ما فى صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما فى السموات وما فى الأرض والله على كل شىء قدير "يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"وإن تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" فصدوركم تعنى أنفسكم ويعلمه تعنى يحاسبكم بعد علمه به وقوله بسورة النحل"والله يعلم ما تسرون وما تعلنون"فما تخفوه هو ما يسرون وما يبدوه هو ما يعلنوه وقوله بسورة يونس"وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا فى كتاب مبين "فعلمه بكل ما فى السموات والأرض معناه أنه لا يعزب عنه فيهما شىء من ذرة أو أصغر منها أو أكبر منها وقوله بسورة البروج"فعال لما يريد"فكون الله قدير على كل شىء تعنى أنه فعال لما يريد والمعنى قل يا محمد إن تسروا الذى فى أنفسكم أو تظهروه يعرفه الله ويعرف الذى فى السموات والذى فى الأرض والله لكل أمر يريده فاعل ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يقول للمؤمنين:إن تخفوا ما فى صدوركم أو تبدوه يعلمه الله والمراد إن تكتموا الذى فى قلوبكم أو تعلنوه يعرفه الله فيحاسبكم عليه والغرض من القول هو إعلام المسلمين الذين فى نيتهم الكفر بمخالفة أمر الله بعدم موالاة الكفار أن عليهم الإمتناع عن ذلك لأن الله سيعرفه وسيحاسبهم عليه ،وأن يقول لهم أن الله يعلم أى يعرف الذى فى السموات والذى فى الأرض والغرض منه كالغرض من القول السابق ،ويقول :أن الله على كل شىء قدير أى الله لكل أمر يريده فاعل والمراد أنه قادر على عقابهم إن خالفوا أمره ،والخطاب للنبى(ص).
"يوم تجد كل نفس ما عملت من خيرا محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الزلزلة "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره"فالمحضر هو ما يراه الفرد فى كتابه من الخير والسوء هو الشر وقوله بسورة الإسراء"إن عذاب ربك كان محذورا "فنفس الله الواجب الحذر منها هى عذابه وقوله بسورة البقرة"إن الله بالناس لرءوف رحيم"فالناس هم العباد والرءوف هو الرحيم والمعنى يوم ترى كل نفس ما صنعت من صالحا موجودا وما صنعت من فاسد موجودا تحب لو أن بينها وبينه بعدا عظيما ويخوفكم الله عذابه والله رحيم بالمؤمنين،يطلب الله من رسوله(ص)أن يقول للمؤمنين أن يوم تجد كل نفس ما عملت من خيرا محضرا وما عملت من سوء والمراد يوم يشاهد كل فرد ما فعل من فعل حسن موجودا فى كتابه وما فعل من شر موجودا فى كتابه هو يوم الحساب وعند ذلك تود النفس الكافرة لو أن بينها وبين عملها الشرير أمدا بعيدا أى بعدا كبيرا يمنع عنها عذاب الله ،ويحذر الله المؤمنين من نفسه والمراد ويخوف الله المسلمين من عذابه حتى لا يخالفوه ويبين لهم أنه رءوف بالعباد أى رحيم بالمؤمنين فى الأخرة ونلاحظ أن أول القول محذوف ومعناه وما يوم الحساب؟ والخطاب وما بعده للنبى(ص)يوجهه للناس.
"قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم "يفسر الآية قوله تعالى بسورة محمد"إن تنصروا الله ينصركم "فحب الله هو نصر دينه وحب الله لنا هو نصره لنا برحمته لنا فى الدنيا والأخرة وقوله بسورة الأنفال"ويكفر عنكم سيئاتكم"فيغفر لكم ذنوبكم تعنى يكفر عنكم سيئاتكم والمعنى قل يا محمد إن كنتم تطيعون الله فأطيعونى يثيبكم الله أى يمحو لكم سيئاتكم والله عفو نافع للمستغفرين،يطلب الله من رسوله (ص)أن يقول للمؤمنين: إن كنتم تحبون الله والمراد إن كنتم تتبعون حكم الله لأن ليس هناك معنى لحب الله سوى الإيمان بحكمه وطاعته فاتبعونى يحببكم الله أى فأطيعوا حكمى يرحمكم الله وفسر هذا بقوله ويغفر لكم ذنوبكم أى يمحو لكم سيئاتكم فيدخلكم الجنة ويبين لهم أنه غفور رحيم أى تارك عقاب الذنوب نافع لمن يستغفر لذنبه برحمته وهى الجنة
سميت السورة بهذا الإسم لذكر آل عمران بها وقصة زوجته وابنتها مريم عليهم الصلاة والسلام فقد ذكر بقوله "إن الله اصطفى أدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين" وهذا ما نعرفه حاليا والآن إلى تفسير السورة .
"بسم الله الرحمن الرحيم ألم الله لا إله إلا هو الحى القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد والله عزيز ذو انتقام"المعنى بحكم الرب النافع المفيد آيات الله لا رب إلا هو الباقى الحافظ أوحى إليك الوحى بالعدل مشابها للذى لديه وأوحى التوراة والإنجيل من قبل رشاد للخلق وأوحى الحق إن الذين كذبوا بأحكام الله لهم عقاب أليم والله قوى صاحب غضب،قوله"بسم الله الرحمن الرحيم ألم الله لا إله إلا هو الحى القيوم نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه "أصله بسم الله الرحمن الرحيم ألم نزل الله عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه لا إله إلا هو الحى القيوم والمعنى بحكم الله النافع المفيد آيات أوحى الله إليك الوحى بالعدل مطابقا للذى عنده لا رب إلا هو الباقى الحافظ ،يبين الله للنبى(ص) أنه باسمه وهو حكمه قد أنزل ألم أى آيات القرآن وتفسيرها بالحق وهو العدل وأن القرآن وتفسيره الذى قاله النبى (ص) مصدق والمراد مطابق مشابه لما بين يدى الله أى لما عند الله فى أم الكتاب مصداق لقوله تعالى بسورة الزخرف "وإنه فى أم الكتاب لدينا" وقوله بسورة المائدة"مصدقا لما بين يديه من الكتاب " فى الكعبة ويبين له أن لا إله إلا هو والمراد لا رب إلا الله فهو وحده المستحق للعبادة وأنه الحى أى الباقى الذى لا يموت كما بقوله تعالى بسورة الفرقان "وتوكل على الحى الذى لا يموت" وأنه القيوم أى الحافظ لأمر السموات والأرض ،وقوله "وأنزل التوراة والإنجيل من قبل هدى للناس "يعنى وأوحى التوراة والإنجيل من قبل إرشاد للخلق ،يبين الله لرسوله(ص) أنه أنزل أى أوحى التوراة إلى موسى(ص)والإنجيل على عيسى(ص) من قبل نزول القرآن هدى للناس أى إرشاد للخلق ،وقوله "وأنزل الفرقان"يعنى وأوحى القرآن وهذا يعنى أن الله أوحى الفرقان أى المفرق بين الحق والباطل وهو القرآن،وقوله "إن الذين كفروا بآيات الله لهم عذاب شديد "يفسره قوله تعالى بسورة الحج"والذين كفروا وكذبوا بآياتنا فأولئك لهم عذاب مهين"فالذين كفروا أى كذبوا والشديد هو المهين والمعنى إن الذين كذبوا بأحكام الله لهم عقاب أليم ،يبين الله لرسوله(ص)أن الذين كفروا أى كذبوا بآيات الله وهى أحكام الله لهم عذاب شديد أى لهم عقاب مهين ،وقوله"والله عزيز ذو انتقام "يفسره قوله تعالى بسورة فصلت"وذو عقاب أليم"فالإنتقام هو العقاب الأليم والمعنى والله قوى صاحب عقاب ،يبين الله لرسوله(ص)أنه عزيز أى قوى ذو انتقام أى صاحب عقاب للكفار ،والخطاب للنبى(ص).
"إن الله لا يخفى عليه شىء فى الأرض ولا فى السماء"يفسره قوله تعالى بسورة يونس"وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا فى كتاب مبين"فالله لا يخفى أى لا يعزب عنه شىء أى ذرة أو أكبر أو أصغر منها سواء فى الأرض أو فى السموات والمعنى إن الله لا يغيب عن علمه أمر فى الأرض ولا فى السموات ،يبين الله أن علمه يشمل كل أمر فى السماء والأرض ولهذا على الناس أن يحذروا من عذابه فلا يعملوا الباطل خوفا من علمه به ومن ثم عقابه لهم والخطاب للناس هو وما بعده.
"هو الذى يصوركم فى الأرحام كيف يشاء لا إله إلا هو العزيز الحكيم"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الزمر"يخلقكم فى بطون أمهاتكم"وقوله بسورة النمل"إن ربك يقضى بينهم بحكمه"فيصوركم يعنى يخلقكم والأرحام هى البطون كما بسورة الزمر والحكيم هو الذى يقضى بالحكم العادل والمعنى هو الذى يخلقكم فى البطون كيف يريد لا رب إلا هو الناصر القاضى ،يبين الله لنا أنه يصور الأجنة فى أرحام الأمهات والمراد يركب الإنسان فى أى صورة أى خلقة أى شكل يريد وهذا يعنى أن المورثات لا دخل لها بعملية التشكيل وهو يتم فى داخل البطون والله لا إله إلا هو أى لا رب يستحق الطاعة سواه وهو العزيز أى الناصر لمن يطيعه الحكيم أى الذى يقضى بالعدل.
"هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلا أولوا الألباب"قوله"هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات"يفسره قوله تعالى بسورة الكهف"واتل ما أوحى إليك من ربك"فالكتاب يعنى ما أوحى الله والمعنى هو الذى أوحى لك القرآن وتفسيره منه أحكام مفروضات هن أصل الحكم وأحكام مماثلات،يبين الله لرسوله(ص)أنه هو الذى أنزل له الكتاب والمراد الذى أوحى إليه الوحى الذى ينقسم إلى آيات محكمات أى أحكام واجبات الطاعة هن أم الكتاب أى أصل الحكم وآيات متشابهات أى وأحكام مماثلات لها ليست واجبة الطاعة الآن وهى الأحكام المنسوخة ،وقوله" فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله"يعنى فأما الذين فى نفوسهم كفر فيقصدون الذى تماثل منه طلبا للوقيعة وطلبا لتفسيره،يبين الله أن الذين فى قلوبهم زيغ أى الذين فى نفوسهم مرض هو التكذيب لحكم الله يتبعون ما تشابه منه والمراد يطيعون الذى تماثل منه وهو المنسوخ وأسباب طاعتهم للمنسوخ هى ابتغاء الفتنة وابتغاء التأويل والمراد طلبا لإحداث الخلاف بين المسلمين وطلبا للتفسير الصحيح للوحى حتى يقدروا على قلب الحق باطلا ،وقوله"وما يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا "يعنى وما يعرف تفسيره إلا الله والثابتون فى المعرفة يقولون صدقنا به الجميع من لدى الله ،يبين الله لنا أن تأويل الآيات وهو تفسيرها التفسير الصحيح لا يعلم به أى لا يعرفه سوى الله والراسخون فى العلم وهم الثابتون فى المعرفة أى أهل الذكر ولا يمكن أن يعلم الله وحده بالتفسير لأن الأمر لو كان كذلك فمعناه أن كل الرسل(ص)والفقهاء كانوا جهلة لا يعرفون تفسيره وهو ما لا يقول به عاقل ،وقوله"وما يذكر إلا أولوا الألباب"يفسره قوله تعالى بسورة آل عمران"لأولى الأبصار" فالألباب هى الأبصار أى البصائر والمعنى وما يطيع الوحى سوى أهل العقول،وهذا يعنى أن أولى الألباب وهم أهل العقول أى البصائر هم الذين يذكرون الوحى أى هم الذين يطيعون حكم الله ،والخطاب للمؤمنين.
"ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الكهف"آتنا من لدنك رحمة "فهب تعنى آتنا والمعنى إلهنا لا تضل نفوسنا بعد إذ أرشدتنا وأعط لنا من عندك رأفة إنك أنت العاطى،يبين الله لرسوله(ص)أن الراسخين فى العلم يقولون فى دعائهم "ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا"أى إلهنا لا تبعد نفوسنا عن الإسلام بعد إذ أرشدتنا للعمل به وهذا هو طلب النصر فى الدنيا ويقولون "وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب"أى وأعطى لنا من عندك فضل هو الجنة إنك أنت العاطى،وهذا هو طلب النصر فى الأخرة ويبين لنا أن الله هو الوهاب أى العاطى فى الدنيا والأخرة ،والقول محذوف منه بدايته وهو ما معناه قال أو دعا المسلمون فقالوا وما بعده مثله والخطاب للنبى(ص) .
"ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه إن الله لا يخلف الميعاد"يفسر الآية قوله تعالى بسورة غافر"لا ظلم اليوم "وقوله بسورة الروم "لا يخلف الله وعده"وقوله بسورة البقرة "فلن يخلف الله عهده" فالريب هو الظلم كما بسورة غافر والميعاد هو الوعد كما بسورة الروم والعهد كما بسورة البقرة والمعنى إلهنا إنك باعث الخلق ليوم لا ظلم فيه إن الله لا ينقض عهده،يبين الله لرسوله(ص)أن الراسخين فى العلم يقولون فى الدعاء:ربنا إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه والمراد إلهنا إنك حاشر الخلق ليوم لا باطل فيه وهذا يعنى أن يوم القيامة ليس فيه ظلم وهو اليوم الذى يبعث فيه الخلق كلهم للحساب ويقولون:إن الله لا يخلف الميعاد والمراد إن الله لا ينقض عهده وهذا يعنى إيمانهم بحدوث البعث والحساب لأنه يحقق وعده به كما يحقق كل ما وعد به خلقه
"إن الذين كفروا لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا وأولئك هم وقود النار "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الدخان"يوم لا يغنى مولى عن مولى شيئا"وقوله بسورة الجن "وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا" فالمولى هم الأولاد كما بسورة الدخان والذين كفروا هم القاسطون والوقود هو الحطب كما بسورة الجن والمعنى إن الذين كذبوا حكم الله لن تمنع عنهم أملاكهم ولا عيالهم من الله عقابا وأولئك هم حطب جهنم ،يبين الله لنا أن الذين كفروا وهم الذين عصوا حكم الله لن تغنى عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا والمراد أن أملاك الكفار وعيالهم لن يمنعوا عنهم العذاب فى الدنيا والأخرة لأن لا فدية بمال منه ولا ظلم بوضع مخلوق مكان مخلوق فى النار من العيال أو غيرهم والكفار هم وقود النار والمراد المادة التى تغذى جهنم أى الحطب الذى يتم إيلامه بالعذاب والقول يبدو كآيتين محذوف من كل منهما شىء فالأول حتى فيه والثانى إن الله لا يخلف الميعاد ليس من كلام الدعاء لأنه لو منه لكان إنك لا تخلف الميعاد لكونهم يخاطبون الله .
"كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كذبوا بآياتنا فأخذهم الله بذنوبهم والله شديد العقاب"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنفال"كدأب آل فرعون والذين من قبلهم كفروا بآيات الله"فكذبوا تعنى كفروا وقوله بسورة الأعراف"فأخذناهم بما كانوا يكسبون"فالذنوب هى ما كانوا يكسبون وقوله بسورة البقرة "وإن الله شديد العذاب"فالعقاب هو العذاب والمعنى كعادة قوم فرعون والكفار الذين سبقوهم فى الدنيا كفروا بأحكامنا فعذبهم الله بسيئاتهم والله عظيم العذاب،يبين الله لنا أن دأب وهو عادة أى عمل قوم فرعون والأقوام التى عاشت قبلهم هى أنهم كذبوا بآيات الله والمراد عصوا أحكام الوحى المنزل من الله فكانت النتيجة أن أخذهم الله بذنوبهم أى عاقبهم بسبب عصيانهم وهو عمل السيئات والله شديد العقاب أى كبير العذاب حيث لا يوجد عذاب أكبر من عذابه ،والخطاب للنبى (ص)ولاحظ وجود جملة محذوفة فى أول الآية معناها كذب القوم .
"قل للذين كفروا ستغلبون ثم تحشرون إلى جهنم وبئس المهاد "يفسره قوله تعالى بسورة إبراهيم"وبئس القرار"وقوله بسورة فصلت"ويوم يحشر أعداء الله إلى النار" فالمهاد هو القرار كما بسورة إبراهيم والذين كفروا هم أعداء الله وجهنم هى النار كما بسورة فصلت والمعنى قل يا محمد للذين كذبوا حكم الله ستهزمون ثم تدخلون إلى النار وساء المقام ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يقول للذين كفروا وهم الذين كذبوا حكم الله :ستغلبون أى ستهزمون فى الدنيا ثم تحشرون إلى جهنم أى ثم تذهبون إلى النار فى الأخرة وهى بئس المهاد أى وساء مقام الإقامة حيث الألم المستمر،والخطاب للنبى(ص).
"قد كان لكم آية فى فئتين التقتا فئة تقاتل فى سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن فى ذلك لعبرة لأولى الأبصار"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنفال "وإذ يريكموهم إذا التقيتم فى أعينكم قليلا ويقللكم فى أعينهم"وقوله"هو الذى أيدك بنصره وبالمؤمنين"وقوله بسورة غافر"إنا لننصر رسلنا والذين أمنوا"وقوله بسورة يوسف"عبرة لأولى الألباب"فيرونهم مثليهم رأى العين يفسره أن الله قلل الكفار فى أعين المؤمنين لكثرتهم حتى لا يخافوا وتأييده بنصره لمن يشاء هو تأييده للنبى (ص)ومن معه كما بسورة الأنفال هو نصر الرسل(ص)والذين أمنوا كما بسورة غافر وأولى الأبصار هم أولى الألباب والمعنى قد كان لكم عبرة فى جماعتين تقابلتا جماعة تحارب فى نصر دين الله وجماعة مكذبة لدين الله يشاهدونهم ضعفيهم مشاهدة البصر والله يقوى بتأييده من يحب إن فى ذلك لعظة لأهل العقول،يبين الله للمؤمنين أن الآية وهى العبرة لهم كانت فى الفئتين وهم الفرقتين اللتين التقتا أى تقابلتا فى ميدان الحرب فمنهم فرقة أى فئة تقاتل فى سبيل الله أى تحارب لإعلاء دين الله وأخرى كافرة أى وجماعة مكذبة بدين الله تحارب لإطفاء نور الله وكانت الفرقة المؤمنة ترى الفرقة الكافرة مثليهم رأى العين والمراد يشاهدونهم مشاهدة البصر أنهم فى العدد قدرهم مرتين ويبين الله لنا أنه يؤيد بنصره من يشاء والمراد أنه يساعد بقوته من يريد وهم المؤمنين وهم جنود الله فى الكون ويبين لنا إن فى ذلك عبرة لأولى الأبصار والمراد عظة يستفيد منها أصحاب العقول وهى أن العدد لا يؤثر فى انتصار المسلمين إذا كان قليلا،والخطاب للمؤمنين وتبدو الآية لا صلة بما قبلها ولا ما بعدها .
"زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب"يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة "زين للذين كفروا الحياة الدنيا"فالناس هنا هم الذين كفروا وقوله بسورة الكهف"زينة الحياة الدنيا"فالمتاع هو الزينة وقوله بسورة آل عمران"والله عنده حسن الثواب "فالمآب هو الثواب والمعنى حسن للكفار ود المتع من الإناث والأولاد والمكاييل الموزونة من الذهب والفضة والقوة المعدة والطعام والشراب تلك منافع الحياة الأولى والله لديه خير المتع ،يبين الله لنا أنه زين للناس حب الشهوات والمراد حبب للكفار أخذ المتع من :النساء وهى الإناث التى يجامعهن فهى شهوة الجنس كما تسمى حاليا وشهوة النساء عند الرجال وشهوة الرجال عند النساء ،والبنين وهم الأولاد الذين يعتقد أنهم مصدر عزة له وهى شهوة الصبيان،والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والمراد الأثقال الموزونة من الذهب والفضة وهى شهوة المال ،والأنعام والحرث ويقصد بهما شهوة الطعام فهما كناية عن شهوة الأكل أى الطعام والشراب فالأنعام هى الحيوانات والحرث هو النبات ومنهما أكل المخلوق،ويبين الله أن تلك المتع هى متاع الحياة الأولى والمراد هى منافع الحياة الأولى والله عنده حسن المآب والمراد لديه خير المتع وهى متع الجنة فى الأخرة والخطاب للنبى(ص) .
"قل أؤنبئكم بخير من ذلكم مثوبة للذين اتقوا عند ربهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها وأزواج مطهرة ورضوان من الله والله بصير بالعباد"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنعام "لهم دار السلام عند ربهم"فالمثوبة وهى الجنات هى دار السلام وقوله بسورة الحجر"وما هم منها بمخرجين"فخالدين تعنى أنهم لا يخرجون من الجنة وقوله بسورة الدخان "وزوجناهم بحور عين"فالأزواج المطهرة هى الحور العين وقوله بسورة الإسراء"إنه كان بعباده خبيرا"فالبصير هو الخبير بالعباد والمعنى قل هل أخبركم بأفضل من ذلكم جزاء للذين أطاعوا حكم خالقهم حدائق تسير فى أرضها العيون باقين فيها ولهم زوجات زكيات أى رحمة من الرب والله خبير بالخلق ،يطلب الله من رسوله (ص)أن يسأل الناس"أؤنبئكم بخير من ذلكم مثوبة"؟والمراد هل أخبركم بأحسن من متاع الدنيا ؟وهو السابق ذكره فى الآية السابقة ويطلب منه أن يجيب قائلا:للذين اتقوا وهم الذين اتبعوا حكم الله عند ربهم أى لدى خالقهم فى الأخرة جنات تجرى من تحتها الأنهار والمراد حدائق تسير فى أرضها العيون وهى مجارى السوائل المشروبة من ماء وخمر ولبن وعسل ووصفت بأنها من تحتها لأن مجارى العيون تكون دائما أسفل من الأرض حولها ولهم فيها أزواج مطهرة أى زوجات زكيات أى حور عين وفسر الله الجنات بأنها رضوان من الله أى رحمة من الرب للمتقين ،ويبين لهم أنه بصير بالعباد والمراد عليم بما يعمل الخلق فى كل وقت ،والخطاب للنبى (ص)وما بعده وما بعده.
"الذين يقولون ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وقنا عذاب النار "يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران"وكفر عنا سيئاتنا"فاغفر تعنى كفر وذنوبنا تعنى سيئاتنا وقوله بسورة غافر"وقهم عذاب الجحيم"فالنار هى الجحيم والمعنى الذين يقولون إلهنا إننا صدقنا حكمك فكفر عنا سيئاتنا أى امنع عنا عقاب الجحيم،يبين الله لنا أن الذين اتقوا هم الذين يقولون أى يدعون الله :ربنا آمنا والمراد إلهنا صدقنا بوحيك المنزل فامحو لنا سيئاتنا فهم يطلبون من الله أن يعفو عن ذنوبهم ويقولون:وقنا عذاب النار والمراد وامنع عنا عقاب الجحيم وهذا هو نفسه الطلب الأول فالغفران معناه منع العذاب .
"الصابرين والصادقين والقانتين والمستغفرين بالأسحار" معنى الآية هم الطائعين أى المحسنين أى الخاشعين أى التائبين بالليالى ،يبين الله لنا أن الذين اتقوا هم الصابرين أى الطائعين لحكم الله فيما أصابهم من خير أو شر وفسرهم بأنهم الصادقين أى العاملين للصدق وهو حكم الله وفسرهم بأنهم القانتين أى الخاضعين لحكم الله وفسرهم بأنهم المستغفرين بالأسحار أى الذين يطلبون التوبة والمراد يطلبون العفوعن ذنوبهم فى الليالى .
"شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم "معنى الآية أقر الله أنه لا رب إلا هو والملائكة وأهل المعرفة حافظا للكون بالعدل لا رب إلا هو الناصر القاضى ،يبين الله لنا أنه شهد أى أقر هو والملائكة وأولوا العلم وهم أهل المعرفة من الناس بالتالى :أن لا إله إلا هو أى لا رب يستحق العبادة سواه وهو قائم بالقسط أى حافظ للكون بالميزان وهو العدل وهو العزيز أى الناصر لمن ينصره وهو الحكيم أى القاضى بالعدل فيما بين خلقه ،والخطاب وما بعده للناس.
"إن الدين عند الله الإسلام وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ومن يكفر بآيات الله فإن الله سريع الحساب"يفسر الآية قوله تعالى بسورة يوسف "إن الحكم إلا لله "فالإسلام هو الحكم وقوله بسورة البقرة"من بعد ما جاءتهم البينات بغيا بينهم"فالعلم هو البينات وقوله بسورة العنكبوت"وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون"فيكفر تعنى يجحد وقوله بسورة الأنعام "إن ربك سريع العقاب"فالحساب هو العقاب هنا والمعنى إن الحكم لدى هو الإسلام وما تنازع الذين أعطوا الحكم إلا من بعد ما أتاهم الوحى كفرا منهم بأحكام الله فإن الله شديد العقاب ،يبين الله لنا أن الدين وهو الحكم الذى يجب حكم الناس به هو الإسلام أى الوحى المنزل على محمد(ص)،ويبين لنا أن الذين أوتوا الكتاب وهم الذين أعطوا الوحى سابقا اختلفوا بعد ما جاءهم العلم والمراد تنازعوا بعد ما أتاهم الوحى الإلهى والسبب بغيا بينهم أى ظلما بينهم أى حب بعضهم للتميز عن الأخرين والمراد كفرا منهم بأحكام الله ويبين الله لنا أن من يكفر أى يكذب بحكم الله فإن الله سريع الحساب أى شديد العقاب والمراد أن من يكفر يعاقبه الله .
"فإن حاجوك فقل أسلمت وجهى لله ومن اتبعن وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما عليك البلاغ والله بصير بالعباد"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الحج "وإن جادلوك"فحاجوك تعنى جادلوك وقوله بسورة الأنعام "قل إنى أمرت أن أكون أول من أسلم "فإسلام الوجه لله هو أن يكون أول من أسلم وقوله بسورة البقرة"فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا"فأسلموا تعنى آمنوا وقوله بسورة الغاشية"فذكر إنما أنت مذكر"فالبلاغ هو التذكير وقوله بسورة الإسراء"إنه كان بعباده خبيرا"فالبصير هو الخبير والمعنى فإن جادلوك فقل ملكت نفسى لحكم الله ومن أطاعنى وقل للذين أعطوا الوحى أى الكفار هل أطعتم حكم الله فإن أطاعوا فقد رشدوا وإن كفروا فإنما عليك التوصيل للوحى وعلينا عقابهم والله خبير بالخلق،يبين الله لرسوله(ص)أن الناس إن حاجوه أى جادلوه فى حكم الله فعليه أن يقول لهم :أسلمت وجهى لله والمراد أطاعت نفسى حكم الله أنا ومن اتبعن أى ومن أطاعنى من الناس ،وأن يقول للذين أوتوا الكتاب وهم الذين أعطوا الوحى السابق كله أى الأميين وهم الكفار السابقين كلهم :أأسلمتم أى هل أطعتم حكم الله؟ويبين الله له أنهم إن أسلموا أى أطاعوا حكم الله فقد اهتدوا أى أخذوا الجنة وإن تولوا أى وإن كفروا بحكم الله فإنما عليك البلاغ أى التوصيل لحكم الله وعلينا عقابهم ،ويبين الله له أنه بصير بالعباد أى خبير بالخلق يعرف كل شىء عنهم،والخطاب للنبى(ص)وما بعده.
"إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون الناس بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم "يفسر الآية قوله تعالى بسورة النحل"إن الذين لا يؤمنون بآيات الله"فيكفرون تعنى لا يؤمنون والمعنى إن الذين يكذبون بأحكام الله ويذبحون الرسل بغير جرم ويذبحون الذين يطلبون الخلق بالعدل من الخلق فأخبرهم بعقاب شديد ،يبين الله لرسوله(ص)أن الذين يكفرون بآيات الله والمراد الذين يكذبون بأحكام الله ويقتلون النبيين بغير حق والمراد ويذبحون الرسل(ص)رسل بنى إسرائيل دون جريمة يستحقون عليها القتل ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس والمراد ويذبحون الذين يطالبون الخلق بالعدل من الخلق بغير جريمة يستحقون عليها العقاب على النبى(ص)أن يبشرهم بعذاب أليم أى يخبرهم بعقاب شديد هو دخول النار والخطاب للنبى(ص) وما بعده وما بعده.
"أولئك حبطت أعمالهم فى الدنيا والأخرة وما لهم من ناصرين "يفسر الآية قوله تعالى بسورة محمد"أضل أعمالهم"فحبط تعنى أضل أى أخسر وقوله بسورة الشورى "وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله"فالناصرين هم الأولياء والمعنى أولئك خسرت أفعالهم فى الأولى والقيامة وما لهم من منقذين ،يبين الله لرسوله(ص)أن الكفار حبطت أعمالهم أى خسر ثواب أفعالهم فى الدنيا وهى الحياة الأولى والأخرة وهى القيامة وما لهم من ناصرين أى وليس لهم منقذين من عذاب الله .
"ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم معرضون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة النور"ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين"فالذين أوتوا الكتاب دعوا بعضهم لتحكيم كتاب الله أى أعلنوا إيمانهم بالله ورسوله(ص)كما بسورة النور ومعنى معرضون أنهم ليسوا مؤمنين والمعنى ألم تعلم بالذين أعطوا معرفة من الوحى ينادون لحكم الله ليفصل بينهم ثم يعرض جمع منهم وهم كافرون ،يبين الله لرسوله(ص)أن الذين أوتوا نصيبا من الكتاب والمراد أن الذين أعطاهم الله بعضا من الوحى الإلهى يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم والمراد ينادون بعضهم البعض إلى طاعة حكم الله ليفصل بينهم فيما هم فيه يختلفون ومع ذلك تولى فريق منهم أى عصت جماعة منهم حكم الله وهم معرضون أى وهم مكذبون به والخطاب للنبى(ص).
"ذلك بأنهم قالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودات وغرهم فى دينهم ما كانوا يفترون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الأنعام "يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا"وقوله بسورة الحديد"وغرتكم الأمانى"فما يفترون هو إيحاء زخرف القول كما بسورة الأنعام هو الأمانى والمعنى ذلك بأنهم قالوا لن ندخل الجحيم سوى ليالى قليلة أى خدعهم فى حكمهم الذى كانوا يؤلفون من الأكاذيب ،يبين الله لرسوله(ص)أن السبب فى إعراض الفريق الكتابى هو أنهم قالوا :لن تمسنا النار إلا أياما معدودات والمراد لن نعذب سوى أيام قليلة بعدها ندخل الجنة وفسر الله هذا بأنهم غرهم فى دينهم ما كانوا يفترون والمراد خدعهم فى حكمهم الذى كانوا يؤلفون من الأقوال ثم ينسبونها إلى الله زورا ومنها قولهم أن دخولهم النار سيكون لأيام قليلة والخطاب للنبى(ص) وما بعده .
"فكيف إذ جمعناهم ليوم لا ريب فيه ووفيت كل نفس ما كسبت وهم لا يظلمون"يفسر الآية قوله تعالى بسورة غافر"اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم "فالريب هو الظلم ووفيت تعنى تجزى والمعنى فكيف إذ حشرناهم ليوم لا ظلم فيه وجوزى كل فرد بما عمل وهم لا ينقصون حقا،يسأل الله عن حال القوم إذا بعثهم فى يوم القيامة كيف إذ جمعناهم أى بعثناهم فى يوم لا ريب فيه أى لا ظلم فيه لأحد ووفيت كل نفس ما كسبت أى وأعطى كل فرد جزاء ما عمل فى الدنيا وهم لا يظلمون أى وهم لا ينقصون من حقهم شيئا؟والغرض من السؤال هو إعلامنا أن القوم سيعلمون كذب قولهم أن النار لن تمسهم سوى أيام قليلة فى يوم القيامة عندما يوفون حسابهم وساعتها سيكون حالهم هو أسوأ حال.
"قل اللهم مالك الملك تؤتى الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شىء قدير "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الجاثية "ولله ملك السموات والأرض"فالملك هو السموات والأرض وقوله بسورة آل عمران"قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء" فالفضل هو الخير الذى بيد الله وقوله بسورة آل عمران "والله يؤيد بنصره من يشاء"فيعز تعنى يؤيد بنصره وقوله بسورة الحج "ومن يهن الله "فيذل تعنى يهن "وقوله بسورة إبراهيم "إن الله يفعل ما يشاء"ففعل ما يشاء هو قدرته على كل شىء والمعنى قل اللهم حاكم الكون تعطى الحكم لمن تريد وتمنعه عن من تريد أى تكرم من تريد وتهين من تريد إنك لكل أمر تريده فاعل ،يطلب الله من رسوله (ص)أن يقول :اللهم مالك الملك أى اللهم حاكم الكون تؤتى الملك من تشاء والمراد تعطى الحكم من تريد وفسر هذا بأنه يعز من يريد أى يكرم من يريد من الخلق وتنزع من تشاء أى وتمنع الحكم من تريد وفسر هذا بأنه يذل من يشاء أى يهين من يريد من الخلق بمنع الحكم عنه،بيدك الخير أى بأمرك الرحمة ويفسرها قوله تعالى بسورة فاطر"ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها وما يمسك فلا مرسل له من بعده "فكون الرحمة بأمره تعنى أنه يعطيها لمن يريد ويمنعها عن من يريد ،إنك على كل شىء قدير أى إنك لكل أمر تريده فاعل ،وهذا يعنى أن الله يفعل ما يريد فى ملكه والآية كلها تقول لنا أن الله حر التصرف فى ملكه كيف يريد والخطاب وما بعده للنبى(ص).
"تولج الليل فى النهار وتولج النهار فى الليل وتخرج الحى من الميت والميت من الحى وترزق من تشاء بغير حساب "يفسر الآية قوله تعالى بسورة الزمر"يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل"فيولج تعنى يكور وقوله بسورة الزمر"إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب"فرزق من يشاء بغير حساب هو رزق الصابرين هو دخول الجنة لقوله تعالى بسورة غافر"فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب "والمعنى يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وتفصل الباقى من الهالك والهالك من الباقى وتعطى من تريد بغير عقاب ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يقول:تولج الليل فى النهار أى تجعل الليل مكان النهار بالسلخ تدريحيا فالمكان الذى تغيب عنه الشمس يصبح ليلا وتولج النهار فى الليل أى وتجعل النهار مكان الليل بالسلخ تدريجيا فالمكان الذى تطلع فيه الشمس يذهب عنه ظلام الليل وتخرج الحى من الميت أى وتفصل الباقى عن الهالك وتخرج الميت من الحى أى وتفصل الهالك من الباقى وهذا معناه أن الله يفصل بين عالم الأحياء وعالم الأموات فمن يترك عالم الأموات وهو عالم الغيب يصبح فى عالم الأحياء وتنقطع صلته بعالم الأموات ومن يترك عالم الأحياء يذهب لعالم الأموات وتنقطع صلته بعالم الأحياء،وترزق من تشاء بغير حساب أى وتعطى من تريد الرحمة دون عقاب،يبين القول لنا أن الله يعطى الرزق وهو الرحمة لمن يريد وهم المسلمين بغير حساب أى بدون عقاب والمراد دون أن يدخلهم النار.
"لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله فى شىء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير"يفسر الآية قوله تعالى بسورة آل عمران "لا تتخذوا بطانة من دونكم "فالأولياء هم البطانة وقوله بسورة الممتحنة "لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء "فالكافرين هم أعداء الله والمؤمنين وقوله بسورة الممتحنة "ومن يفعل ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل" ففاعل التولية ليس من الله فى شىء معناه أنه ضل سواء السبيل وقوله بسورة الإسراء"إن عذاب ربك كان محذورا "فنفس الله يراد بها هنا عذاب الله الذى يجب الحذر منه وقوله بسورة الحج"ولله عاقبة الأمور"فالمصير هو عاقبة الأمور والمعنى لا يجعل المصدقون بحكم الله المكذبون بحكم الله أنصار ومن يصنع التناصر معهم فليس من الله فى دين ،عليكم أن تأخذوا الحذر منهم ويخوفكم الله عذابه وإلى جزاء الله العودة،ينهى الله المؤمنين أى المسلمين عن اتخاذ الكفار أولياء لهم من دون المسلمين الأخرين والمراد ينهاهم عن جعل الكفار أنصار لهم ومن ثم فالواجب على المسلمين هو أن يجعلوا بعضهم أنصار بعض ويبين الله لهم أن من يفعل ذلك أى من يوالى الكفار ليس من الله فى شىء أى ليس من الله فى دين الإسلام والمراد أنه ليس مسلما أى كافرا وطلب الله منهم أن يتقوا منهم تقاة والمراد أن يأخذوا منهم الحذر حتى لا يتسببوا فى إلحاق الهزيمة أو الردة بهم نتيجة التعذيب من الكفار الذى لا يحسب المسلمون حسابها ،ويحذر الله المؤمنين نفسه والمراد ويخوف الله المسلمين من عذابه المعد لمن يخاف أمره ويبين لهم أن المصير وهو العودة فى الأخرة إليه والمراد إلى جزاءه ثوابا أو عقابا ونلاحظ أن الجزء الأول حتى المؤمنين هو خطاب للنبى(ص)وما بعده خطاب للمؤمنين ويبدو أن بقية خطاب النبى (ص) محذوف لأنه لو كان خطابا للمؤمنين لقال لهم لا تتخذوا كما قال فى سورتى الممتحنة وآية آل عمران الأخرى ولم يقل لا يتخذ المؤمنين لأنه بهذا يتحدث عن غائبين بينما بقية الآية تتحدث عن حاضرين بدليل كلمات من يفعل وتتقوا .
"قل إن تخفوا ما فى صدوركم أو تبدوه يعلمه الله ويعلم ما فى السموات وما فى الأرض والله على كل شىء قدير "يفسر الآية قوله تعالى بسورة البقرة"وإن تبدوا ما فى أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله" فصدوركم تعنى أنفسكم ويعلمه تعنى يحاسبكم بعد علمه به وقوله بسورة النحل"والله يعلم ما تسرون وما تعلنون"فما تخفوه هو ما يسرون وما يبدوه هو ما يعلنوه وقوله بسورة يونس"وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا فى كتاب مبين "فعلمه بكل ما فى السموات والأرض معناه أنه لا يعزب عنه فيهما شىء من ذرة أو أصغر منها أو أكبر منها وقوله بسورة البروج"فعال لما يريد"فكون الله قدير على كل شىء تعنى أنه فعال لما يريد والمعنى قل يا محمد إن تسروا الذى فى أنفسكم أو تظهروه يعرفه الله ويعرف الذى فى السموات والذى فى الأرض والله لكل أمر يريده فاعل ،يطلب الله من رسوله(ص)أن يقول للمؤمنين:إن تخفوا ما فى صدوركم أو تبدوه يعلمه الله والمراد إن تكتموا الذى فى قلوبكم أو تعلنوه يعرفه الله فيحاسبكم عليه والغرض من القول هو إعلام المسلمين الذين فى نيتهم الكفر بمخالفة أمر الله بعدم موالاة الكفار أن عليهم الإمتناع عن ذلك لأن الله سيعرفه وسيحاسبهم عليه ،وأن يقول لهم أن الله يعلم أى يعرف الذى فى السموات والذى فى الأرض والغرض منه كالغرض من القول السابق ،ويقول :أن الله على كل شىء قدير أى الله لكل أمر يريده فاعل والمراد أنه قادر على عقابهم إن خالفوا أمره ،والخطاب للنبى(ص).
"يوم تجد كل نفس ما عملت من خيرا محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا ويحذركم الله نفسه والله رءوف بالعباد"يفسر الآية قوله تعالى بسورة الزلزلة "فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره"فالمحضر هو ما يراه الفرد فى كتابه من الخير والسوء هو الشر وقوله بسورة الإسراء"إن عذاب ربك كان محذورا "فنفس الله الواجب الحذر منها هى عذابه وقوله بسورة البقرة"إن الله بالناس لرءوف رحيم"فالناس هم العباد والرءوف هو الرحيم والمعنى يوم ترى كل نفس ما صنعت من صالحا موجودا وما صنعت من فاسد موجودا تحب لو أن بينها وبينه بعدا عظيما ويخوفكم الله عذابه والله رحيم بالمؤمنين،يطلب الله من رسوله(ص)أن يقول للمؤمنين أن يوم تجد كل نفس ما عملت من خيرا محضرا وما عملت من سوء والمراد يوم يشاهد كل فرد ما فعل من فعل حسن موجودا فى كتابه وما فعل من شر موجودا فى كتابه هو يوم الحساب وعند ذلك تود النفس الكافرة لو أن بينها وبين عملها الشرير أمدا بعيدا أى بعدا كبيرا يمنع عنها عذاب الله ،ويحذر الله المؤمنين من نفسه والمراد ويخوف الله المسلمين من عذابه حتى لا يخالفوه ويبين لهم أنه رءوف بالعباد أى رحيم بالمؤمنين فى الأخرة ونلاحظ أن أول القول محذوف ومعناه وما يوم الحساب؟ والخطاب وما بعده للنبى(ص)يوجهه للناس.
"قل إن كنتم تحبون الله فاتبعونى يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم "يفسر الآية قوله تعالى بسورة محمد"إن تنصروا الله ينصركم "فحب الله هو نصر دينه وحب الله لنا هو نصره لنا برحمته لنا فى الدنيا والأخرة وقوله بسورة الأنفال"ويكفر عنكم سيئاتكم"فيغفر لكم ذنوبكم تعنى يكفر عنكم سيئاتكم والمعنى قل يا محمد إن كنتم تطيعون الله فأطيعونى يثيبكم الله أى يمحو لكم سيئاتكم والله عفو نافع للمستغفرين،يطلب الله من رسوله (ص)أن يقول للمؤمنين: إن كنتم تحبون الله والمراد إن كنتم تتبعون حكم الله لأن ليس هناك معنى لحب الله سوى الإيمان بحكمه وطاعته فاتبعونى يحببكم الله أى فأطيعوا حكمى يرحمكم الله وفسر هذا بقوله ويغفر لكم ذنوبكم أى يمحو لكم سيئاتكم فيدخلكم الجنة ويبين لهم أنه غفور رحيم أى تارك عقاب الذنوب نافع لمن يستغفر لذنبه برحمته وهى الجنة
أمس في 10:13 pm من طرف رضا البطاوى
» العجائب والغرائب فى دنيا التفسير بالهوى
الإثنين نوفمبر 25, 2024 9:51 pm من طرف رضا البطاوى
» قراءة فى مقال محاربات الأمازون
الأحد نوفمبر 24, 2024 9:52 pm من طرف رضا البطاوى
» قراءة فى كتاب قانون تفسير القرآن للنجم الطوفي
السبت نوفمبر 23, 2024 9:44 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى كتاب موقف علي في الحديبية
الجمعة نوفمبر 22, 2024 9:34 pm من طرف رضا البطاوى
» عمر الرسول (ص)
الخميس نوفمبر 21, 2024 9:43 pm من طرف رضا البطاوى
» قراءة فى قصة طفولية المسيح عيسى(ص)
الأربعاء نوفمبر 20, 2024 9:11 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى بحث خطأ في فهم مراد الفضيل بن عياض بخصوص ترك العمل لأجل الناس
الثلاثاء نوفمبر 19, 2024 9:36 pm من طرف رضا البطاوى
» نظرات فى قصة هاروت وماروت
الإثنين نوفمبر 18, 2024 9:33 pm من طرف رضا البطاوى